(1) لم يكن يعنيه البتة رواية (الساعة الخامسة والعشرون) ل "كونستانتان جيورجيو" عندما ( أشرف العالم على دخول ساعته الخامسة والعشرين؛ وهي التي لن تشرق الشمس من بعدها على الحضارة البشرية أبداً، والتي لن يحلّ بعدها يوم جديد، إنها الساعة التي سيتحول فيها البشر إلى أقلية عديمة القدرة على التفكير، لا وظيفة لها غير إدارة جحافل الآلات وصيانتها وتنظيفها)، لايهم. (2) ربما كان يشاهد نشرة الأخبار ليلاً على فراش دافىء.. ربما كان يقرأ جرائد الصباح مع قهوته العربية المرة.. لا يهم. (3) المهم هو التأزم الواضح، والنقد التام، اللذان أفرزا لديه حالة من تأنيب الذات، انتابته حالة كلمات "يفجيني يفتوشينكو": دائما أكررُ لنفسي لماذا أدجِّلُ على الناس لماذا أصوِّرُ لهم أنني أستطيعُ ما لا أستطيعُ في الواقع امنحني يا إلهي أن أكونَ شاعرا ولا تمنحني قدرةَ أن أكذِبَ على الناس. (4) كان يقرأ، أو يشاهد، لا يهم المهم أنه كان ينصت: "لدى الأشجارِ لا يوجدُ طبعا أعصاب ولا يوجدُ قلوب ولو لم يكن الأمرُ كذلك لما استطاعت على ما يبدو تحمَّلَ الأمطار المديدةَ الثقيلةَ كالرصاص ولما استطاعت أن تقفَ طيلةَ القرن تحتَ العاصفة محافظةً على ضجيجِ أوراقِها المَرِح فكيف – أيَّها الناس غيرُ القاسيين بنوعكم – وقفتم أنتم؟" (5) كان ينصت حتى يبلغ به التأثر حد الاختناق، أن تشعر بانطباق صدرك، أن يكون فعلاً وواقعاً صدرك كالوصف المقدس "ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ" أن تهرع إلى أقرب نافذة لتفتحها وأنت ترتجف، فى درجة حرارة ليل القاهرة، أو صباحاتها الباردة، ترقب الترمومتر الزئبقى، المعلق على الجدار بجوار النافذة، غير مصدق أنها 8 درجات "مئوية" أو 15 درجة "فهرنهايت".. لا يهم. (6) هل هذا الفعل والحركة كانت كفيلة لأن تكون حاضر الذهن بعيداً.. بعيداً، عن ما أطبق على أنفاسك منذ قليل.. وجعلك شاحباً كالموتى.. كم حذرك من قبل الطبيب ألا تكتب فى صفحة خيالك أو تسرح بعقلك؟ لماذا نصحك بالورقة والقلم؟ لماذا لا تتذكر التعليمات جيداً؟ والآن أخبرنى كيف حالك؟ هل انتظمت دقات قلبك؟ ماذا دار فى خلدك ليحدث هكذا "نوبة اختناق"؟. (7) وقت ما يصفه الشاعرُ "ايجور إيسايف" فى الساعة الخامسة والعشرين، أخرى… "فى الساعة الخامسة والعشرين، الساعة الفائضة، تحفر أخدودا عميقا في أرواحنا كونها هي التي تسكننا إلى الأبد وفيها ستختفي اللقالق والغرانيق، ويتسيد الخريف أعمارنا الباقية" (8) والآن لم يتبق له سوى اشتعالات لحوارات ساخنة بين الأسلوب والمضمون.. لا يهم. المهم كان بعيداً عن نشرة الأخبار، ضرورة الاستفادة من عطاءات الإبداع في خضم الحياة كما لدى "أحدهم": إذا هزَّتكَ العبارةُ الأولى في كتابٍ فتحتَهُ بمحضِ الصدفة لا تسرع.. انهضْ وابتعدْ عن الطاولة لا تقرأ العبارةَ الثانية احمِل العبارةَ الأولى عبْرَ الحياة… [email protected]