على هامش الحياة يعيش أكثر من 20 ألف نسمة في مقابر الإمامين والتونسى بحى الخليفة بالقاهرة.. عشنا معهم عن قرب؛ لنتعرف على مشكلاتهم ومطالبهم.. أسر كاملة تعيش بلا مياه أو كهرباء أو صرف صحي وبدون حمامات. أما الكهرباء فتتم سرقتها من أعمدة النور، وتنقطع أكثر مما تأتى، وتحيط بهم المخاطر من بلطجية ولصوص، في بيوت سقفها أرفف خشبية لا تقيهم أمطار الشتاء ولا شمس الصيف الحارقة، وأطفال مشردون لا يذهبون إلى المدرسة؛ نظرًا للظروف التي تحيط بهم من عوامل بيئية واجتماعية. وفى جولة ل "البديل" مع سكان مقابر "الإمام الشافعى" و"الإمام الليث" و"التونسى"، وفي الطريق إليهم، وجدنا بشرًا يعيشون حياة غير آدمية ،أقل ما توصف به أنها عذاب، حيث لا توجد خدمات، وما أشد وأصعب الليل المرعب الذى يعيشونه وسط أعمال البلطجة والسرقة والاغتصاب! مقابر الإمام الشافعي.. الخوف من البلطجية والحلم بحجرة تؤويهم ذهبنا إلى مقابرالإمام الشافعى، وجدنا بقايا سرنجات على الأرض ورائحة البانجو والحشيش تأتى من كل مكان، وأمام أحد الأحواش كانت تجلس سيدة اقتربنا منها؛ لنتعرف على مشاكلها ومعاناتها، قالت "اسمى سعدية مرسى عمرى 50 عامًا، أعيش فى المقابر من 25 سنة مع ابنتى بعد وفاة زوجى، ومصدر دخلى الوحيد هو 300 جنيه معاش التضامن، نعيش ونحرس هذا الحوش، وأذهب لملء المياه من حنفية فى آخر الشارع، ونذهب إلى ميضة الإمام لقضاء حاجتنا؛ لعدم وجود دورات مياه، وأتمنى حجرة واحدة أنا وبنتى ودخلاً يكفى حاجتنا، حتى يأتى أمر الله". وفى حوش آخر وجدنا رجلاً مسنًّا لا يقوى على المشى، وسألناه: "هل تشعر بالخوف وأنت تعيش هنا؟!" قال "نعم، كنت أخاف من البلطجية والخارجين على القانون الذين يسيطرون تمامًا على الأماكن المهجورة بالمقابر، حتى تحولت إلى أوكار لإتمام الصفقات المشبوهة وغير المشروعة. لكن مع مرورالوقت تلاشى الخوف وخدنا على كده. أنا عاييش هنا من 30 سنة، وعمرى الآن 67. كنت أعمل مبلط على قد الحال، ولعدم قدرتى على إيجار شقة او حتى حجرة، جئت هنا إلى مقابر الإمام، ووجدت هذا الحوش، وربنا كرمنى ب 3 بنات وولدين، كلهم تزوجوا ويعيشوا فى مقابر التونسى، أما أنا فأعيش على صدقات الآخرين وأولادى عايشين على قد حالهم". وقابلنا امرأة بسيطة اسمها بهية عبد العال تعيش من عشر سنوات في المقابر في حوش لديها 4 أبناء وزوجها رجل كفيف يبلغ من العمر 65 عامًا، قالت إنها تصرف المعاش من الشئون الاجتماعية، ويبلغ مائة وخمسين جنيهاً فقط، ولا يكفى الأسرة حتى نهاية الشهر، "والمياه الصالحة للشرب لا نجدها، ولا يوجد لدينا صرف صحي. أتمنى ولو يوم فى عمرى الحكومة تجيب لى شقة أو حجرة أعيش فيها زى البشر". سكان مقابر التونسي: نغلق الأبواب بالسلاسل.. ونظل ساهرين للفجر تقول أمال محمود 40 سنة "كنا نعيش فى بولاق مع زوجى، وطردنا صاحب الحجرة التى كنا نعيش فيها؛ لأننا لم نستطع دفع الإيجار، وسمعنا أن عددًا من الجيران ذهبوا ليعيشوا هنا فى المقابر، وجئنا إلى هنا، ووجدنا أعدادًا كبيرة مثل حالتنا لم يستطيعوا دفع الإيجاروليس لهم مصدر رزق". زينب محمد أرملة تعيش في المقابر منذ زمن طويل، لديها خمسة أبناء ثلاثة بنين وبنتان، يعيشون فى حوش كبير، الحمام عبارة عن "جردل"، ويتم تفريغه في مكان بعيد، والكهرباء حصلوا عليها من خلال وصلة من عمود إنارة قريب، لا يمتلكون شيئًا، ولا يوجد لهم مصدر رزق". وقالت زينب "لا نخاف إلا بالليل؛ لأن البلطجية والحرامية ينتشرون فى المقابر يشربون الحشيش والمخدرات بأنواعها؛ لذلك نقوم بغلق الأبواب بسلاسل من الحديد، ونظل ساهرين حتى الفجر". وفى الصباح نجد السرنجات ملقاة على الأرض فى كل مكان وزجاجات الخمر الفارغة. طالبة من سكان مقابر الإمام الليث: أخجل أن يعرف زملائي أني أعيش في المقابر أم بهية سيدة بسيطة 55 سنة، تعيش مع زوجها وابنتها في حوش بالإمام الليث، لا يوجد دخل شهرى سوى معاش 300 جنيه، يتمنون سكنًا ولو غرفة للهروب من جو البلطجة والمخدرات. الزوج مريض، ويحتاج لأدوية، ولا يملك ثمنها. وتقول الابنة "منى" الطالبة في الإعدادية إنها تتمنى شقة صغيرة؛ لأنها تخجل أن تعرف زميلاتها في المدرسة أنها تعيش في المقابر. وأشارت ثناء محمود 35 سنة ناحية أحد المدافن، وقالت "هل تصدق أننا عندما نريد الاستحمام نذهب هناك ونعتبره حمامًا ونتجمع فيه، ونقوم بحراسة بعضنا؛ خوفًا من أن يتعرض لنا أحد، يعنى معاناة فى الأكل والشرب والنوم والحمام والخوف من الحرامية والبلطجية وتجار المخدرات والمدمنين. متخصصون: يجب أن تقوم الدولة بدورها تجاه سكان المقابر يقول د. صفوت مدبولى أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة "يجب على الحكومة نقل هؤلاء المواطنين من المقابر إلى مكان آخر آدمى وإنشاء مجتمع متكامل يتعايشون فيه؛ حتى يمكن أن بستفيد بهم المجتمع، ويصبحوا أسوياء؛ لأنهم معرضون للأمراض النفسية والتحول إلى الجريمة والاتجار فى الممنوعات. واقترحت الباحثة الاجتماعية د. منى شفيق أن تقوم الحكومة بنقل المقابر من وسط القاهرة إلى المناطق الجديدة، مع حصر عدد السكان وبناء منشآت سكنية جديدة لهم مكان المقابر. وأضافت أن "هؤلاء الناس يأتون من العشوائيات، وهي طبقة فيها الحالة الاقتصادية سيئة جدًّا من الجوع والبطالة والتشرد وعدم تواجد فرص للتقدّم، وهذه الطبقة تغذي طبقة سكان المقابر، وتزيد من عددهم ومشاكلهم، حتى يصل الأمر إلى أزمة استثنائية لا يمكن التغافل عنها". محافظ القاهرة يعد بحل المشكلة ذهبنا إلى الدكتور جلال السعيد محافظ القاهرة، وعرضنا عليها المشكلة، فقال "إن الجانب النفسي لسكان المقابر يعتبر القضية المحورية؛ لقسوة الواقع الذي يعيشون فيه، وهناك خطة من المحافظة لمحاولة توفير مسكن كريم لسكان المقابر في أسرع وقت".