«مدخل إلى نقد الموسيقى العربية» يستبعد المدعين على الساحة الغنائية النقد البناء هو الذي سيبعد كل المدعين، الذين انتشروا في الساحة الغنائية، ليتخذوا من الفن تجارة رائجة تدر عليهم الملايين، لذا أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة، ضمن منشورات سلسلة عالم الموسيقى، كتاب جديد بعنوان «مدخل إلى نقد الموسيقى العربية»، للدكتور أشرف عبد الرحمن، بغلاف للفنانة غادة خليفة. الكتاب في مجمله يعد النواة الأولى لمحاولة وضع مناهج ومعاير جديدة في عالم النقد الموسيقي، بهدف إعادة الأغنية المصرية إلى مسارها الصحيح من جديد، ورفع الذوق العام الذي افتقدناه لسنوات طويلة، فدور الناقد الموسيقي لا يقل أهمية عن دور المبدع والفنان نفسه، فالناقد الحق هو القادر على توجيه الجمهور لما هو جيد ومتميز، وقادر أيضًا على توعية المبدعين لما هو أرقى وأنفع وأصلح لجمهورهم ومحبيهم. يتأمل الكاتب في حركة النقد الموسيقي في مصر في السنوات الماضية، ووجد أنها تأخرت كثيرًا، إذا ما قورنت بالنقد في باقي أنواع الفنون الأخرى، يرجع ذلك إلى عدم وجود مناهج وأساليب محددة لعملية النقد الموسيقي، ما جعل من النقد مجرد وجهة نظر تعتمد على خبراته ودراسته للموسيقى بشكل عام، وعلى ثقافته وملكاته الخاصة ليكتب انطباعه عن العمل محل دراسته. الكتاب يعد استعراضًا لدور ومكان الناقد الموسيقي في العملية الإبداعية، ويتناول منهج جديد في تحليل الموسيقى العربية، وهذا المنهج يتألف من مراحل متدرجة لكافة متذوقي الموسيقى والغناء العربي وغير المتخصصين الذين يكتبون عن الموسيقى في الصحف والمجلات، والذين لديهم ملكة التذوق الموسيقي، وصولًا بعد ذلك إلى الناقد المتخصص والدارس لأصول الموسيقى العربية، ليؤدي هذا المنهج في النهاية إلى نتائج نقدية موضوعية لدى المتخصصين والعاملين في هذا الحقل. ضم الكتاب الذي جاء في 238 صفحة من القطع المتوسط، 6 فصول، أولها تناول نشأة النقد الموسيقي في أوروبا في مطلع القرن الثامن عشر، وفي مصر في القرن العشرين، وطبيعة الغناء في مصر آنذاك، بالإضافة إلى استعراض الظروف والتغيرات التي أثرت بشكل مباشر على حركة الإبداع الموسيقي والغنائي في مصر وقتها. ومن أجواء الفصل: «واجه النقاد في بداية القرن العشرين العديد من الصعوبات، فانتشار الصحف الشعبية مع التوسع فيما تتناوله هذه الصحف من موضوعات أدى إلى إزعاج الصحف المتخصصة في النقد، وما ينطقونبه سلبًا كان أو إيجابًا، فالحاجة إلى الدعاية خلقت نظرة جديدة ليس فقط لدى العامة، ولكن لدى مديري الفرق ومتعهدي الحفلات الموسيقية، الذين يتجهون إلى الصحافة في الغالب بغرض الإعلانات والترويج لحفلاتهم، على الجانب الآخر ازداد توغل الشئون السياسية والقومية في داخل عالم الفن، ففي بعض الدول بات قانون القذف والتشهير عائقًا جسيمًا يحول دون ممارسة الناقد الموسيقي لعمله بحرية». خصص المؤلف الفصل الثاني ليبحث في دور ومكان الناقد الموسيقي في العملية الإبداعية بالاستناد على نظرية الاتصال، وشمل عدة تعريفات للاتصال، إذ يدخل علم الاتصال في جميع عمليات الحياة، أما الفصل الثالث فجاء لإبراز رواد النقد الموسيقي في مصر بالقرن العشرين، والقرن التالي له، مقدمًا نماذج من النقد الموسيقي في مصر، متعرضًا لعدد من القضايا النقدية في الموسيقى العربية. ومن الرواد الذي قدم سيرتهم الكتاب الدكتور محمود أحمد الحفني "1896- 1973″، الذي يعد من أهم الباحثين والمؤرخين في تاريخ الموسيقى، إذ أنه أول مصري يحصل على الدكتوراة في الموسيقى من جامعة برلين، ووصلت مؤلفاته إلى ما يقرب من خمسين مؤلفًا، لعبت دورًا كبيرًا في رفع الذوق الموسيقي في تلك الفترة. أما الفصول ال3 الأخيرة فخصصها "عبد الرحمن"، للبحث في مناهج التحليل المستخدمة في تحليل الموسيقى العربية، وتصنيفات الأصوات البشرية، والبنيوية في تحليل ونقد الأغنية، بالإضافة إلى جانب تطبيقي للمنهج البنيوي في تحليل ونقد الغناء العربي. ومن النماذج النقدية التي تضمنها الكتاب، مقال للدكتورة رانيا يحيى، وعنوانه " أبجدية السبع نغمات الساحرات في علم الجنة، وتقول فيه: "تتولد مشاعر الأمومة لدى الأنثى منذ أن تحمل جنينها وهنًا على وهن، فرحة بحركته وقلقة بسكونه، وأثناء وجود الجنين في ظلمة الرحم، يتعلم الإدراك والاستجابة للؤثرات المختلفة، مما يؤدي إلى التشجيع على نموه البدئي والعقلي والحسي، ولما كانت لغة الموسيقى بنغماتها السبعة تصنع أجمل الألحان وأعظم الأعمال الموسيقية فإنها تخاطب المشاعر وترتقي بالحس والوجدان لقدرتها الخارقة على النفاذ إلى العقول والقلوب". أشرف عبد الرحمن، عمل بالمجال الإعلامي التليفزيوني، بالرقابة والتقييم والتطوير البرامجي لسنوات عديدة بالكثير من القنوات الفضائية الخاصة، كما عمل رئيسًا بتحرير برنامج "عمالقة النغم"، بإذاعة الصين الدولية، والموجهة لمنطقة شرق آسيا لنشر الثقافة الموسيقية العربية، زكان عضوًا بلجنة تقييم الأصوات والمواهب الغنائية للمعاهد والجامعات المصرية بوزارة التعليم العالي.