عندما ننتقل بالحديث عن مصر، نصطدم بالفساد الحكومي، كلمتان يصفان التجاهل المتعمد لأكثر من 8 ملايين مصري، تخلت السلطة عن تحقيق متطلباتهم الحياتية، ففي مصر أرصفة الشوارع مبنية دون أي اعتبار لهم، كذلك دورات المياه، أماكن انتظار السيارات، الأماكن المخصصة في المواصلات، وبالكاد المبادرات التثقيفية.. عن ذوي الإعاقة نتحدث. المجلس القومي لحقوق الإنسان في مؤتمره الأول لوحدة الإعاقة، خرج برقم جديد، إذ أعلن أن نسبة المعاقين في مصر تجاوزت ال12 مليونًا، طبقًا لتقديرات الأممالمتحدة، وهو رقم يثير القلق ولكن كثير من المتخصصين في هذا المجال يقولون إن الرقم أكبر من ذلك بكثير، ما بين معاق ذهنيًا ومعاق حركيًا أو أصم أبكم أو كفيف. المجلس يؤكد على ضرورة التعامل مع مشكلات المعاقين بجدية، وأن المعاق يجب أن يتواجد في الحياة ويحصل على فرصة عمل وتغيير نظرة المجتمع الدونية له، برغم من الكلام المنصف، وبرغم أن مصر من أولى الدول التي وقعت على معاهدات حماية حقوق المعاقين، لم يقدم المجلس سوى الكلام. كالعادة لم نقابل إلا مبادرات شبابية مستقلة، من شأنها تثقيف وتأهيل المعاق وإدماجه في المجتمع، ففي لفتة إنسانية، ظهرت مبادرات التبرع بصوتك وجزء من وقتك، لتسجيل كتاب يفيد المكفوفين، وكأنك تقرأ لهم، كمهرب من تكلفة كتب برايل باهظة الثمن. مشروع الكتب الصوتية انطلق لحل مشكله عدم وجود محتوي كافي للمكفوفين، مع وجود 45 مليون كفيف في العالم العربي، منهم أكتر من 3.5 مليون في مصر، وارتكزت المبادرة على تسجيل المتطوعين الكتب صوتيًا دون مقابل، ليصل عدد التسجيلات في إحدى الجمعيات إلى 100 كتاب صوتي في الشهر، وتستهدف الحملة الوصول إلى 10 آلاف كتاب صوتي بنهاية العام الجاري، وفي مبادرة أخرى حملت اسم "العصا البيضاء"، استهدفت تأهيل المجتمع المصري للتعامل مع حامل ذات العصا، وتهدف الحملة إلى تدريب المكفوفين أنفسهم على استخدام العصا البيضاء، ورفع وعى المجتمع لطريقة تعامله مع حاملها، حتى تصبح العصا البيضاء بمثابة رخصة قيادة، تعطي حاملها حصانة في الشارع. بشكل مستقل كذلك، أرسلت إحدى الجمعيات للاتحاد العالمي للمكفوفين، تطلب تدريب 16 ولدًا وبنتًا يجيدون اللغة الإنجليزية من المكفوفين المصريين على فن الحركة، وكيفية الإشارة واستخدام العصا، لينقلوا خبرتهم بتدريب مجموعة أخرى. كما تبنت بعض جمعيات رعاية المكفوفين تلقي المساعدة بالوقت، للتعاون في كتابة كتب للمكفوفين، من خلال تصوير بعض المطبوعات وتحويلها إلى صفحات وورد لطباعتها بطريقة برايل. لكن تظل الحاجة لتدخل الدولة ملحة، ليس فقط بتوفير العصي البضاء وتخصيص رصيف خاص لهم، أو تشجيع المبادرات، بل أن تبادر هي بقوانين وأفكار حقيقية وواقعية لردم الهوة بين المجتمع وفئاته الخاصة، أن تعمل على إرساء بعض الضوابط الاجتماعية التي تكفل لهم الحماية في الشارع، وسن قوانين تحمي حامل العصا والأصم، وتحمي المعاق حركيًا من الانهيار العصبي والنفسي، وتحمي المعاقين ذهنيًا من التشرد والاغتصاب، الأمر قد يبدأ ببعض الإعلانات التي تنمي وعي المجتمع بالتعامل معهم، أو بعصا بيضاء تضرب يد الفاسدين.