أثار حادثة إسقاط الطائرة الأردنية وأسر الطيار "معاذ الكساسبة" على يد تنظيم داعش، الكثير من الأسئلة والجدل في الفترة الأخيرة حول القدرة العسكرية للتنظيم وامتلاكه لمضادات طائرات متطورة وانعكاسات ذلك على استمرار الطلعات الجوية للتحالف الدولي، خاصة في ظل عدم وجود أي نتائج ملموسة للغارات ضد التنظيم، ولماذا لم يتم إسقاط إحدى الطائرات الأميركية، وهي تسجل مشاركة أكبر من نظيراتها الأردنية؟ وهل ما حدث سيكون نقطة انعطاف في مسار العملية الجوية ضد التنظيم المتطرف؟ وماذا سيكون مصير الطيار الكساسبة؟ وخيارات الحكومة الأردنية لمحاولة الافراج عن الأسير. الطائرة التي أسقطت من طراز «اف 16»، يستخدمها سلاح الجو الأردني من الأجيال الأولى القديمة «اف 16 أ» و«اف 16 ب»، والتي انتجت في آخر السبعينيات من القرن الماضي، أي أنها أقدم بكثير من نظيراتها التركية والإسرائيلية والإماراتية من الطراز نفسه، وقد أخرجت العديد من الدول هذين الجيلين من الخدمة؛ كما أن الأردن لم يحصل على هذه الطائرات وهي جديدة، بل حصل عليها من هولندا وبلجيكا وغيرها بعد أن أخرجتها تلك الدول من الخدمة. يضاف إلى ما سبق أن الطائرة الأردنية كانت تحلق على ارتفاع منخفض ويقول مختصون في الشأن العسكري إن "داعش" يمتلك عدّة أنواع من الصواريخ الحرارية التي يمكنها إسقاط طائرات من طراز "اف 16′′، شرط أن يكون تحليقها على علو منخفض. ومن المعلوم أن عناصر "داعش" كانوا قد استولوا على كميات من الصواريخ الحرارية بعد سيطرتهم على مخازن أسلحة تابعة للجيشين السوري والعراقي، منها صواريخ من طراز "ستريلا" و"كوبرا"، هذه الصواريخ يصل مداها في الرمي عمودياً إلى نحو 3200 متر، وأفقياً إلى نحو 4200 متر، الأمر يعني أنها قد تصيب ال "أف 16′′ إذا كانت على علو منخفض جداً . قد يكون صغر سن الطيار الأردني، ذي السادس والعشرين ربيعاً، وبالتالي قلة خبرته وعدم تراكم ساعات طيران كافية، هي ما يفسر ارتكابه لخطأ التحليق المنخفض، ووقوعه بالتالي ضمن مدى صواريخ «داعش»، الخلل الفني يبقى أيضاً احتمالاً قائماً، ولكن سقوط طائرة خلال التحليق على نحو مفاجئ هو مسألة نادرة ومستبعدة، ولا سيما إذا كان هذا السقوط فوق مسرح العمليات. حالة خاصة وجهتها الطائرة الأردنية ومن غير المنطقي تعميمها على الطائرات الأحدث، والطواقم الأكثر خبرة، للدول الأخرى في التحالف، مثل الولاياتالمتحدة وفرنسا ودول الخليج، ما يدعم هذا الاستنتاج هو تنفيذ الدول الأخرى في «التحالف» عدداً هائلاً من الطلعات الجوية ضد مقاتلي «داعش» من دون أن تتعرض طائراتهم للاستهداف. ظهر الارتباك في تصرّفات الجهات الرسمية في الأردن حيال الحادث، في بادئ الأمر، أكّدت القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية إسقاط إحدى طائرات سلاح الجو الملكي، أثناء قيامها ب"مهمة عسكرية ضد أوكار تنظيم داعش الإرهابي في منطقة الرقة السورية"، وأقرّت، في بيان أنه "تم أخذ الطيّار كرهينة من قبل تنظيم داعش الإرهابي"، لكن الأردن الرسمي كان له موقف آخر فى وقت لاحق حيث قال المتحدث باسم الحكومة محمد المومني إن «تقييمات جديدة أظهرت أنه لا يوجد مؤشر على أن الطائرة أسقطت بنيران مقاتلي تنظيم داعش». ظهر مؤشر جديد يوضح تخوفات الحكومة من المرحلة المقبلة في حربها على داعش حيث قالت مؤخرًا فى تصريحات لصحيفة أردنية إنها أبلغت الجهات المعنية، داخل التحالف الدولي ضد "داعش"، بأن الطائرات الأردنية لن تستأنف المشاركة قبل الكشف عن كل التفاصيل ومعرفة الأسباب، وراء سقوط الطائرة بالرقة السورية، بالإضافة إلى أن هناك لجنة تحقيق شكلت في الغرفة المشتركة لعمليات التحالف للتحقيق في أسباب إسقاط أو سقوط الطائرة الأردنية، ومعرفة مواطن الخلل التي أصابت الطائرة بعدما شاركت في العمليات، بعد نجاحها في كل فحوصات واختبارات الأهلية. وبالنظر إلى مصير الأسير الأردني الكساسبة، خبراء استبعدوا التعويل على نجاح عملية عسكرية لتحرير الطيار الأسير، حيث لم تنجح أي محاولة للإفراج عن أي من الرهائن في هذا المجال، لذلك تصبح خيارات الحكومة الأردنية أكثر صعوبة، وأصبح أمامها خيارات محدودة وهي أن ترضخ لطلبات «داعش» الذي قد يشترط وقف مشاركة الأردن في العمليات ضده مقابل إعادة الطيار الأسير، أو على الأقل، المحافظة على حياته، أو تقوم الحكومة الأردنية بطلب وساطة رموز التيار السلفي في الأردن للتوسط، ولكن بالمجمل هي خيارات صعبة جداً أمام الحكومة الأردنية. الشيء الوحيد المرجح هو أن الحكومة الأردنية وحيدة في أزمتها هذه وأن الولاياتالمتحدة ستكمل العملية الجوية ضد داعش من دون أن ترجع خطوة للوراء من أجل النظر للأسير الأردني.