شهدت العمليات الإرهابية الأخيرة، في سيناء والسويس، نقلة نوعية جديدة في الفكر التكفيري لدى تنظيم «ولاية سيناء»، فلأول مرة تستهدف الجماعات الإرهابية قتل المدنين أثناء تواجدهم في أماكن عملياتهم، خاصة أن تلك التنظيمات ألغت عددا العمليات في الماضي وآخرها أمام قصر الاتحادية؛ بسبب تواجد مدنيين قرب مكان عبوة التفجير، حيث إن أفكارهم الإرهابية، تحلل قتل رجال الشرطة والجيش وتحرم المساس بالمدنيين. إلا أن التغيير في العقلية التكفيرية، والانتقال من مرحلة استهداف قوات الجيش والشرطة، إلى جواز قتل المدنيين، يعد مؤشرًا خطيرًا في تغيير المنهج الذي يتبعونه، وإدخال أفكار جديدة إلى عقول هؤلاء بذريعة «قال الله وقال الرسول»، الأمر الذى يدق ناقوس الخطر على المحافظات غير الحدودية. وبالبحث عن المرجعية الجديدة لتنظيم "ولاية سيناء"، التي أجازت قتل المدنيين، وعلى إثرها ارتكبوا العملية الإرهابية الأخيرة في العريش والسويس التى راح ضحيتها عشرات المدنيين، وجدنا أن هناك كتابا لأمير تنظيم "داعش" السابق يسمى "البشرى المهدية لمنفذي العمليات الاستشهادية"، كان بحوزة عدد من أفراد التنظيم الإرهابى أثناء حملات الجيش علي أماكنهم، يبيح ذلك الأمر. ويعد "البشرى المهدية" سلاحا أخطر من قذائف ومدافع الهاون، حيث تستهدف كلماته تصفية العقول، تمهيدًا للأجساد، ويحتوي على أدلة من القرآن والسنة وأقوال الصحابة، يدّعون أنها تبيح العمليات الإرهابية التي يرتكبونها، بالإضافة إلى جزء كامل مقتصر على القياس والاستدلال لتلك الأقول لتطبق تنفيذها على العصر الحالي الحديث. وذكر الباب الثالث، أن جميع المواطنين المدنيين الذين يشاركون في عمليات التصويت، من شأنها أن تساهم في حدوث عمليات قتل للمسلمين وإفسادهم وصدهم عن دينهم، يجوز قتلهم. ويحتوي الكتاب على فصل كامل يستند عليه "ولاية سيناء"، في قتل الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، حيث أفتى أمير داعش السابق، بقتل المدنيين قائلًا: «مما اتفق عليه أهل العلم قاطبة، جواز قتل النساء والأطفال والشيوخ، إذا كانوا غير متميزين بحيث يصعب تمييزهم عن غيرهم، خصوصًا إذا كان المجاهدون يريدون مباغتة العدو بياتًا أو غيره». واستند الكتاب على نصوص من السنة وردت فى مسلم منها: «أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري، وقال الإمام مسلم باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد»، واستند أيضا: عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله إنا نصيب في البيات من ذراري المشركين، قال: "هم منهم"، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم، قيل له: لو أن خيلا أغارت من الليل فأصابت من أبناء المشركين قال: هم من آبائهم – البخاري "2197″ ومسلم 3282″". كما استند: «عن أحمد في قصة الحديبية، عندما صُد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت، فقال لصحابته: أشيروا عليّ أترون أن نميل على ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم، فإن قعدوا قعدوا موتورين محزونين، وإن نجوا تكن عنقا قطعها الله، أم ترون أنا نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه؟، فقام أبو بكر رضي الله عنه وقال: يا رسول الله إنا لم نأت لقتال أحد، لكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، فقال النبي: فروحوا إذا» رواه أحمد "18166″ عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يصدق كل منهما الآخر. الأمر الذي كان يستوجب ردًا رسميًا من أكبر مؤسسة دينية في العالم، وهي مشيخة الأزهر، لتفنيد تلك الأحاديث التي تستند عليه التنظيمات الإرهابية فى قتل المدنيين، حيث قال الدكتور عبد الفتاح عبد الغني العواري، عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر، إن الحديث الأول يقصد من قتل المشركين هنا المحاربين لا المدنيين، وأبنائهم الذين بلغوا مبلغ الرجال ويقاتلون المسلمين أيضًا كما يقاتل آبائهم، أما الأطفال والنساء والشيوخ المدنيين فلا يجوز قتلهم. وأضاف "العواري" أن المشرك غير المحارب، فكفره على نفسه، وهو معصوم الدم لا يجوز الاعتداء عليه بأي حال من الأحوال، نظرا لقول الله: «لا إكراه في الدين»، و«فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر»، وغيرها من النصوص التي تدل على أن النفس البشرية لها حرمتها ومعصومة الدم لا يجوز الاعتداء عليها، وليس كفرها مبيحًا لدمها. وأوضح أن النبي نهى عن قتل الزراري والصبيان والنساء، والعباد في صوامعهم وقطع الشجر وتخريب البيوت، متابعا: «هذا فهم خاطئ يدل على جهل التنظيم الإرهابي الذي يدعي زورًا على رسول الله أنه أمر بقتل المشركين». وعن الحديث الثاني، نفى عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، أن يكون كل ما أورده الإمام أحمد صحيح، حيث إن الحديث يتعارض مع ما أقره النبي يوم الحديبية من شروط، وصفها بعض الصحابة كعمر ب"الجائرة"، حيث كان اتفاق الصلح يشترط على أن من يأتى المسلمين من قريش مسلمًا فعليهم أن يردوه إلى قريش، ومن يذهب من المسلمين إلى قريش ليكفر فلن يردوه.