توليد الطاقة النووية ومفاعلاتها في الدول العربية، قضية أثارت جدلًا كبيرًا خلال العقدين السابقين بين الخبراء والمفكرين والسياسين في الوطن العربي، وذلك بسبب مدى جدوتها العلمية والاقتصادية والتنكولوجية، والدخول في النادي النووي من أجل اللحاق بهذه التكنولوجيا الاستراتيجية المهمة. في ضوء هذا، أصدر الدكتور محمد زكي عويس- أستاذ الفيزياء بكلية العلوم جامعة القاهرة، مؤخرًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، كتاب «مستقبل الطاقة النووية والأمن العربي»، مستعرضًا أهمية الطاقة النووية وتوليدها لتحقيق الأمن القومي العربي، ممهدًا لذلك بقوله: أنه قبل أحداث ثورة 25 يناير 2011 هناك قررات سياسية مترددة بشأن تطوير منظومة التنكولوجيا النووية في مصر، فنرى أحيانًا اتخاذ القرار بعدم إقحام مصر بهذا المجال خاصة بعد حادث تفجير مقاعل تشرنوبيل بالاتحاد السوفيتي سابقًا عام 1986، بحجة خطورة المفاعلات النووية على المجتمع والبيئة عندما تتعرض المحطات النووية إلى الحوادث الطبيعية ومنها الزلازل والسطو الإهاربي وكذلك عدم توفر الأمان النووي اللازم لحماية الوطن والمواطنين. وأحيانًا أخرى نرى اهتمام السياسين بهذا الملف والتصريح بضرورة البدء في المشروع النووري من إجل الاستخدمات السليمة وتوليد الطاقة ومازالت الأمور على هذا الحال في معظم البلدان العربية؛ ولذلك لابد من توفر الإرادة السياسية في الدول العربية لاتخاذ القرار الحتمي وهو تحقيق هدف استحواذ التكنولوجيا النووية واستخدامها في الأغراض السليمة، بحيث تكون أكقر أمانًا وتكفل تأمين احتياجاتنا من قضية العصر وهي الطاقة. هذا وقد رأى استاذ الفيزياء أن المصادر التقليدية للطاقة المستخدمة حاليًا في بلادنا مثل الغاز والبترول ناضبة طال الزمن أو قصر، إذ أن هناك تقديرات بنضوب هذين المصدرين في مصر على سبيل المثال خلال 40 عامًا، لنا أن نتخيل الوضع إذا حدث ذلك ونضبت المصادر التقليدية لدينا ولم نعد أنفسنا بإيجاد البديل المتاسب، والأمر الأخر إن هذه المصادر من الطاقة الحفورية لها آثار بيئة غاية في الخطورة على البيئة تكاد تصل إلى تدميرها. ما ذكره المؤلف بشأن الطاقة النووية وتوليدها جعله يثير استنكاره من الذين يرفضون توليدها داخل الوطن العربي، قائلًا: حتى الآن مازال البعض يرفض مبدأ السعي نحو تطوير الطاقة النووية، وينصح بالاتجاه إلى الطاقة البديلة الأخرى مثل المياة والرياح والشمس، على الرغم أن تكلفة توليد الطاقة الكهربية من الطاقة الشمسية بهظة الثمن، ومازالت تحت التطوير، كما أنها منخفضة الكفاءة وأكبر طاقة يمكن أن نحصل عليها من أي محطة لا تتجاوز 100 ميجاوات، وبالتالي فهي لا تفيدنا سوى في المناطق النائية والمعزولة التي لا يمكن أن تصل إليها شبكة الكهرباء، أما توليد الطاقة من المنساقط المائية، فهناك اتفاق بين الخبراء على أنه تم الاستفادة من معظم القدرات المتاحة لدينا ولم يتبق سوى القليل الذي لن يضيف لنا جديدا، والرياح لا يمكن الاعتماد عليها مثل الطاقة التقليدية، وبالتالي يبقى أمامنا البديل النووي للطاقة الأكثر نظافة والأقل تكلفة. يقدم «زكي عويس» وجهه النظر الأخرى على صفحات كتابه، وهي أن هناك من يرى بعدم جدوى المشروع النووي؛ حيث أنه يعتمد على توفر عنصر اليورانيوم في تشغيل المحطات النووية وأن هذا العنصر سوف ينضب هو الآخر، وهذا الأمر غير صحيح كليًا، كما أن هناك تطورًا علميًا كبيرًا يتم حاليًا سوف يصبح معه نظام الاندماج النووي وهي الطاقة النووية البديلة في المستقبل لأن طاقته لن تنضب، وذلك لأنها وبدون الدخول في تقاصيل علمية تعتمد على الماء، أي وقود لا ينضب، وقد بدأت البحوث العلمية في مجال الاندماج االنووي منذ 60 عامًا خاصة أن هذا الأسلوب أفضل لأن الوقود لا ينضب، ولا توجد فيه المخاطر الإشعاعية لعنصر اليورانيوم. وكانت هناك مشاكل علمية وفنية بالغة التعقيد وتم التغلب عليها، وهناك مجموعة أوربية ومعها اليابان تعمل على ذلك ونجحت بالفعل في إنشاء ما يسمى بالمفاعل التجريبي الدولي الحراري النووي الذي يعمل بالماء، والمتوقع بعد مرحلة التجريب أن يدخل المجال التجاري، والجدير بالذكر أن هناك محاولات ناجحة في صناعة المفاعلات الصغيرة التي أطلق عليها اسم "المفاعلات النيكلونية" التي تعتمد في تشغيلها على عنصر الهافنيوم الاستراتيجي، هذه المفاعلات تنتج أشعه جاما التي بدورها تعمل على توليد الحرارة اللازمة وتشغيل التروبينات وإنتاج الطاقة الكهربائية. في ختام كتابه يؤكد الدكتور محمد زكي عويس على ضرورة اللحاق بعصر الانشطار النووي أولًا، كما لا يجب في نفس الوقت أن يمر علينا عصر الندماج النووي، ويجب أن نستعين بالمفاعلات الحديثة والتي أطلقت عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية اسم المفاعلات المتقدمة سواء من حيث الأمان والتكلفة، إذ إن التطور الذي حدث طوال العشرين عامًا الماضية في تصميم المحطات النووية ضخم، كما أنه يوجد حاليًا في العالم من الخمسينيات من القرن الماضي نحو 445 محطة نووية وهناك عدد 35 محطة أخرى تحت الإنشاء في العديد من الدول.