ما زالت حقوق الملايين من المواطنين الكادحين مجرد مسائل مؤجلة إلى أجل غير معلوم، رغم تعدد الأنظمة السياسية التى تحكم هؤلاء الكادحين، فما زالت المطالبة بهذه الحقوق عملاً غير وطني. وعلى النقيض من ذلك نرى العجب العجاب، حيث تصبح رغبات الطبقة الحاكمة أوامر وضرورة ملحة، تفرد لها مساحات النقاش وتحشد لها المجهودات من أجل تحقيقها. ما يقلق المواطن العادي قلقًا دائمًا هو لقمة العيش، أي أسباب الحياة اليومية من طعام وشراب وكساء وسكن وتعليم للأبناء وعلاج ورعاية صحية وخدمات ومرافق عامة. ومع تفاقم أزمات الكادحين، نفاجأ بتصريحات وردية للحكومة التى ما زالت تتحدث عن مساندة الكادحين وتوفير مستلزمات المعيشة كذبًا وبهتانًا؛ مما أسفر عن ترنح شبح الوطنية المزيف أمام أصوات البطون الجائعة. أحمد عبد الحميد على مواطن بسيط، يضع ميزانًا على رصيف بشارع البحر بمدينة طنطا، وبجواره كرسى يجلس عليه، ويتردد عليه العامة ليزنوا أنفسهم؛ لينتفع بقليل من المال. هذا الرجل تبدو عليه علامات البساطة والرضا؛ مما دفعنى للاقتراب منه لسؤاله عن حاله، فقال "أنا على باب الله، ولا وظيفة لي، وكل ما أقوم به كما ترى أضع ميزانًا بهذا الشارع لمن يريد أن يزن نفسه مقابل قروش قليلة. ورغم ظروفي الصعبة، إلا أنى أحمد الله كثيرًا على هذه المعيشة، وربنا بيرزقنى، يوم أرجع البيت ومعايا 5 جنيه، ويوم عشرين، والحمد لله رضا". مضيفًا "مأساتي أننى وأسرتى نسكن فى شقة بالإيجار بمنطقة الجلاء، ولا أستطيع دفع هذا الإيجار 400 جنيه كل شهر.. مش باعرف أكمل الإيجار، وأوقات كثير باحرم نفسي وعيالي من الأكل عشان أعرف أوفر الإيجار. حالتي النفسية صعبة لأن اللي باتحصل عليه من العمل البسيط على قد مصاريف البيت، وهو ربنا اللي ميسرها. اللي تاعبنى السكن؛ بسبب إيجاره المرتفع"، مناشدًا محافظ الغربية "محتاج غرفة وصالة؛ رحمة بأسرتى المكونة من ولد وبنت وزوجتي". أما عماد السيد من قرية "خرسيت" بمركز طنطا، فقال "مشكلتي أنى ساكن بالإيجار عند ناس بالقرية، وأني حاصل على دبلوم تجارة، وكنت متعاقد مع مجلس مدينة طنطا كعامل مؤقت بأحد مواقف المدينة، وفجأة تم فصلى من هذا العمل بدون أى أسباب، ولما حاولت الاستفسار عن سبب فصلى، وذهبت للمحافظ السابق محمد نعيم، قام بطردي، وقال لي: ما لكش شغل عندنا. رغم أن هذا العمل كان يعمل به أكثر من خمسة شباب تم تشريدهم بجرة قلم من مسئول لا يشعر بأوجاع الغلابة". وتابع قائلاً "ضعى الحالى كارثى، فلا أستطيع توفير مستلزمات أسرتى من مأكل ومشرب، ولم أجد أمامى سوى أن أعمل حارسًا على سيارات الناس وأغسلها وأحميها مقابل جنيهات قليلة في اليوم أعود بها، وبالكاد أتمكن من شراء الخبز وقليل من الخضار، وطبعًا نتناوله بدون لحوم، ونحمد الله على ذلك"، مناشدًا كافة المسئولين قائلاً "نفسى فى حياة كريمة زى أى حد. نفسى أعيس زى الناس"، لافتًا إلى صعوبة هذه الأيام التي لم يرَ مثلها طوال سنوات حياته، وأنه مهدد بالطرد من الشقة التى يسكن بها؛ لعدم تمكنه من توفير إيجارها. وبنبرة حزينة قال محمد رزق عامل باليومية "هيبة الإنسان المصرى وكرامته ماتت للأبد، حيث قامت الحكومات المتعاقبة بقتل إصراره وطموحه وأحلامه مع سبق الإصرار، وتخلت الدولة عن دورها في رعاية الغلابة والكادحين وتوفير سبل الحياة الكريمة. ومن الواضح أن الحكومة تطبق سياسة التهميش لمشاكلنا المتعددة رغم وعودها وتعهداتها بمراعاة محدودى الدخل والغلابة، وهى وعود وتعهدات أثبتت الأيام أنها كاذبة، والواقع المر خير شاهد".