سريعا ما أخذتنا الأضواء إلى شرم الشيخ لنتابع المؤتمر الاقتصادى، وكانت نتائجه السياسية أعظم من جدواه الاقتصادية، ولا يعيب الاقتصاد أن يوظف لتحقيق مكاسب سياسية سواء على مستوى الدولة أو المستوى الدولى، كما لا يعيب الدولة أن توظف السياسة لتحقيق معدلات نمو اقتصادى، ولكن بعيدا عن خريطة التوازنات السياسية ومؤشرات الموازنات، ينبغى أن نجيب على تساؤل: هل نحن نمتلك مشروعا قوميا بالمعنى الفاعل والمؤثر، أم أننا نتبنى مشاريع مرحلية لا تكامل بينها وتظل أشبه بالإنجاز العاجز؟، هل نكتب اليوم لنعارض سياسات نظام أو رئيس أم استراتيجية منظومة ومؤسسات؟، وهل نحن فعليا نعارض أم نطرح بديلا استراتيجيا لعقل منظومة لا شخص نظام؟. فأغلب الظن أن آليات المشروع القومى لا تهتم كثيرا بالنظام السياسى القائم بقدر ما هى تهتم بنتاج هذا النظام المعبر عن رؤية كلية لا مرحلية للدولة، ربما يكتب البعض قائلا: ستكون هناك قناة جديدة وعاصمة إدارية متطورة، نعم هذا صحيح ولكن هل تلك المشروعات القومية تجسد مشروعا كليا أم هى أشبه باستراتيجية الفرص؟، هل هى فروض فى معادلة أشمل لمشروع التنمية المستهدف؟، هل هى خطوة نحو الهدف أم هى الهدف ذاته؟. وللعمل بشكل أدق على توضيح مسار التنمية كمشروع قومى بالمعنى المجرد غير المدفوع بالانفعال، يجب أن ندرك أن التحولات أو الإصلاحات الاقتصادية هى بحاجة أن تكون ضمن سلسلة طويلة من التحولات تهدف للتغيير الجذرى وإعادة صياغة لعقل الدولة، فمصر لم تعد بحاجة لإصلاح بل تغيير، أى أن الاستراتيجية العاجلة تكون مقدمة لأخرى آجلة، وهذا يستلزم وجود إطار لهذا التتابع يسمى المشروع القومى، ولا نفترض جهل الدولة لهذا بقدر تجاهلها لحقيقة ما ينبغى أن يكون عليه المشروع القومى. واجعلونا نضع فرضية: شقت القناة، وشيدت العاصمة، ولكن هل تم التخطيط الاستراتيجى لتلك المشروعات بعين الاستراتيجية كعلم أم الاستثمار كنشاط؟، بمعنى أدق، هل حسبت المخاطر بنفس الحجم الذى حسبت به الفرص؟، هل تم النظر إلى القناة بأنها مانع مائى جديد يضاف كمانع استراتيجى لنا وقت الصراع؟، وإن تم ذلك، فهل وضعت استراتيجية مكملة للتنمية الدفاعية بسيناء بتوظيف القناة كمدخل للتنمية؟. والعاصمة الجديدة، هل وجود عاصمة ساحلية لمصر على البحر الأحمر له مخاطر حال الصراع كون خليج العقبة بوابة الضربات الجوية الإسرائيلية، والذى هو بموجب المعاهدة منزوع الغطاء الدفاعى. على كل حال لسنا هنا ننكر القيمة الاقتصادية لتلك المشروعات، ولكن كل ما نريد قوله إننا بحاجة لإنتاج تجربة استراتيجية متصلة الزمن والأدوات والاعتبارات، لا تجارب للتنمية متقطعة المراحل والأشخاص والفرص، وأغلب الظن أننا نتحرك بدليل «الاستثمار» ولكن بلا بوصلة «الاستراتيجية».