«يلا بينا على باب الله يا صنايعية يجعل صباحك صباح الخير ياسطى عطية», هذا مقطع من أجمل أغاني الشيخ سيد درويش والتي تغنت بها أجمل الأصوات من بعده, ولم يدر الشيخ سيد أنه سيأتي وقت لا يستيقظ فيه الصنايعي من نومه مبكرا ليس لكسله ولكن لأنه أصبح بلا عمل. هذه الفئة لا يوجد من ينظمها فيعتمد كل صاحب حرفة على معارفه في إيجاد «مرمة» هنا أو هناك, وكثيرا ما يجلس الصنايعي في منزله دون عمل في انتظار الفرج دون ملل, ولكن ضغوط الحياة تولد الانفجار, لأنهم بشر لهم طاقة, يحتاجون العمل من أجل المال لكي يواصلوا مسيرة الحياة وليس من أجل الترفيه. غياب العمل لأوقات كبيرة يأتي بعواقب لا تحمد عقباها على هذه الفئة, ليس جميعهم يستطيع تحمل الجلوس في المنزل لأوقات كبيرة, فبعضهم يرضخ لأشياء لا يتمناها مثل الاستدانة وهي أهون الشرور, لأن هناك مجموعة أخرى تلجأ إلى مخالفة القانون سواء بالعمل في تجارة المخدرات أو السرقة ولديهم من «الحجج» ما يكفي للرد على من ينتقدهم. ويصنف الصنايعية باعتبارهم من العمالة غير الرسمية والتي تمثل حوالى 40% من الاقتصاد القومى، بحجم يتراوح بين 60 إلى 80 مليار جنيها، ويبلغ عدد هؤلاء العاملين- وفقا لأكثر التقديرات تداولا 8 مليون عامل، غير أن الإحصاء الرسمى ما زال يسقط قطاعات منها النقل البرى، والمناجم والمحاجر "شق التعبان، المنيا" فضلا عن عمالة القطاع الخاص الموسمية، وغير المسجلة فيما حصرت وزارة القوى العاملة والهجرة العمالة غير المنظمة من خلال 28 مكتبا لها فى المحافظات بثلاثة ملايين عامل. سيد قطب « صنايعي سيراميك ورخام» عمره 52 عاما، أكد أن أهم المشاكل التي تواجههم كحرفيين أن ليس لديهم جهة يتبعونها في الدولة, ولا يستظلون بظل منظومة صحية أو تعليمية, أو تأمين اجتماعي بعد بلوغهم سن المعاش, مشيرا إلى أن هذا يخلق لديهم كحرفيين مشاكل كثيرة، والبعض يترك مهنته ويتجه إلى أشياء تضر بالمجتمع مثل تجارة المخدرات والسرقة. وشدد قطب على ضرورة أن تقوم الدولة برعاية الصنايعية واحتوائهم بإنشاء صندوق اجتماعي يخصهم، وتحصل من القادرين ضريبة مثل المرتب لإنشاء مشاريع تعود عليهم بالنفع, وأن تنظم الدولة عملهم بين أصحاب الأعمال, موضحا أن غلاء الأسعار يؤثر عليهم سلبا، لأن اليومية ثابتة وجميع السلع ترتفع أسعارها، وهو ما يؤثر أيضا على مواد البناء فتترك فراغ في السوق الحرفي, وتزداد نسبة البطالة، فيقع العامل فريسة تحت رحمة من يملكون الأموال، خاصة وإن كان رب أسرة يحتاج يوميا دخل ثابت لكي يستطيع أن ينفق على بيته, ومن هنا تبدأ المشكلة الكبرى بين الأزواج والزوجات، خاصة أن الصنايعي عامل يومي ينتظر رزق اليوم بيومه، وإن لم يتوفر قوته باستمرار تحدث المشاكل التي ترفع من نسب الطلاق ويتم تشريد الأطفال ومن هنا يوجد مشكلة أخرى هي زيادة نسبة أطفال الشوارع. وأوضح قطب أنه من قبل الثورة وهو لا يعمل سوى بضعة أيام خلال الشهر, وهو ما يجعله لا يستطيع الإنفاق على المنزل، ويضطر للاستدانة لسد الفراغ المالي، متمنيا أن توفر الدولة له معاشا كي يستطيع أن يوفر تدابير منزله. وتؤكد زوجته سامية عبد الحميد، في العقد الخامس من عمرها أنها اضطرت للنزول إلى سوق العمل لكي تساعد زوجها، وتعينه على تدابير البيت مثل تعليم أولادهم لكي يواجهوا الحياة بصورة أفضل مما هم عليها، ولا تواجههم كم المشاكل التي وقعوا فيها بسبب عمل زوجها, مؤكدة أنها تقوم بذلك رغم أنها مريضة، ومطلوب منها الراحة التامة في السرير ولكن «المضطر يركب الصعب». وأضافت الزوجة أنها أحيانا تشعر بالملل من حالة زوجها المادية, وتفكر في الانفصال عنه بسبب الحالة التي هم عليها من فقر, ولكن سريعا ما تعود بالتفكير في الأبناء ومن سيقوم بتدابير نفقاتهم لو حدث الانفصال, مطالبة ب«أبسط حقوقهم» كبشر في الحياة الكريمة وتوفير المأكل والملبس والرعاية الصحية والتأمين الاجتماعي. وأوضحت الزوجة أن ابنها الأكبر تعرض لحادثة عام 2005 أثناء عمله مع والده بمهنة تركيب الرخام مما أصابه في إحدى عينيه وفقد بها النظر تماما, مما أثر عليهم نفسيا وماديا واضطروا للاستدانة من الأقارب والغرباء لكي يوفروا نفقات علاجه، لأنه لا يملك تأمين صحي وبعدها قررت أن لا يعمل معه مرة أخرى حتى ولو جلس في المنزل, وعمل بوظيفة بأجر ضعيف حتى يبعد نهائيا عن هذه المهنة التي أفقدته إحدى عينيه, وقام بعدها بالزواج والجلوس معهم في المنزل المتواضع حفاظا على نفسيته وإعانته على تدابير متطلبات الحياة. ويقول محمد عبد اللطيف، سباك صحي، إن أول المشاكل التي تواجهه عدم انتظام عمله بشكل يومي مما يؤثر على توفيره لنفقات منزله, وعدم وجود تأمينات اجتماعية أو رعاية صحية, مضيفا أنه في حالة حدوث أي إصابة لهم كصنايعية يجلسون في المنزل, وتنساهم وزارة القوى العاملة، وأصحاب الأعمال لا يمنحونهم سوى اليومية مهما حدث لهم, مؤكدا أن في هذه الحالة يتشرد هو وأبناؤه ولا يجد من ينفق عليهم. وأكد عبد اللطيف أن لديه ثلاثة بنات، اثنين منهم في سن الدراسة، والأخيرة عمرها سنتين وتحتاج إلى مستلزمات يومية غالبا ما يعجز عن تدبيرها, وأن الدولة لا تعترف بالصنايعية، إلا إذا قاموا بدفع أموال للنقابة العامة للعاملين بالبناء والأخشاب لكي تعطيهم كارنيه مزوالة المهنة, مشيرا إلى أن أحد أدوار هذه النقابة توفير أعمال للعاطلين ولكنها لا تفعل ذلك وشغلها الشاغل جمع الأموال فقط, وأنه لا يملك أموال لدفعها لهذه النقابة لذلك أصبحت المهنة في البطاقة خالية وهو ما يعرضه للمضايقات الأمنية بحجة الاشتباه. ويوضح السباك الصحي أن غلاء الأسعار ومنها رفع الدعم الذي تقوم به الحكومة على الكهرباء والغاز يجعله يلجأ للاقتراض من بعض الأصدقاء والمعارف لسد العجز الذي يحدث نتيجة توقف الدخل بسبب توقف العمل، مضيفا أن ضعف إمكانياتهم أجبره أن يلحق بناته بالمدارس الحكومية مما يجعلهم فريسة للمدرسين الذي لا ينظرون للأحوال الصعبة ودائما يجبرون الأبناء على الالتحاق بالدروس الخصوصية فقط من أجل أن ينجحوا. وأنهى عبد اللطيف حديثه قائلا: قمنا بالتقديم للقوى العاملة للالتحاق بالمهن التي تم الإعلان عنها في مشروع قناة السويس الجديد، ولكن لا حياة لمن تنادي ولم يرد علينا أحد سواء بالسلب والإيجاب. وتقول زوجته رشا أحمد إن عدم استمرارية زوجها في العمل يؤثر على تدبير نفقات المنزل مما يجعلها تضطر للاقتراض من الجمعيات الأهلية وغالبا تحتاج إلى الاستدانة من أقاربها لتسديد هذه القروض خاصة وأنها مصحوبة بفائدة وغرامة تأخير على كل يوم. وأوضحت أنهم يشترون الملابس بالتقسيط, وفي المواسم مثل شهر رمضان لا يستطيعون شراء مسلتزمات المنزل، خاصة وان إحدى بناتهم مريضة بارتخاء في عضلة القلب و«حمى روماتزمية», وفي الأعياد لا يستطيعون شراء ملابس جديدة للأطفال. ويؤكد ربيع موسى يماني نقيب العمالة غير المنتظمة المستقلة أن أهم مشاكلهم أن ليس لهم قانون تنظيم يثبت حقوقهم, أو تعويضهم في حالات الإصابة أو الوفاة, أو تعويضهم أثناء جلوسهم في المنزل دون عمل, مشيرا إلى أنه في حالة قيام أحد ببناء منزل أو منشأة جديدة يتم خصم 10% من قيمة تصريح البناء تحت بند التأمين على العمالة غير المنتظمة. ويضيف موسى أنهم لم يروا من هذه الأموال شيئا, وأن لديهم حالات وفاة عديدة وعندما لجئوا لكافة الطرق لكي يحصلوا على تعويضات لهؤلاء المتوفين لم يستطيعوا التوصل لأي أموال من جميع الجهات, واضطروا إلى تجميع الأموال من بعضهم البعض داخل النقابة لتعويض أسر المتوفين. ويشير نقيب العمالة غير المنتظمة إلى أن الصنايعي عندما يصل إلى سن الشيخوخة لا يجد له دخلا, ويضطر إلى التسول ليسد حاجاته, مشيرا إلى أن الجميع في هذه الدولة لا يدري قيمة الصنايعي رغم أنه من يشيد الأبراج والمنازل التي يقطنون بها. ويقول موسى إن هناك دور كامل بوزارة القوى العاملة مخصص للعمالة غير المنتظمة, وأثناء تولي الوزير السابق كمال أبو عيطة الوزارة قام بإدخال النقابة إلى هذه اللجنة وسددوا الأموال المستحقة لهذا الصندوق, مضيفا أنه في عيد الأضحى الماضي قالت إدارة العمالة غير المنتظمة في الوزارة إنها صرف 45 مليون كمنحة عيد, ولكنه لا يدرون إلى أين ذهبت هذه الأموال. ويتابع موسى أن خالد المصري، مدير إدارة العمالة غير المنتظمة أبلغهم أنهم في المولد النبوي صرفوا 23 مليون جنيه في صورة حلوى المولد, موضحا أنه أبلغ الوزير وقتها أن هذا الأمر غير صحيح وأن هذه المصروفات وهمية, وأنه من المفترض في كل مناسبة يتم صرف منحة بقيمة 100 جنيه لكل صنايعي ولكن هذا لم يحدث. وينهي نقيب العمالة غير المنتظمة حديثه بأن ارتفاع الأسعار يؤثر بشكل سلبي على الصنايعية حيث يجعل أصحاب الأعمال يخشون ضخ أموالهم إلى السوق ومن ثم يقل العمل بالنسبة للصنايعية ويجلسون في منازلهم.