اليوم وفور توقيع الاتفاق الإطاري بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد، انطلقت موجة عارمة من "الهري والفتي" المعتاد في كافة الاتجاهات، سواء في الفضاء الإعلامي أو الفضاء الافتراضي، فتجد من يصور الاتفاق كنصر مؤزر لإيران، ومن يصوره كهزيمة نكراء لها! والغريب هو التعامل مع الخبر كأنه مفاجأة، رغم أن الوصول لاتفاق صار مرجحا منذ 2013م، حين بات واضحا أن عدم الاتفاق لا يخدم مصلحة أي من الطرفين! والاتفاق الذي تم التوصل إليه اليوم حصلت به إيران على كثير من المكاسب قطعا لكنها كذلك قدمت تنازلات مرضية للطرف الآخر. وسنقوم هنا بعرض مكاسب كل طرف مقارنة بمقترحات الحل السابقة منذ 2003م وحتى اليوم. المكاسب الإيرانية (1) عدم خلط أوراق الملف النووي بغيره من الملفات العالقة! فلم يفرض الاتفاق أية قيود على المنظومة الصاروخية لإيران، رغم تصريحات "فرانك روز" نائب وزير الخارجية في 27 أبريل 2014م بأن الولاياتالمتحدة ستعمل مع شركائها على الحد من إمكانات إيران الصاروخية (والتي زادت بعد الإعلان في مارس 2015م عن الصاروخ "سومار" المعدل من الروسي "كي إتش 55" والبالغ مداه ألفي كيلومتر). كذلك لم يتعرض الاتفاق لأي قيود على العلاقات الإقليمية لإيران رغم التعهدات الغربية المتتالية لدول الخليج، واكتفت الولاياتالمتحدة بزيادة تواجدها العسكري في مياه الخليج العربي اعتبارا من 27 مارس الجاري، كوسيلة لطمأنة حلفائها بأننا هنا من أجلكم! وقد كان ربط الاتفاق بالنشاط الإقليمي لإيران واردا في مقترحات عام 2003 كمثال، والتي تضمنت في البند الثاني منها التعاون في الملف العراقي! (2) رفع العقوبات الاقتصادية الخانقة على إيران تدريجيا بعد توقيع الاتفاق النهائي في يونيو المقبل، تلك العقوبات التي بلغت ذروتها اعتبارا من 2012م، وصارت مربكة بشدة للاقتصاد الإيراني ومؤثرة على حياة المواطنين. وكذلك التسييل التدريجي لأموال وأصول إيران المجمدة في الغرب والبالغة وفقا لتقديرات إيران لمائة مليار دولار! (3) استمرار مفاعل فوردو كمركز بحثي للنظائر المشعة لعلاج السرطان بمشاركة دولية، بديلا عن مقترح سابق بتقديم دول الخمسة زائد واحد النظائر المشعة لإيران، وهو ما يضمن التراكم المعرفي في هذا المجال لإيران وليس استهلاكه وحسب. المكاسب الغربية (1) تخفيض إمكانات إيران النووية، بما يضمن اقتصارها على الأهداف السلمية خلال السنوات العشر مدة الاتفاق. وجاءت البنود أكثر إحكاما من مقترحات سابقة، فشملت خفض طرادات مفاعل ناتنز للنصف، مقارنة بتثبيت عددها في مقترح يوليو 2011م، وتحويل مفاعل فوردو لمركز أبحاث نووية، وكذلك وقف تخصيب اليورانيوم 20% فأكثر، وتصدير اليورانيوم المخصب فوقها، وهو ما عارضته إيران في مقترحات 2012م. كذلك إعادة هيكلة مفاعل الماء الثقيل في "آراك" لتخصيب البلوتونيوم، وهو ما لم تتضمنه المقترحات السابقة، بالطبع فضلا عن الرقابة الدولية المطلقة والمفتوحة وبدون ترتيب مسبق، على كل المنشآت النووية الإيرانية، والتي كانت موجودة دائما في جميع المقترحات. (2) رفع العقوبات وفقا للاتفاق الإطاري سيكون تدريجيا، ومترتبا على درجة التزام إيران بتطبيق ما يخصها، وهي الصيغة التي عارضتها إيران قبل أن تقبلها أخيرا، خوفا من التذرع بها لاستمرار العقوبات بعد أن يتم تخفيض الإمكانات النووية الحالية. في النهاية؛ في هذا الاتفاق الإطاري، وككل اتفاق طوعي يتم توقيعه بعيدا عن الاستخدام المباشر للقوة، هناك مكاسب لكل طرف وتنازلات من كل طرف، وإلا لما تم الاتفاق، ولهذا فتصورات النصر المبين والهزيمة المنكرة لا تصلح هنا! لكن التقييم العام يقول بأن إيران صارت بعد الاتفاق أقوى مما كانت قبله، فما هو أثر تعافي الاقتصاد الإيراني على موازين القوى في المنطقة؟ وكيف يؤثر غلق الملف النووي العالق على الصراعات الدائرة بها؟ لهذا حديث آخر!