الخوف إحساس فطري لدى البشر كافة، لكن المصريين تعرضوا على مدى العصور لقهر منظم لزيادة الإحساس بالخوف لديهم؛ لأن مصر بطبيعتها الجغرافية اعتمدت دائمًا على نظام الدولة المركزية التي تختار ممثلين لها فى الأماكن المختلفة لضبط النظام، ولم تمر مصر بأي مرحلة خلت من الاستبداد ولو بأشكال مختلفة، فمصر كدولة هي معبر الحضارات ومركز انتقال التجارة كانت مطمعاً للجميع. ويلعب الإعلام دورًا مهمًّا في خنوع الشعب للأنظمة، عن طريق بث المادة التي تعظم الخوف لدي المواطن من تغيير النظام الحالي أو الحديث عن المعارضة وتصوير الأمر بالمؤامرة أو بمحاولة أياد خارجية العبث بمقدرات الوطن، الي جانب الحديث الدائم عن الاستقرار والأمن وأن كل شيء يهون في سبيل الحفاظ على الأمن والتضحيات، كل ذلك بهدف الحفاظ علي النظام ورجاله، ومن محاولة البحث عن بديل، ففى فترات الرخاء الاقتصادي يتلاشى الخوف وفي عهد الحاكم الفاسد يزيد، والمصريون قاموا بالثورة عندما تضاءل الحاكم في نظرهم وتآكل الخوف. ويرى خبراء النفس والاجتماع أن الشخص غير المستقر ماديًّا يعاني مخاوف نفسية تبطىء قراراته، حيث يشعر بخزي في بيته بينه وبين نفسه، وأنه عاجز عن دفع الظلم، فالعوز الاقتصادى يخلق الخوف، لذا فمعظم النظم الاستبدادية لضمان سيادتها تعمل على استمرار حالة العوز وما يرتبط بها من خوف وعجز، ولكن عندما يزداد الخوف بدرجة كبيرة يثور الإنسان على مخاوفه، لذا فكل ما نعيشه من فوضى عقب الثورة سببها الرئيس الهروب من قفص الخوف، فالناس تشعر وكأنهم يجهزونهم للرجوع لما كانوا فيه، موضحين ظهور نوع آخر من الخوف خلال الفترة الأخيرة ألا وهو الخوف من المستقبل وهو الذي ساهم في انتشار ظاهرة الانتحار. يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي: إن طبيعة الشعب المصري ضد التغيير ولا تميل للفكر الثوري، مشيرًا إلى أن المواطن المصري بالعصور السابقة أتى بالمماليك ليحكموه، ثم بعد ذلك الفرنسيين، وعندما رحلوا وتركوا تحديد المصير للشعب لم يتوان عن إحضار حاكم جديد وهو محمد علي، بالإضافة إلى الثقافة والأمثال الشعبية والمقولات التي تمت صبغتها بطابع ديني كقول السلفيين بحرمة الخروج على الحاكم حتي لو كان مستبدًّا، كل ذلك يوضح النشأة المصرية المبينة على دحض فكرة التغيير ورفضها تمامًا. ويضيف فرويز، أن ثورة يناير وما تلاها من تدهور بالأوضاع الاقتصادية والأمنية رسخت المفهوم المتوارث لدى المصريين عن خطورة التغيير، فتجد من يتحدث عن الاشتياق لعصر مبارك الطاغية لمجرد أنه كان يشعر بالاستقرار الوهمي، لافتًا إلى أن الدعوات التي تتحدث عن ثورة ثالثة مستحيلة؛ لأن المواطن سيحاول الثبات على الوضع الحالي بظروفه السيئة كافة خوفًا من ازدياد التدهور الاقتصادي وتأثيره على حياته المعيشية. على الجانب الآخر يؤكد الدكتور سعيد عبد العظيم، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، أن المصريين لديهم حافز التغيير والدليل على ذلك القيام بثورتين خلال أقل من 3 سنوات، فحيوية المواطن المصري وتطلعه الدائم للأفضل أساس ما حدث في يناير و30 يونيو. ويشير عبد العظيم إلى أن المعاناة التي تمر بها البلاد عقب الثورتين من تدهورات اقتصادية أمر طبيعي وجزء من ضريبة إنهاء نظام فاسد وتأسيس دولة جديدة ، ما يستغله الفلول وأصحاب المصالح الخاصة في محاولة إقناع الشعب بأن النظام السابق كان الأفضل اقتصاديًّا وأمنيًّا، موضحًا أن الحالة الاستثنائية التي تمر بها الدولة، بالإضافة إلى المهازل التي حدثت بخروج غالبية رجال مبارك هو ما تسبب بتولد الشعور لدى بعض المواطنين بأن ما حدث ضرره كان أكثر من نفعه، مشددًا على تغير تلك الفكرة عقب حصد نتائج المرحلة الحالية ورؤيتها من قِبَل المواطن على أرض الواقع.