هيئة الإسعاف: نجحنا في نقل 30 ألف طفل مبتسر بشكل آمن خلال 2025    «التضامن» توافق على إشهار جمعيتين في محافظة البحيرة    صادرات مصر الزراعية تسجل 6.2 مليون طن خلال 7 أشهر    المدارس الثانوية تواصل تسليم استمارات النجاح لطلاب الثانوية العامة    "الفجر" ترصد لحظة وصول محافظ الدقهلية لموقع كسر خط المياه لمتابعة تنفيذ أعمال الصيانه    رئيس «جهار» يستقبل وفدا من منظمة دعم أداء النظم الصحية والابتكار العالمية    طريقة عمل الكرواسون، لإفطار خفيف وبسيط    التعليم العالي: تجديد الشراكة العلمية بين مصر والصين في مكافحة الأمراض المتوطنة    وزير العمل: التعليم الفني يشهد طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة بتعاون وجهود ملحوظة من القطاع الخاص    انتظار صدور حكم في قضية سرقة عملات ذهبية أثرية من متحف ألماني    رصيف محطة هاتشيسون رقم 1 بميناء السخنة يستقبل السفينة ZHEN HUA 36 المخصصة لنقل الأوناش الثقيلة    منتخب مصر يحدد موعد معسكر سبتمبر استعدادا لمواجهتي إثيوبيا وبوركينا    للطلاب المتقدمين لمدارس التكنولوجيا التطبيقية.. طريقة دفع رسوم الاختبار    بدء دخول شاحنات المساعدات الإنسانية من مصر إلى قطاع غزة    الجيش التايلاندي يتهم كمبوديا بانتهاك وقف إطلاق النار    رئيس الوزراء البريطاني يعقد اجتماعا طارئا لبحث مسار السلام في غزة    نقيب المهندسين ل طلاب الثانوية العامة: احذروا من الالتحاق بمعاهد غير معتمدة.. لن نقيد خريجيها    رئيس اتحاد طنجة: عبد الحميد معالي اختار الانضمام إلى الزمالك عن أندية أوروبا    كريم رمزي يعلق على ستوري عبد القادر.. ويفجر مفاجأة بشأن موقف الزمالك    ثنائي المصري أحمد وهب وأحمد شرف ضمن معسكر منتخب الشباب استعدادًا لبطولة كأس العالم بشيلي    بعد القبض على رمضان صبحي.. تعرف على موقفة القانوني ومدة الحبس وموعد الأفراج عن اللاعب    بيان جديد من الكهرباء بشأن «أعطال الجيزة»    رسميًا الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 29-7-2025 في البنوك    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم الثلاثاء في شمال سيناء    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    "حرارة مرتفعة ورطوبة خانقة".. الأرصاد تكشف عن تفاصيل طقس الثلاثاء    عاجل.. الشرطة تلقي القبض على رمضان صبحي بعد عودته من تركيا    وزير التنمية المحلية: شركاء التنمية حليف قوي في دفع العمل البيئي والمناخي في مصر    سميرة صدقي: محمد رمضان وأحمد العوضي مش هيعرفوا يبقوا زي فريد شوقي (فيديو)    وزير الخارجية يلتقي بقادة مجموعة الحكماء The Elders الداعمة للسلام    ترامب: لا أسعى للقاء جين بينج لكني قد أزور الصين تلبية لدعوته    ارتفاع حصيلة ضحايا إطلاق النار فى نيويورك ل5 أشخاص بينهم ضابط شرطة    حملة «100 يوم صحة» تقدم 19.2 مليون خدمة طبية مجانية خلال 13 يوما    رابط التقديم الإلكتروني ل تنسيق الصف الأول الثانوي 2025.. مرحلة ثانية (الحد الأدني ب 6 محافظات)    يوسف معاطي: سعاد حسني لم تمت موتة عادية.. وهنيدي أخف دم كوميديان    ضياء رشوان: الأصوات المشككة لن تسكت.. والرئيس السيسي قال ما لم يقله أحد من الزعماء العرب    مصرع 30 شخصًا في العاصمة الصينية بكين جراء الأمطار الغزيرة    بفرمان من ريبيرو.. الأهلي يتراجع عن صفقته الجديدة.. شوبير يكشف    "بقميص الزمالك".. 15 صورة لرقص شيكابالا في حفل زفاف شقيقته    من «ظلمة» حطام غزة إلى «نور» العلم فى مصر    اليونسكو: الإسكندرية مدينة الانفتاح والإبداع وعاصمة فكرية عالمية    تحت عنوان «إتقان العمل».. أوقاف قنا تعقد 126 قافلة دعوية    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «حواديت» على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    مرشح الجبهة الوطنية: تمكين الشباب رسالة ثقة من القيادة السياسية    النجاح له ألف أب!    صراع على السلطة في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 29 يوليو    اليوم.. «الأعلى للثقافة» يعقد اجتماعه ال 72 للتصويت على جوائز الدولة لعام 2025 (قوائم المرشحين)    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    أخبار 24 ساعة.. انطلاق القطار الثانى لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    لجنة للمرور على اللجان الانتخابية بالدقهلية لبحث جاهزيتها لانتخابات الشيوخ    «النادي ممكن يتقفل».. رسائل نارية من نصر أبوالحسن لجماهير الإسماعيلي    6 مصابين في حريق شقة سكنية بالمريوطية بينهم شرطي (تفاصيل)    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحرير تكريت .. ما بين التحرير الوطني والتمحور الطائفي
نشر في البديل يوم 18 - 03 - 2015

بين عشية وضحاها فوجئ البعض بمقدرة العراقيين على تحرير أرضهم من عصابة داعش الإرهابية، مثلما فوجئوا قبل ما يربوا عن التسعة أشهر باجتياح مسلحي التنظيم الإرهابي معظم شمال وغرب العراق، متجهين إلى وسطه وعاصمته بغداد، التي وعد زعيم داعش أبو بكر البغدادي، "بفتحها" في أول أيام عيد الأضحى الماضي، وهو ما أربك مخططات البعض في الأستفادة من داعش التي خرجت عن السيطرة. المفاجأة الحالية تأتي بعد محاولات استعادة التوازن من واشنطن وحلفاءها بعد اختلال بسبب خطوات داعش المفاجئه للجميع بما من مولها وراعها وأعطاها شرعية منذ ثلاثة سنوات في سوريا ثم العراق.
نجح العراقيين وحلفاءهم في البرهنة على أن مواجهة داعش ليست بالأمر المستحيل كما روّج وصرح مسئولين غربيين وإقليميين أن مواجهة التنظيم ستستغرق سنوات، فبعد شهور قليلة نسبياً من التنظيم والتدريب استلزم أولا تغير في الحكومة العراقية والمسئولين عن الدفاع والأمن والاستخبارات الذين فشلوا لمصالح شخصية وحسابات سياسية أو لارتباطهم بمصالح دول إقليمية وغربية في مواجهة تنامي قوة التنظيم الإرهابي والأراضي التي سيطر عليها، وهو ما استوجب آلية موازية بجانب الجيش وقوى الأمن العراقية التي عانت من الإفساد المتعمد واتضاح أن التسليح والتدريب الأميركي الذي تكلف مليارات الدولارات لم يجدي أمام بضعة آلاف من مقاتلي داعش، ومن ثم تم استحداث أُطر شعبية بعضها كان له باع طويل في مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق، يندمج فيها المواطنين العراقيين لمحاربة الإرهاب بعيداً عن هوى السياسة والمصالح الشخصية والحزبية، وتبتعد عن استراتيجية واشنطن وحلفاءها التي تعمد إلى تحجيم التنظيم لا القضاء عليه لتوفير اكبر فرص ممكنه للتوظيف والتفاوض مستقبلاً.
أولى إنجازات هذه المعادلة الناجمة عن استراتيجية العراق وحلفاؤه في محاربة داعش هي التصدي لمقاتلي التنظيم وهزيمتهم بعد أسابيع من اجتياح الموصل ومنعهم من التقدم نحو بغداد، فبعد محاولات تقدم باتجاه المدن المحيطة بالعاصمة العراقية من الشمال تمهيداً لاجتياحها، فتم الشروع في اجراءات دفاعية شملت تنظيم القوات العراقية ودمج الأطر الشعبية تحت قيادة الحكومة العراقية، كجزء من استراتيجية تصاعدية تعمل على صد هجوم داعش واحتواءه، ثم استعادة التوازن واستعادة عنصر المبادرة، ثم أخيراً الوصول إلى نقطة الهجوم المضاد بغرض التحرير، الذي من الممكن إرجاع أولى جولاته إلى معارك جرف الصخر والطريق الدولي وأطراف ديالى ومنطقة المسيب وصولاً إلى بعقوبة والبغدادي شرقاً وغرباً ثم الضلوعية فتكريت، بالتوازي مع هجوم لقوات البيشمركة الكردية من الشمال الشرقي بمحاذاة الطريق الدولي الرابط بين بغداد وكركوك.
المرحلة الأخيرة من هذه العمليات التي استهدفت حصار ثم تحرير مدينة تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، حيث أن المدينة تعد مرتكز استراتيجي هام يربط بين شمال ووسط العراق، واستخدمته داعش في محاولات الزحف جنوباً باتجاه بغداد، والأن تعد المدينة مفصل هام يمهد لمعركة تحرير الموصل.
وبخصوص الموصل، فأنه من اللافت أن تعلن الولايات المتحدة عند بداية الحملة العسكرية العراقية الأخيرة عن موعد وخطة تحرير مدينة الموصل، وبموازاة ذلك بدأت دوائر دعائية وإعلامية عربية وغربية تشكك بفاعلية الحملة العسكرية العراقية، التي انطلقت دون غطاء جوي من طائرات التحالف، وما لبثت إلى أن وصلت إلى مشارف تكريت بعد أيام من بداية معاركها في محافظة صلاح الدين باندحار داعش السريع أمامها، ووصل الأمر منذ أسبوعين بعد تصريحات مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، بصب عبارات طائفية على الجيش العراقي والأُطر الشعبية المشاركة، ومحاولة نزع صفة المواطنة العراقية عن مواطنيها وصولاً إلى مساواتها بداعش!
تصريحات ديمبسي كان مفادها أن قوات التحالف لن تشارك في عملية تحرير المدن العراقية "بهذه الطريقة" التي وحسبما يرى "إقصائية" و"غير متوازنة" مهدداً في الوقت نفسه بإيقاف غارات التحالف الدولي حتى الحصول على "ضمانات" لمحاصصة طائفية في عملية تحرير المدن العراقية، أي تتولى كل طائفة أو عنصر تحرير الأراضي التي سكنتها تاريخياً وسيطرت عليها داعش، بعبارة أخرى عبر ديمبسي عن ما تريده واشنطن وحلفاءها الإقليميين في عراق ما بعد داعش؛ مناطق مقسمة على أساس طائفي بعيداً عن أي مظلة وطنية جامعة. هذه التصريحات كللت هواجس حلفاء واشنطن الذين سرعان ما اعتبروا أن مساعدة طهران للحكومة العراقية من تسليح وتدريب واستشارة "احتلالاً" للعراق، بل أن بعض وسائل الإعلام الخليجية دأبت على وصف الأطر الشعبية العراقية المكونة من العراقيين حصراً أنها تعمل وفق مصلحة إيران لا مصلحة بلادهم، وذهبوا لافتراض خيالي بأنهم سوف يرتكبوا جرائم ضد أهالي المدن المحررة، وكأن داعش كان تفعل كل خير بأهالي هذه المدن.
الفحوى نفسه كررته كل من أنقره والرياض المتقاربتان حديثاً، حيث سارعت حكومة البلدين وإعلامها إلى نثر بذور التشكك ثم القلق ثم التخويف من عمليات تحرير المدن العراقية، إلى درجة تصريح وزير الدفاع التركي بضرورة أن تكون لتركيا دور في العراق يحفظ "حقوقها التاريخية"، فيما ذهبت بعض التقارير إلى أن أنقرة تعمل على خلق "حشد شعبي مواز" يُشكل من عشائر عراقية في نينوى تقوم فيه أنقرة بتسليحه بتمويل خليجي. بينما ذهب وزير الخارجية السعودي إلى حل أكثر جذرية يعبر عن الرؤية السعودية وهي أن يقوم الأميركيين بتحرير المدن العراقية من داعش بدلا من أبناءها من الجيش أو الحشد الشعبي!
وتجدر الإشارة هنا أن كثير من الأُطر الشعبية المكونة لما بات يعرف ب"الحشد الشعبي" كانت مقاومة منذ الأيام الأولى للغزو الأميركي للعراق، وكُشف في السنوات الأخيرة أن بعض منها مثل "عصائب أهل الحق" و "كتائب حزب الله-العراق" و"فيلق بدر" تسببوا بأكبر نسبة خسائر في صفوف القوات الأميركية والبريطانية، وبالتالي ليس بغريب أن لا تفضل الولايات المتحدة تنامي قوة هذه التنظيمات الشعبية المسلحة، دون التدخل لتحجيمها وتقليص ما يمكن من انتصارات عسكرية ومعنوية ضد داعش قد تهدد التقسيم الطائفي الذي تريده واشنطن وحلفاءها لضمان مصالحهم وعلى رأسها تدفق البترول من خلال خطوط نقله من الجنوب وحتى كركوك، المتنازع عليها وعلى نفطها كل من أربيل وبغداد.
النقطة السابقة يمكن أن تفسر تصريحات رئيس جهاز الاستخبارات في إقليم كردستان العراق، مسرور البرازاني، أمس، حيث رأى أن عدم ضلوع أبناء كل طائفة أو عرقية عراقية بتحرير المناطق التي تسيطر عليها داعش وغالبيتها من هذه الطائفة أو العرقية قد يؤدي إلى مخاطر عنف طائفي. مشيراً إلى أهمية أن تتولى الحكومة العراقية صرف الأموال للبيشمركة الكردية لتولي تحرير مناطق الشمال والشمال الشرقي. وتأتي تصريحاته بعد تراجع قوات البيشمركة وضعف تأثيرها في تحرير المدن العراقية من داعش، على الرغم من إسناد طائرات التحالف لها في عملياتها، وهو ما حدا ببعض المعلقين أن ذلك استمرار للسياسة "البرازانية" في التفاوض والمماطلة للحصول على أكبر مكاسب ممكنة من الحكومة المركزية في بغداد.
إذن هي محاولة لإسباغ صبغة طائفية على عملية تحرير المدن العراقية، تُسقط الهوية الوطنية للعراقيين وتحورها حسب الانتماء المذهبي، وهي محاولات غير قاصرة على دول الجوار العراقية، ولا حتى ساسة عراقيين من السُنة، ولكن أيضاً من بعض الساسة والرموز الطائفية الشيعية في العراق، الذين يفضلوا أن تحرر "مناطق السُنة" على يد أبناء السُنة والعكس، أي أنه لا حاجة لمشاركة العراقيين الشيعة في تحرير مناطق عراقية لا يوجد فيها ما يهم الشيعة مثل المزارات والمراقد. لكن المؤكد أن صوت هؤلاء وهؤلاء سيظل خافتاً طالما عززت معارك تطهير أرض العراق من داعش بين أطياف الشعب العراقي، الذي عانى من وحدة إجبارية سلطوية إبان عهد صدام حسين، ومن تفرقة طائفية أزكاها الاحتلال.
سياسياً، لا شك أن جهود العراقيين ممثلة في الجيش والحشد الشعبي قد بدأت عداً تنازلياً لنهاية داعش، نهاية مدوية كبدايتها، ولكن المزعج فيها للولايات المتحدة وحلفاءها من دول الخليج وتركيا هو أن الانتصارات المتتالية صُنعت بأيدي العراقيين لا أيدي التحالف أو وكلاءه، ناهيك عن ضلوع إيران بدور حاسم في ذلك، وهو ما يعني ليس فقط تهاوي الاستراتيجية الأميركية لمواجهة داعش في واقع تجريبي نتيجة لنجاح مثيلاتها التي وضعت وتنفذ من جانب محور المقاومة والعراق، بل يعني أيضاً أن واقع ما بعد داعش لن تكون اليد العليا فيه لواشنطن وحلفاءها بل للشعب العراقي ومن أراد من حلفاء، حيث أنه يفوت على الولايات المتحدة أن ترجع إلى العراق من بوابة "مكافحة الإرهاب أي يعود الاحتلال مرة أخرى ولكن بشكل أكثر تقبلاً وشرعية من جانب حلفاء واشنطن الإقليميين من الرياض إلى أنقرة مروراً بأربيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.