اعتبر الغرب أن التنظيمات التكفيرية والإرهابية في سوريا والعراق ما هي إلا "معارضة معتدلة" يتوجب دعمها، وظل يكابر وينكر وجود تكفيريين أوروبيين وغربيين بين صفوف الجماعات الإرهابية، حتى فاجأته تلك الجماعات بوجودها وسط العواصم وتنفيذ هجمات إرهابية لم تشهدها من قبل، ليعترف الغرب بوجود خطر إرهابي يهدد الجميع. استنفار أمني شديد وتأهب وحملات دهم واعتقالات وقوانين جديدة لمواجهة الإرهاب وتضييق الخناق على المسلمين في بعض البلدان، هذه هي الأجواء في الدول الأوروبية، بالإضافة إلى مظاهرات بعضها يدين الهجوم والآخر يشيد به. استنفار واعتقالات تضاعفت العمليات ضد التكفيريين في أوروبا، ففي بلجيكا استفاق المواطنون على مقتل اثنين وتوقيف ثالث في سياق التحقيقات بشأن شبكة يشتبه في إعدادها لهجمات في البلاد، بعض عناصرها عادوا مؤخراً من سوريا، هذه الحملة ساهمت في تفادي ما وصفه الإعلام المحلي ب"شارلي ايبدو" البلجيكي، مما جعل القيادة الأمنية ترفع مستوى الإنذار إلى الثالث على سلم من أربعة مستويات. أما في ألمانيا فاعتقل شخصان كانا يخططان لشن هجوم كبير في سوريا، حيث ذكرت صحف محلية أن السلطات تحقق في خلية إرهابية مرتبطة ب"داعش" تضم 50 عنصراً، الخلية يشتبه بتخطيطها لعمليات إرهابية داخل الأراضي الألمانية. فرنسا لم يمرّ عليها يومًا من دون إنذارات وأحداث أثارت هلعاً في الأوساط الفرنسية، فقد تم إخلاء محطة قطارات في باريس، بعد إنذار ثم أعيد فتحها بعد نحو ساعة، في وقت احتجز فيه مسلح رهينتين بمركز بريد كولومب قرب باريس، ثم اعتُقل وأُفرج عن الرهينتين سالمتين. إعادة نشر رسوم مسيئة يشعل الأزمة تصرفات غير مسئولة وعبثية من بعض الصحف الأوروبية والغربية تهدف إلى نكاية المسلمين وإثارة الفتن وإشعال الموقف، فبعد أيام من هجوم "شارلي ايبدو"، نشرت صحيفة "لا ليبر بلجيك" البلجيكية واسعة الانتشار على صفحتها الأولى صورة كاريكاتورية للكعبة الشريفة كتب عليها بالفرنسية "أنا شارلي"، كما أعاد الإعلام البلجيكي نشر أغلب الرسوم المسيئة للنبي "محمد" التي سبق نشرها في صحيفة "شارلي إيبدو"، والتي تسببت في الهجوم على مقر الصحيفة. أعادت صحيفة "شارلي إيبدو" على صفحتها الأولى رسما كاريكاتيريًا ساخرا للنبي، وذلك في أول عدد تصدره بعد الهجوم، كما طبعت ما يصل إلى ثلاثة ملايين نسخة مقارنة مع عدد النسخ المعتادة التي كانت تصدرها وتبلغ 60 ألف نسخة، وفي تركيا خصصت صحيفة "جمهوريت" المعارضة العلمانية أربع صفحات لنشر رسوم ومقالات صحيفة "شارلي إيبدو" المسيئة للرسول، كما نشرت صحيفة استرالية رسما ساخراً يجمع النبي "محمد" والمسيح "عيسى" زاعمة أن ذلك من حرية الرأي والتعبير. ردود فعل دولية شجبت عدد من المؤسسات الدينية الإسلامية العربية وزعماء الدول الغربية نشر بعض الصحف لرسوم مسيئة للرسول، ففي مصر دعا الأزهر الشريف المسلمين في أنحاء العالم إلى تجاهل رسم النبي الذي أعادت صحيفة "شارلي إيبدو" نشره في أول عدد لها بعد الهجوم، فيما قال البابا "تواضروس الثاني"، إن "الإساءة مرفوضة بين الأشخاص، فإذا امتدت الإساءة إلى الأديان فهذا أمر لا هو إنساني ولا هو أخلاقي ولا هو اجتماعي، ولا يساهم أبدا في السلام العالمي". في فلسطين، أدان المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية "محمد حسين" نشر الرسوم واعتبرها "استهتارا بمشاعر المسلمين"، من جهته، كما نددت إيران بالرسوم معتبرة أن الرسم "يسيء إلى مشاعر المسلمين، فيما أمرت محكمة تركية بحجب مواقع الإنترنت التي تعيد نشر رسم النبي، وفي الأردن، دعا وزير الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية، "هايل عبد الحافظ داود"، المسلمين إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية وعدم زيارة فرنسا، وفي فرنسا دعت أكبر منظمتين لمسلمي فرنسا، المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، المسلمين إلى "التحلي بالهدوء وتفادي الردود الانفعالية". المسلمون يدفعون الثمن عندما بدأت الأخبار تكشف أن منفذي عملية "شارلي إيبدو" مسلمون، تم تضييق الخناق عليهم على الرغم من أنهم أول المنديين بالحادث، وبالرغم من التطمينات التي صدرت من قادة الغرب للمسلمين والتي اعتبرت أنه لا علاقة بين الإسلام والإرهاب، وأن الإسلام ليس مستهدفًا في أوروبا، وأن الإسلام جزء من أوروبا، إلا أن الهجوم على المساجد في فرنسا عقب الحادث الإرهابي في باريس وما سبقه من اعتداءات قبلها في السويد، وأيضا في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، ينذر بأن الوضع قد يصبح خطرًا، وأن خشية المسلمين في أوروبا على أنفسهم منطقية ولها دوافعها ومبرراتها. أكد رجال دين مسلمون في الولاياتالمتحدة قلقهم من احتمال تعرضهم لأعمال انتقامية وهجمات ورقابة مُشددة، ويقولون إن هذا لم يحدث بعد إلى حد بعيد غير أن البعض أبدى قلقه من تقارير عن تلقي تهديدات عبر الهاتف والبريد الالكتروني. الجالية المسلمة في الدول الغربية عامة وفرنسا على وجه التحديد، بدا وكأنها الضحية الأولى لما يجري، فقد تحولت مساجدها ودور عبادتها إلى هدف لهجمات انتقامية ينفذها متطرفون يمينيون، حيث سجل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أكثر من 75 اعتداء على أشخاص ومساجد، وبدت مساجد الجالية المسلمة خالية من أي حراسة أمنية، وقال "احمد رضوان" إمام مسجد بضاحية باريس، أن العديد من المساجد تعرضت لأعمال انتقامية بلغت حد إطلاق النار عليها دون أن تتمكن الشرطة من إيقاف الجناة أو منع الاعتداءات ما يؤكد ازدواجية المعايير المعتمدة لدى السلطات في التعامل مع الديانات، وقالت وسائل إعلام فرنسية إنه في حالات أخرى أضرم البعض النار بمرافق دينية إسلامية، وكتابة تعليقات معادية للإسلام والمسلمين على الجدران. تشديد الإجراءات الأمنية انشغلت الدول الغربية بطمأنة شعوبها وإحكام قبضتها الأمنية على البلاد، فتحاول الحكومة البريطانية سد الثغرات الأمنية عبر إقناع البرلمان بمنح الأجهزة الأمنية صلاحيات قانونية إضافية لمواجهة "التهديد الإرهابي"، من خلال التنصت على اتصالات المشتبَه بهم وفكّ اتصالاتهم المشفرة ومتابعتهم عبر الإنترنت، كما سعى وزير الأمن الداخلي الأمريكي "جيه جونسون" لطمأنة الأمريكيين وتشديد حملة الإجراءات الأمنية، وأكد "جونسون" عزم وزارته والأجهزة الأمنية الأخرى "تبادل المعلومات" الإستخبارية مع فرنسا والحلفاء الآخرين والخاصة "بتهديدات الإرهابيين، الأفراد المشتبه بهم، والمقاتلين الأجانب في سوريا والعراق"، وبدأ الجيش البلجيكي في الانتشار في المواقع الحساسة شمال البلاد حفظاً للأمن وتحسباً لأعمال إرهابية ودعماً لرجال الشرطة في خطوة غير مسبوقة لم تحدث في بلجيكا منذ الثمانينات.