اتخذ الإخوان المسلمون موقفا مشيطنا للزعيم الراحل عبد الناصر وحقبته بأكملها، وسار على نهجهم كثير من المنتمين للتيار الإسلامى، معتبرين تلك الفترة هى الأكثر انتكاسة للروح الإسلامية والأخلاق بشكل عام، ربما لم ينس الإخوان المسلمون ما حدث لهم فى فترة عبد الناصر، معتقدين أنها الأسوأ من حيث مصادرة حرياتهم واعتقال قادتهم، على الجانب الآخر وقف تيار ثان يدافع بقوة عن جميع الإجراءات التى تمت فى تلك الفترة، ويقدم صورة مثالية عن هذا "الزمن الجميل"، مصورا إياه أزهى عصور مصر الحديثة، لا يضاهيه سوى عهد محمد على أو العصور الفرعونية القديمة، وبعض فترات مصر الفاطمية والمماليك "بداياتها". هذا الموقف يتبناه التيار الناصرى والتيارات المؤيدة للحكم العسكرى بوجه عام أو الرافعون لشعار الوطنية التى تعنى – فى نظرهم – تقديس وتكريم كل رئيس جمهورية حكم مصر باعتبار أنه رمز لمصر والمصريين، وهذا يكفى لتكريمه دون حاجة لتعداد إنجازاته! ولعل من يسمون أنفسهم "أبناء مبارك" هم المصداق الأتم الذي ينطبق عليه حديثنا. هذه الصورة حاضرة فى أى حدث أو ذكرى تتعلق بتلك الفترة، فنشهد عندها نشاطا ملحوظا من الفريقين المتناحرين، ونجد نفس الردود والتبريرات والاتهامات من الطرفين بنفس المفردات والعبارات التى اعتدنا على سماعها: جوانب من مذكرات الراحل محمد نجيب يستشهد بها الإسلاميون، وشواهد تاريخية تتعلق بتنظيم إخوانى مسلح- تبرأ منه حسن البنا كما يقال- يعتبره الطرف الثانى ذريعة للأحكام الصادرة ضد قيادات وشباب الاخوان المسلمين وقتها، ناهيك عن أزمة إعدام سيد قطب، وهى التى فطرت لها قلوب الإسلاميين الأصوليين وقتها، وإلى اليوم ما زالت مفطورة على مفكرهم الإسلامي الأبرز . ولكن ما الجديد إذن؟ الجديد هو التناول الذي طرأ مؤخرا من خلال شبكات التواصل الاجتماعي من منظور مختلف عن الرؤيتين السابقتين؛ نظرة تبرز أن تلك المرحلة شهدت ترقي اجتماعي حقيقي لأن البنات فى الصعيد والأرياف، وبالطبع العاصمة، مجردات من الحجاب وغطاء الرأس وأحيانا غطاء قصبة القدم وأعلى الركبة بقليل "فيما يعرف بالمينى جيب"! وأن الحجاب الذى انتشر فى الثمانينات هو مظهر من مظاهر التأثير الوهابى السعودى، الذى اجتاح مصر، وقدم صورة قبلية للإسلام، بعيدة كل البعد عن جوهره وحقيقته، وكان من ضمنها الحجاب أو النقاب، وبعض المظاهر السلبية التى أضرت بمجتمعنا كثيرا، وحرمته من مظهر التقدم الذى كان ينعم به لتجره جرا للرجعية والتأخر الحضارى. فى الواقع لم أكن ألتفت لتلك المقولة إذا ما كانت صادرة من إحدى السيدات التى تعانى اليوم من ظلم وقسوة المجتمع الذى يحارب رغبتها فى أن ترتدى ما تريده دون ضغط نفسي أو تخويف أو اتهام بالانحراف أو تحرش! لكن الملفت حقا أن تلك النغمة بدأت تزداد فى لهجتها على المستوى الإعلامى أيضا حتى وصلت إلى لسان وزير الثقافة نفسه الذى تكفل بعرض نفس وجهة النظر تلك، متقمصا دور الفقهاء عندما أضاف إليها أن الحجاب نفسه ليس فرضا! للأسف ما آلمنى فى تلك النظرة المختلفة أنها فاقت النظرتين الكلاسيكيتين "الإخوانية –الناصرية" فى السطحية وقشرية الطرح والرؤية إلى درجة أهملت فيها بشكل كبير الإنجازات السياسية والاقتصادية لتلك الفترة لصالح السفور و"الميني جيب"، كما غضت الطرف عن المشكلات المتعلقة بالحريات والديمقراطية والاعتقالات وصولا إلى نكسة 67 التى كانت اللمسة الأخيرة القاضية على تلك الحقبة بأكملها، والتي لم تكن نتاج لحالة مجتمعية انتشر فيها المجون والخلاعة بشكل سافر فى كافة قطاعات المجتمع – كما صور الإسلاميون – بقدر ما هى سقطات وأخطاء فردية من طبقة حاكمة يتزعمها الزعيم جمال عبد الناصر وقد أعلن مسئوليته عنها بشكل واضح بعد النكسة. خلاصة القول إن اختزال تطور المجتمع المصرى فى فترة الستينات في أنه كان"بدون حجاب وذقن" لا يعكس حقيقة ما شهدته هذه المرحلة المهمة في تاريخ مصر من تقدم، كذلك ما حدث من نكسة لم يكن بسبب ترك "الحجاب والذقن"، هذا الاختزال يخل بفترة تاريخية مهمة في تاريخنا الحديث، إنها الستينات، وما أدراك ما الستينات!