بعيدا عن التغيير الوزاري الأخير وما حمله توقيته، وعن الأسماء المثيرة لكثير من الجدل، إلا أن تناول الإعلام لهذا التغيير جاء مرعباً بالنسبة للمتابعين، نعلم أن الصحافة تمر بمأزق له علاقة بارتباطها بالدولة، وأنها تمثل مصالح رجال أعمال، لكن كنا نعتقد أنه مازال لديها شيء من دم. بمجرد إعلان التعديل الوزاري الجديد، الذي ضم 8 وزراء تغيرت الدفة مباشرة، ليأتي التناول سباً في الراحلين، لم يتناول فشلهم الحقيقي في إدارة الملفات التي تصدوا لها أو انحيازاتهم التي لا تتعلق بكل أحلام المصريين في تغيير واقع الفساد والظلم الاجتماعي والبيروقراطية في إدارة البلاد، واستكمل التناول بمدح القادمين دون بناء ذلك على مواقف أو نجاحات سابقة في أماكن تولوها أو حتى عرضاً لرؤية أو انتماء سياسي. حتى إن البعض ذهب بخياله، لاتهام اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، مبررا ذلك بأنه تولي المسؤولية في عهد الإخوان، بالطبع أصحاب هذا الخيال الخصب لم يروا في فشل إبراهيم، في إدارة الملف الأمني، ولا مسؤوليته عن اغتيال شهيدة الورد شيماء الصباغ، ولا استشهاد المحامي محمد كريم، بعد تعذيب وحشي على يد ضباط الأمن الوطني في قسم المطرية، أو المذبحة التي تعرض لها شباب ألتراس زملكاوي أمام استاد الدفاع الجوي، ولا تعرض مديريات الأمن لهجمات إرهابية مستمرة طوال الشهور الماضية. وبالطبع أصحاب الخيال الخصب، وجدوا في الوزير الجديد ضالتهم في مدح التغيير الوزاري، فوصفوا اللواء مجدي عبد الغفار، القادم من جهاز الأمن الوطني "أمن الدولة سابقا" بأجمل الأوصاف، أبسطها أنه صاحب رؤية ودراية بدهاليز الجريمة وكيفية كبحها والقضاء عليها. "جملة تخض" كده، تشعرك أنك أمام وزير "تقيل" سيقضي على الإرهاب في ساعات، وسيعيد الأمن إلى المواطن في دقائق، وبدأ الحديث عن قدرة الشخص الملهم في إنقاذ الوطن من الإرهاب المتربص به، على الرغم من أن تغيير وزير الداخلية جاء ليذكرنا باستبدال حسن الألفي، بحبيب العادلي، بعد مذبحة الأقصر. فالتغيير الوزراي برمته يقتصر على محاولة لتحسين صورة الحكومة وإنقاذ سمعتها في الشارع المصري بعد فشلها في تقديم أى خدمات للمواطنين، وفي ظل ارتفاع الأسعار الجنوني وتوجهات الحكومة التي تري في المواطن مجرد "محفظة" تحملها الأعباء دون أن تقدم له الخدمات، وظهر ذلك جلياً في ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود المتتالية على مدار الشهور الماضية. وبعيدا عن أن الأسماء الجديدة التي حلت بالوزارة، وأنهم أبناء نفس المدرسة البيروقراطية، فهم صعدوا من الوزارات بشكل طبيعي، بمعني أن الرجل الثاني في الوزراة حل مكان الرجل الأول، وبعيدا عن أن عددا منهم كان عضوا في الحزب الوطني المنحل ومنهم وزير الزراعة الذي كان يشغل منصب أمين تثقيف الحزب الوطني المنحل في القليوبية، فإن هذا التعديل لن يمثل أى طفرة، لأن انحيازات الحكومة واحدة ضد الفقراء وبالتالي، فإذا غيرت الأسماء دون تغيير الانحيازات والتوجهات فلا ننتظر جديد منها.