شيخ ضرير وزوجة أرغمهما المرض على المكوث في المنزل ليلتقطا لقمة عيشهما من مساعدات أصحاب القلوب الرحيمة ومعاش أبيه لينفق بها على أسرته الصغيرة المكونة من الزوجة والابنة التي فضلت طريق العلم على العمل، لتولد أزمة جديدة وتزداد المعاناة. تعيش أسرة أحمد جامع أحمد يوسف، في غرفة لا تزيد مساحتها عن ثلاثة أمتار، خصصت لسنوات كدورة مياه فوق سطح أحد عقارات المنشية بالإسكندرية، ولكن عدم وجود بديل آخر جعل الأسرة تتشبث بها لتقيهم تقلبات الجو وغدر البشر في شوارع المدينة. يحصل جامع على معاش شهري من والده 340 جنيهًا لينفق على تعليم ابنته مها، التي تدرس في الصف الثالث الإعدادي، إلا ان تضافر الظروف المعيشية الصعبة، حيث لا تفي بضع الجنيهات التي يتحصل عليها والدها بمتطلبات الأسرة المحدودة، مع الحالة السيئة التي آل إليها المستوى التعليمي في مصر، الناتج عن جشع بعض المعلمين في ذبح أولياء الأمور بأسعار الدروس الخصوصية من ناحية وغلاء الأسعار مع ضعف رواتبهم من ناحية أخرى، كل ذلك أدى إلى رسوب تلك الطفلة في امتحاناتها. أثرت الدراما المصرية على الحالة النفسية للأسرة وأثارت تخوفاتهم، فساهمت إعاقة الأب في عدم استيعاب القضايا المعروضة بشكل كامل ليخلق صورًا وانطباعات سيئة لديه، فيستمع إلى دراما التلفاز ويترك العنان لذهنه يفسر الأحداث كما يشاء، فبعد أن عرض عليه طارق مهدي محافظ الإسكندرية السابق، وحدة سكنية بمنطقة عبد القادر بإيجار شهري 120 جنيه، انطبعت صورة العشوائيات التي يستمع إليها بشكل يومي وفضل عليها عرض آخر خيفة تعرض ابنته الوحيدة للتحرش أو الاعتداء عليها جسديًا. وتمكن أحد المواطنين في الوقت نفسه من التوصل إليه ومساعدته بوحدة سكنية أخرى بمنطقة المنشية، رفض بسببها عرض الحكومة، لتعود الأزمة من جديد بعد تراجع صاحب الوحدة عن مساعدته ولم يكن وقع معه عقد تمليك مؤكدًا له ان الإيجار سيكون مدى الحياة ولم يكن كذلك، وبمرور بضعة أشهر طرده منها لحاجته إليها في تخزين بضائعه، لتبدأ رحلة البحث من جديد عمن يمد له يد العون. "انا مش طماع، لو أوضة (غرفة) وحمام مقفول عليا، ان شاء الله في أي مكان" ناشد جامع بتلك العبارة الحكومة بتخصيص وحدة سكنية لأسرته بمساكن طوسون، إلا ان طلبه قوبل بالرفض نظرًا لتخصيصها للشباب فقط وبمقدم 70 ألف جنيه. تنام مها أحمد جامع، ووالدتها على أرض الغرفة منذ 15 عام، متخذين وضع القرفصاء خوفًا من أن يسقط السرير الذي يبيت أعلاه والدها على ساقيها فيهشمها. تسكن أسرة جامع في غرفة 3 أمتار أعلى بيت آيل للسقوط، جدرانه وسلمه خشبية نخر السوس غالبيتها وشقوق واسعة، ودورة مياه مساحتها مترXنصف متر يبعدها عن الغرفة أمتارًا ويشاركه فيها 9 أسر آخرين وكشك صغير استخدمته زوجته كغرفة للطهي بالاشتراك مع جارتها إلا ان صاحب العقار أبى أن ينفق جنيهًا واحدًا لترميمه بقوله:" اللي خايف يموت يقفل باب أوضته ويمشي، وانا مجبرتش حد يمشي" بينما كان رد الأسرة "سلمناها لربنا". أكثر ما يزين غرفة جامع هي الآيات القرآنية التي تملأ جدرانها، وأداة تسليتهم هي التلفاز، بينما تجلس مها الابنة في ركن صغير أسفله للمذاكرة، يقول جامع:" عايز شقة أوضة (غرفة) وصالة بس نكتب عقد وتورث لبنتي من بعدي ولا تكون وسط البلطجية، أصحابي في القهوة بيحكوا لي عن الجرائم اللي بتحصل بنتي هتاخد دروس ازاي؟".