سلطت صحف أمريكية الضوء على موضوع الطيار الأردني معاذ الكساسبة, الذي احتجزه تنظيم الدولة "داعش", بعد سقوط طائرته, فوق محافظة الرقة السورية في 24 ديسمبر. وذكرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" في تقرير لها 27 ديسمبر أن سقوط طائرة أردنية مقاتلة من طراز "إف16" في محافظة الرقة بسوريا, ووقوع قائدها الطيار معاذ الكساسبة, في أيدي عناصر من تنظيم الدولة, قد يهدد الدور الذي يقوم به الأردن في القتال ضد هذا التنظيم. وأضافت الصحيفة أن عملية وقوع الطيار الأردني أسيرا بأيدي تنظيم الدولة دفع بالمسئولين في عمّان إلى الدفاع عن دور الأردن في التحالف الدولي, الذي تقوده الولاياتالمتحدة، وإلى التفكير في الإفراج عن معظم المعتقلين "الإرهابيين" في البلاد, في مقابل استرداد الطيار الأسير. ونسبت "كريستيان ساينس مونيتور" إلى مصادر أردنية مطلعة القول إن مسألة الطيار الرهينة تركت الحكومة الأردنية والملك عبد الله الثاني في حالة أزمة، وذلك بينما تحاول عمّان العمل جاهدة لاستعادة الطيار سالما، ولتبرير دور البلاد في الحرب ضد تنظيم الدولة, أمام المشككين في الشارع الأردني, الذي يشهد انقساما عميقا على نحو متزايد بخصوص هذا التدخل. وبدورها, أشارت صحيفة "واشنطن بوست" إلى بدء الأردن سلسلة من المفاوضات مع آسري الطيار الكساسبة من خلال وساطة من جانب قطر وتركيا, والقبائل السنية العراقية وتركيا، على الرغم من عدم تقدم تنظيم الدولة بأي مطالب. وأضافت الصحيفة في تقرير لها في 27 ديسمبر أن الخيارات أمام الأردن تأخذ بالنفاد, كلما طال أمد أزمة الطيار الأردني الأسير, لدى تنظيم الدولة في سوريا. وفي السياق ذاته, أشارت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" إلى أن البرلمان الأردني أصدر بيانا شديد اللهجة, حذر فيه من تعرض الطيار لأي أذى. وأضافت أن مجلس النواب الأردني هدد في 25 ديسمبر من "عواقب وخيمة", إذا تعرض "المتطرفون" للملازم أول الطيار معاذ الكساسبة بأي أذى، وهو الذي تحطمت سقطت طائرته في 24 ديسمبر قرب معقل لتنظيم الدولة في الرقة في شمال شرقي سوريا. وتابعت "لوس أنجلوس تايمز" في تقرير لها في 27 ديسمبر أن بيان البرلمان الأردني دعم دور بلاده في الحملة الجوية ضمن التحالف الدولي, الذي تقوده الولاياتالمتحدة ضد تنظيم الدولة في كل من سورياوالعراق، وأن البيان دعا الحكومة إلى بذل قصارى جهدها, لضمان العودة الآمنة للطيار الأسير. وكانت مصادر سياسية مقربة من مطبخ القرار السياسي والأمني في الأردن كشفت لقناة "الجزيرة" في 26 ديسمبر أن عمان بدأت بالفعل في تدشين مفاوضات سرّية غير مباشرة مع تنظيم الدولة, لتحرير طيارها معاذ الكساسبة, المحتجز لدى التنظيم. وأكدت المصادر ذاتها أن غرف عمليات شُكلت منذ وقوع الطيار بأيدي التنظيم, على أعلى المستويات ضمت قيادات بارزة في الحكم، وبدأت بإجراء اتصالات مكثفة مع أطراف إقليمية ودولية ومع شخصيات سياسية وعشائرية فاعلة داخل العراق، للبحث عن وساطات، ومناقشة السيناريوهات المتعلقة بمصير الطيار الكساسبة, والخروج من الأزمة بأقل التكاليف. وتحدث مصدر أردني رفيع ل "الجزيرة" عن بعض تفاصيل هذه الاتصالات، وقال :"إن هناك اتصالات أجريت مع الإخوة الأتراك، وهناك توجه لإجراء اتصالات مماثلة مع الأشقاء القطريين". وقال مصدر آخر :"إن ثمة اتصالات مكثفة جرت وتجري حاليا مع قيادات العشائر السنية الفاعلة غربي العراق، لتقوم بدور الوسيط". ويمتلك الأردن علاقات قوية بقادة العشائر العراقية، ويقيم الكثير من هؤلاء في المملكة، التي توفر لهم الحاضنة الرسمية. ولا يستبعد مراقبون أن تنخرط المؤسسة الأمنية في الأردن, وتحديدا جهاز المخابرات العامة في مفاوضات مباشرة مع التنظيم في فترة ما من عمر المفاوضات غير المباشرة. وتمتلك المخابرات الأردنية قاعدة بيانات ضخمة عن الشخصيات المؤثرة داخل التنظيم، وقد نجحت بالفعل في أوقات سابقة في التواصل مع شخصيات فيه من خلال اختراق مواقعهم وصفحاتهم على الإنترنت. وقال وزير بارز في الحكومة الأردنية ل"الجزيرة" إن هناك مفاوضات غير مباشرة تجري وراء الكواليس، وأضاف "مستعدون للدخول في تسوية ما (...) كل ما يهمنا هو إطلاق سراح ابن الأردن معاذ الكساسبة، لكننا لا نستطيع الخوض في التفاصيل". وأردف مشترطا عدم ذكر اسمه "لدينا معتقلون متهمون بالإرهاب على غاية من الأهمية بالنسبة لتنظيم داعش الإرهابي، وهناك تفكير جدي في التفاوض عليهم، لكننا في الوقت ذاته لن نساوم على موقفنا من محاربة الإرهاب, وسنبقى جزءا مهما من التحالف الدولي". وكان زعيم "السلفيين الجهاديين" في مدينة معان جنوبي الأردن محمد الشلبي, الشهير ب"أبي سياف", أصدر بيانا صحفيا في 25 ديسمبر قال فيه :"إن تنظيم الدولة سيطلب من الأردن إطلاق أسرى يخصونه, مقابل إطلاق الرهينة الأردني". وأضاف "علمنا أن التنظيم سيطلب استبدال الطيار الكساسبة بالأسيرة ساجدة الريشاوي التي أرسلها أبو مصعب الزرقاوي مؤسس الدولة لتنفيذ مهمة في الأردن (تفجيرات فنادق عمان 2005)، كما سيطلب استرداد الأسير لدى السجون الأردنية زياد الكربولي، وهو أحد أفراد تنظيم الدولة, وربما يطلب استرداد آخرين". ورفض "أبو سياف" تقديم معلومات إضافية عن ما إذا كان هناك اتصالات بينه وبين مسؤولين أردنيين لبحث ملف الطيار، وقال ل"الجزيرة" إن الوقت غير مناسب للخوض في التفاصيل.