لم نجد شعيرة فى الإسلام تُهاجم بشدة وضراوة أكثر من شعيرة الحجاب، نعلم من المجتمعات الغربية وأنصارها الذين يسيرون بينها أن لهم طريقة فى المعيشة تختلف عن طرائق المتدينين من الشرقيين، وهم يجاهدون ليحافظوا على نظام معيشتهم هذا، وألا يحدث ما يعكر صفو حياتهم، هم اختاروا ألا يكون الإله وشعائره جزءا من حياتهم، وهم أيضاً لا يحبون أن تقع أعينهم على ما يذكرهم بالمستبد السماوى. الإسلام نظام يهدف إلى تربية الإنسان وتوجيهه إلى الأفضل والأكمل، فمنذ البداية يضع معايير اختيار الزوج والزوجة حتى تتهيأ النطفة فى قرار طاهر مستعدة لمهمة التربية الإلهية، ويستمر الأمر هكذا حتى كيفية الدفن والتكفين، وهو لم يغفل الكثير من الأمور، لذلك لا نندهش عندما نجده يتدخل فى سمات المسلم الخارجية، كما تدخل فى الملكات الباطنية ويحدد له القواعد العامة للشكل الخارجى، فنجده يأمر بالنظيف من الثياب ويأمر بعدم قص بعض الشعر وترك البعض الأخر، فإما أن تقصه كله او تتركه كله، ونجده يأمر بإعفاء اللحى وقص الشوارب، ونجده يأمر المرأة بالتستر عن مجموعة من الأشخاص ووضع قواعد لهذا الستر، وقد نجد الكليات فى الكتاب والجزئيات لدى الفقهاء، وكل الأمور تنصب فى الهدف الأسمى الذى هو تربية الإنسان والمجتمع، فالآن هناك شيئان ظاهران يحددان الهوية الظاهرية للإنسان المسلم، اللحية للرجال والحجاب للنساء. كما قلنا فالغرب يبغض الظاهر الدال على الهوية الإلهية، بنفس منطق الرجل الذى لا يحب أن يرى صورة فلان لأنه يذكره بالرجل الذى أساء إليه، فنجد الغرب يهتم بمسألة الحجاب واللحى، وحتى مسألة اللحية انتهى أمرها ووضعها فى حيز الموضة وضاعت دلالتها الدينية، بقى لديه الحجاب الذى لا يستطيع أن يجعله موضة لأنه بهذا سيغلق باب رزق صناعة بمليارات الدولارات، صناعة تزدهر بفضل المرأة التى لا تعتقد بالجمال الباطنى وتؤمن بالجمال الظاهرى فقط، فالحجاب بمفهومه الإسلامى قادر على إغراق تلك الصناعة فى المحيط. الآن فلندع الغرب بعصيهم واتباعهم بأذنابهم ولنتفحر بشعيرة الحجاب. إن الإنسان فى سعيه يحب أن يصيب الكمال ولذلك يتعلق بباعث الكمال، ويغترف من بئره القدسية لينال السمو، فكما يرى الإنسان إلهه يكون مثله ويقتدى بصفاته وأفعاله، فقد يكون هذا الإله سماوى أو أرضى، فحتى على المستوى الشخصي الإنسان يعلم بجهله فيلجأ لقدوة له تدله على الطريق وتشير إليه وقد تكون هذه القدوة زميل عمل أو مفكر او فيلسوف أو نبى أو إله، المهم أن الإنسان "الإلهى" يفيض بكل ما هو جميل وكامل وقدسي وطيب وعادل مقلداً الإله فى هذا. وهذا ما ينبغى أن يكون عليه الإنسان فى الحقيقة، ليس تفضلاً منه بل هو واجب عليه حتى يستقيم النظام الأصلح ويتحقق. بما أن النظام التكوينى للإنسان هو النظام الأصلح، وبما أن الإله عالم حكيم عادل، فأنه لابد من أن النظام التشريعى سيصب فى مصلحة هذا الإنسان، بمعنى أن النظام التشريعى الإلهى سيساعد الإنسان على التكامل المادى والمعنوى، لذا التزام الإنسان بالنظام التشريعى يساعد على تحقق النظام الأصلح. إن الله لم يخلق الموجودات متساوية بل جعل لكل منها حقيقة مختلفه وواجبات مختلفه وحقوق مختلفه، ومن تلك الموجودات المرأة التى خصها بالجانب الجمالى فى الخلق، وهذا أمر بديهى معلوم أن المرأة أجمل من الرجل وألطف وأرق وباعثه على السكينة والحنان. أن الإنسان مُيز عن البهائم والجمادات، وخاصة البهائم، فهو يجتمع معها فى حيثيتين وهما الشهوة والغضب، ويتفوق عليها بحيثية الإدراك والتساؤل عن العلل والتدبير، وتلك الحيثية تسمى بالعقل، ولفعل التعقل تجليات كثيرة ليست محل العرض هنا ولكن نخص بالذكر أن الحيوانات لم تعمد الى أن تصنع ملابس لها تسترها، بل الإنسان هو الذى فعل، على مدار الزمان وفى الحضارات العريقة التى تركت أثراً فى البشرية نجد أن الإنسان لا يتعرى بل فطرته تقتضيه أن يدرك ضرورة أن يستر جسده وأن جسده له خصوصية وأن ليس مشترك إنسانى عام. أن المرأة ككل الموجودات لها حقيقة مختلفة وأنها تمثل الجانب الجمالى فى الخلق، هذا ما يخص النظام التكوينى، ماذا عن النظام التشريعى؟ فى الحقيقة لقد خص الله الجانب الجمالى فى الخلق بالستر، فهو أمر الإنسان على العموم بالتستر وأشار فى سورة الأعراف أن التعرى سنة شيطانية ومدخل له لإفساد الإنسانية، وخص المرأة بالتستر عند تعاملها مع مجموعة من الأشخاص وعددهم فى سورة النور، وكما أسلفنا فأن النظام التشريعى هو ملائم ومكمل للنظام التكوينى. أن الإنسان يفيض بالعدل والجمال فى أفعاله كما يفيض به الإله، وهو فى الحقيقة المبدأ الأول فى نظام الأخلاق، فالنظام الأخلاقى يكون مفهوماً وبسيطاً بربطه بذلك المعيار ويكون مركباً ومحيراً ومربكاً إذا جعلت الأفعال الأخلاقية منفصلة عن بعضها البعض ويسئ للصورة الكلية لما يجب أن يكون عليه الصورة والأفعال الإسلامية، فمثلاً عندما نطبق المعيار على الحجاب فنجده فرض عقلى بأن تظهر المرأة للعالم ما يهديه وليس ما يقوده للتخيل والتوهم، أن تظهر للعالم الجلال والعفة والطيب ظاهراً وباطناً، ولا يعتقدن أحد أننا نغفل عن الرجل وأن العفة التزام المرأة فقط بل موضوع المقال ما جرنا لحمل الصفات على الموصوف، أم شرعاً فهو مطابق لما قال به الفقهاء بأنه ستر لكل البدن عدا الوجه والكفين وهذا مغايراً للصورة المغلوطة للحجاب أنه فقط غطاء للرأس مع كشف الساقين أو الذراعين أو إرتداء ما يظهر ملامح الجسم أو الوسط، فكل ما فات هو ظلم ويخرج عن مفهوم العدل الشامل الكامل فالحجاب يستر كل الجسد ولا يغفل عن جزء دون جزء والستر فى اللغة تعنى الا يرى الباطن من الظاهر، ونعلم أن بعض الفقهاء قالوا بالنقاب الا اننا نتكلم عن الحد الذى يتوافق مع كليات الإسلام الذى أتاح للمرأة دوراً بناءً فى المجتمع بجانب الرجل ولكن بالحد الذى يجعلها مستقله لا يطمع فيها ذوى الشهوات ولتؤخذ بجدية وعن قناعة بدون الإعتبار لسماتها الجسدية. قد يقول قائل أن الزى لا يعبر عن صاحبه، نقول بأن هذا لا يطابق الواقع، من منا رأى شخصاً بملابس معينة ولم يحكم عليه طبقاً لمظهره؟ المهرج فى السيرك لن يؤخذ بمحمل الجدية إلا إذا لطخ وجهة بالأصباغ، والراقصة أيضاً لن تحقق هدفها السامى بإخراج الناس من ظلمات العفة الى نور التهتك إذا رقصت وهى ترتدى نقاباً-واسعاً طبعاً-، هل يستطيع الجراح دخول غرفة الجراحة بدون التطهر وإرتداء الزى المخصص لهذا؟ هل دعاة التغريب إذا دخل عليهم شاب فى أحد مقابلات العمل بدون زى رسمى وكاراڤات هل سيتقبله أم سيرفضه؟ إذا كان الزى لا يعبر عن شئ وليس له قيمة لماذا هناك حفلات بملابس رسمية؟ لماذا لا أستطيع نزول حمام السباحة بملابس النوم؟ لماذا الجهات النظامية لها زى موحد؟ فى الحقيقة كلنا نعلم هذا لكن البعض يخشي البوح به مجاملة للأفكار الغربية وإدعاء التنوير والمسلمات والمشهورات التى فطمنا عليها ونحن فى المهد، نحن نعلم أن هناك زى يعبر عن العفة وزى يعبر عن الفحش، هناك زى يثير الشهوة لدى الإنسان سواء كان رجل أو إمرأة، إن للعفة زى وهو الحجاب، والمرأة التى تتنازل عنه تتقبل فكرة أن يتطلع الجميع الى خصوصياتها ولا تبالى، إن المرأة التى تعرض جسدها لا تختلف عن البهائم التى ترعى فى الشارع، وكشف الجسد لا يعبر عن الجمال بل هو قبح وحتى إن أدعى أحدهم التزين فإن التزين والجمال لا يجب ان يكون مدعاة لتفشي الفساد والرذيلة بالمجتمع. نقطة أخرى هامة وهى أنه فى الغرب المستنير المرأة تمشي بقطعة واحدة من الملابس ولا يهتم بها الرجال، نقول أنها عادة وثقافة، فهناك الرجل اعتاد على انتهاك خصوصيات المرأة ورأى منها ما رأى وشبع حتى وصل الأمر الى أنها تحتال عليه لتقنعه بالزواج أو تحتفظ به فى أى شكل من الأشكال، ورغم أنه فى الغرب المستنير حالات التحرش والمعاكسات والإغتصاب وبيوت المتعة إلا أن الرجل مازال يميل الى المرأة صعبة المنال وقد يتغير من أجل أن يسترضاها، أى أنه قد يتغير من أجلها. إن الثنائية فى التفكير موضة هذا الزمان، فالمرأة على صورتان إما المغلولة فى المنزل وترتدى ثلاثة أطنان من القماش الأسود أو المرأة التى تتظاهر بقطعة واحدة فى أوروبا، وهناك فى المنتصف العديد من الطبقات لكن طبقة واحدة فقط هى تمثل الإرادة الالهية وتوافق التشريع مع التكوين، ونختتم بحكمة لا نذكر مصدرها موجهة للرجال والنساء "تقمشوا تهابكم الرجال" وأيضاً نختم بالآية الكريمة "ومن يعظم شعائر الله فذلك من تقوى القلوب".