رسميًا رابط نتيجة تنسيق جامعة الأزهر 2025.. طب 95.08% وهندسة 89.54% وصيدلة 92.15%    هبوط عالمي في سعر الذهب اليوم الخميس 18-9-2025 بعد قرار الفيدرالي الأمريكي الأخير    محمود محيي الدين عن تصريح «الاقتصاد المصري لم يتحرك منذ 2015»: أرقام البنك الدولي الرسمية هي المرجع    أوكرانيا تتسلم المزيد من جثامين جنودها من موسكو    فيريرا يشيد ب عبدالله السعيد.. ويؤكد: نركز حاليا على لقاء الجونة    «تواجد بابي بادجي».. قائمة سموحة لمباراة حرس الحدود في الدوري    التشكيل الرسمي لمباراة برشلونة ضد نيوكاسل في دوري أبطال أوروبا    قبل صهرها وبيعها.. كاميرا مراقبة ترصد إتلاف «الإسورة الأثرية» في الصاغة بعد سرقتها من المتحف المصري    بيان تحذيري عاجل بشأن اضطراب حالة البحر في الإسكندرية غدًا الجمعة    انطلاق فعاليات الدورة الأولى من مهرجان بورسعيد السينمائي    ندوة توعوية لمركز التنمية الشبابية بالإسماعيلية حول حقوق ومسؤوليات ذوي الهمم    لدعم الطلاب الجدد.. طفرة في الخدمات المقدمة من جامعة حلوان| تفاصيل    محافظ المنيا يتفقد قافلة لبيع السلع الغذائية الأساسية بأسعار مخفضة    رئيس «العربية للتصنيع» يبحث مع وزير دفاع جامبيا أوجه التعاون المقترحة    التمثيل العمالي بجدة يبحث مطالب 250 عاملًا مصريًا بشركة مقاولات    ننشر خطوات تجديد رخصة القيادة إلكترونيًا    محافظ المنيا: حملات مستمرة للتفتيش على الأسواق    محمد بركات يكتب: أمريكا وجرائم إسرائيل    رحاب الجمل: محمد رمضان موهوب وذكي ورفضت دور بسبب ابني وزوجي    أحلام الكلب وربيع اليمامة    افتتاح 5 مشروعات طبية جديدة خلال احتفالات البحيرة بعيدها القومى    وزير الرياضة: قطاعا الصحة والرياضة ركيزتان لبناء الإنسان المصري    بعد سرقتها وصهرها وبيعها للصاغة.. 5 معلومات عن إسورة الملك أمنمؤوبي    ما حكم تبديل سلعة بسلعة؟.. أمين الفتوى يجيب    7 أخبار رياضية لاتفوتك اليوم    الرئيس الكازاخي لوفد أزهري: تجمعني علاقات ود وصداقة بالرئيس السيسي    تأجيل نظر تجديد حبس "علياء قمرون" بتهمة خدش الحياء العام ل 20 سبتمبر    رغم الحرب والحصار.. فلسطين تطلق رؤيتها نحو المستقبل 2050    ليس صلاح.. كيليان مبابي يتوقع الفائز بجائزة الكرة الذهبية    المقاولون العرب يكشف عن هوية المدرب المؤقت بعد رحيل محمد مكي    بكين: لن نسمح باستقلال تايوان والعالم بين السلام والحرب    هدى المفتي تخطف الأنظار بإطلالة مختلفة من كواليس إعلانها الجديد    «هربانة منهم».. نساء هذه الأبراج الأكثر جنونًا    الكابينة الفردي ب850 جنيهًا.. مواعيد وأسعار قطارات النوم اليوم الخميس    استمتع بصلواتك مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    الإمام الأكبر يكرِّم الطلاب الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18-9-2025 في بني سويف    هل تواجد امرأة في بلكونة المسجد وقت العذر الشرعي يُعتبر جلوسا داخله؟.. أمين الفتوى يوضح    جامعة أسيوط تجدد تعاونها مع الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني الأهلية في المجالات الأكاديمية والبحثية    البورصة المصرية تربح 15.5 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    الصحة: تقليص معدل الإنجاب وتحسين الخصائص السكانية في 7 محافظات    إصابة 4 أشخاص إثر انقلاب سيارة في الوادي الجديد    سرقتها أخصائية ترميم.. الداخلية تتمكن من ضبط مرتكبى واقعة سرقة أسورة ذهبية من المتحف المصرى    هل اقترب موعد زفافها؟.. إيناس الدغيدي وعريسها المنتظر يشعلان مواقع التواصل    يوفنتوس يتحرك لضم برناردو سيلفا من مان سيتي    300 مليون جنيه لاستكمال مشروع إحلال وتجديد مساكن المغتربين في نصر النوبة بأسوان    ملك إسبانيا في الأقصر.. ننشر جدول الزيارة الكامل    سرداب دشنا.. صور جديدة من مكان التنقيب عن الآثار داخل مكتب صحة بقنا    ديستيني كوسيسو خليفة ميسي ويامال يتألق فى أكاديمية لا ماسيا    التأمين الصحي الشامل: 495 جهة حاصلة على الاعتماد متعاقدة مع المنظومة حتى أغسطس 2025    «أنتي بليوشن» تعتزم إنشاء مشروع لمعالجة المخلفات البحرية بإستثمارات 150 مليون دولار    مورينيو يرحب بالعودة لتدريب بنفيكا بعد رحيل لاجي    جبران: تحرير 3676 محضرًا خاصًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 5 أيام فقط    مصر وروسيا تبحثان سبل التعاون بمجالات التعليم الطبي والسياحة العلاجية    الهلال الأحمر يدفع بأكثر من 80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين عبر قافلة «زاد العزة» ال 40    مفوضية اللاجئين ترحب بخارطة طريق لحل أزمة السويداء وتؤكد دعم النازحين    ملك إسبانيا: المتحف الكبير أيقونة مصر السياحية والثقافية الجديدة    وزير الخارجية يتوجه إلى السعودية لإجراء لقاءات مع كبار المسؤولين في المملكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسام تمام يرصد تداعيات سيطرة المحافطين علي مقاليد الحكم في الجماعة
»الإخوان الأرثوذكس« كثير من السلفية.. مزيد من الانعزال
نشر في آخر ساعة يوم 28 - 12 - 2010

الإخوان ومرشدهم تحولوا أبواقا للسلفية المتشددة لا صوت يعلو فوق صوت السلفية الشديدة في صفوف إخوان اليوم .. الهزة التنظيمية العنيفة التي أحدثها العبور الدامي للصقور ورموز التيارالقطبي المحافظ لسدة الحكم في الجماعة، وبالتحديد من فوق جثث إصلاحييها، كشفت عن ممارسات سلفية صارخة ذات وجه أرثوذكسي مفارق للمجتمع ومنعزل عن ثقافته، علي حد وصف حسام تمام، الباحث في شئون الحركات الإسلامية (الأرثوذكسية بالمعني الاصطلاحي تعني التزمت والانغلاق ورفض كل ابتكار أو تجديد).
تمام يرصد في دراسة تحليلية قيمة بعنوان "تسلف الإخوان" كيف تحولت الجذور السلفية الإخوانية من محاولات روحية لاستعادة الهوية الإسلامية ثم تشبث بمفاهيم الحاكمية في مواجهة الدولة والمجتمع، فالسعي للدفاع عن الأخلاق العامة، قبل أن تسقط الجماعة في براثن "آرثوذكسية سلفية" منغلقة ورافضة لأي تجديد أو ابتكار أو خروج عن مسلماتها، ما يهدد المشروع السياسي للإخوان من جهة بالانكسار، ومن جهة أخري ينذر بتصدع داخل التنظيم نفسه بعدما بدأت بعض الوجوه "المدنية" بالجماعة تفقد قدرتها علي التعايش في الجسم الإخواني المتراجع حضارياً..
هو بالفعل عام فارق في تاريخ الإخوان، وفي مستقبلهم أيضاً.. في 2010 لم تخسر الجماعة أكبر غطاء سياسي لها عبر الهزيمة الموجعة لكوادرها وأعضائها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة فحسب، لكنها سقطت أيضاً في بئر سحيق من السلفية والتشدد بدا واضحين، حسب حسام تمام، في المظهر والسلوك والفكر والمعتقد الإخواني..
الجنوح الإخواني الشديد نحو السلفية خلال العام المنقضي جاء، وكما يؤكد تمام، بالتزامن مع أكبر هزة تنظيمية شهدتها الجماعة في تاريخها تمثلت في انتخاباتها الداخلية التي جرت فصولها المثيرة نهاية 2009 وبداية 2010 وأسفرت عن استقالة مرشد الإخوان السابع، محمد مهدي عاكف، والقضاء علي رموز الإصلاحيين داخل الجماعة، إضافة لإحكام التنظيميين وأنصار الفكر المحافظ سيطرتهم علي مجلس الشوري ومكتب الإرشاد وقبل هذا وذاك القبض علي منصب المرشد العام وثلاثة من نوابه.
سلفية الإخوان الجدد لا تبدو إلا انعكاساً مباشراً لممارسات وأفكار عدد من قيادات الجماعة ومفتيها في الفترة الأخيرة والتي تمخض عنها آراء رجعية ومنفعلة وربما مستفزة وصادمة أيضاً بدءاً من برنامج حزب الإخوان المزعوم الذي ينتقص بوضوح من مواطنة الأقباط والمرأة، ويستلهم النمط الإيراني في الحكم عبر الترويج لضرورة وجود هيئة من كبار العلماء لتمرير القوانين والتشريعات، مروراً بمواقف الإخوان من قضايا كالديمقراطية والمشاركة الانتخابية والحجاب وحظر النقاب في المؤسسات التعليمية والموقف من الشيعة مثلاً، وصولاً لتركيز نواب الجماعة في البرلمان الماضي علي إقامة محاكم تفتيش للفنون والآداب.
وفي دراسته الصادرة حديثاً عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية ضمن العدد الأول من سلسلة "مراصد" تحت عنوان عريض هو"تسلف الإخوان.. تآكل الأطروحة الإخوانية وصعود السلفية في جماعة الإخوان المسلمين" يري حسام تمام (وهو بالمناسبة رئيس تحرير سلسلة مراصد أيضاً) أن جماعة الإخوان المسلمين من وجهة نظر المرشد المؤسس حسن البنا يفترض أنها تأسست بصفتها "دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية" من حيث كونها سلفية شاملة ومتعاطية مع كافة العناصرالاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمع .. بكلام آخر فقد عمد البنا إلي تأسيس حركة إخوانية جامعة "العسكريتارية" في التنظيم المحكم والسلفية كإطار عام أكبر..
إلا أن المواجهة الإخوانية الكبري مع النظام الناصري في بداية الخمسينيات قد أدت لانحصار الجماعة علي مستوي العمل العام والسياسي وأيضاً علي المستوي الفكري، حيث بدأ الصعود المؤثر لسيد قطب وبرز تنظيم 1965 الذي مثل تدشيناً فعلياً للتيار القطبي وما نتج عنه من تعاظم التشدد في النظرة إلي تطورات المجتمع وثقافته داخل صفوف الإخوان. وبالتالي فإن المكونات الفكرية التي كانت تتبع السلفية في حركة الإخوان أصبحت لاحقاً –وفق تمام- مزاجاً عقدياً وحالة اجتماعية نقلها الإخوان الذين فروا من الاعتقالات الناصرية الي دول الخليج. وعليه عرفت ظاهرة التسلف في الإخوان نتيجة هذه الهجرة الكثيفة موجتين: الموجة الهادئة التي امتدت خلال الخمسينات والستينات كانت موجة نخبوية شملت قيادات الإخوان الذين نجوا من الاعتقال وأنتجت رعيلاً من شيوخ الإخوان المتسلفين، كثيرون منهم استثمروا في الاقتصاد وتفاعلوا مع قطاع التعليم وعايشوا الوهابية اجتماعياً في السعودية. ويبدو أن المد السلفي الهادئ هذا امتد إلي الإخوان أنفسهم في داخل السجون الناصرية، إذا سجلت هذه الحقبة بداية دخول عددمن الأدبيات السلفية في مناهج الإخوان عبر المقررات التي كانت تدرس بين كوادر الإخوان في المعتقلات مثل "سبل السلام" والمغني" و"زاد المعاد" و"معارج القبول" وغيرها، ما يعني أن الروافد السلفية الواضحة قد دخلت المنهج الإخواني رسمياً بدءاً من نهاية الستينيات.
علي عكس ذلك كانت الموجة الثانية من ظاهرة التسلف الإخواني في السبعينات في أوج الفورة البترولية، وقد تمت عبر مستويين مهمين أيضاً، الأول عبر التسلف الذي حمله الكادر الإخواني ممن عادوا من السعودية أواخر السبعينات وحملوا معهم المزاج السلفي العقدي في المظهر والملبس والسلوك، بينما كان المستوي الثاني هو الأهم والأكثر تأثيراً لأنه حدث داخل مصر وعبر شباب الجامعات المصرية. وفي هذا الإطار ساهمت سياسة الباب المفتوح في عهد السادات بدءاً من السبعينيات في حالة من الانفتاح، وهكذا توفرت بنية من الفرص تسمح بولادة جديدة للحركة الإسلامية لكن بنفس سلفي واضح. كما كان المكون السلفي في البيئة المصرية حاضرًا وبقوة في هذا الشأن؛ فجماعة أنصار السنة كانت قريبة جدًّا من الفكرالسلفي الخارجي، وكان مؤسسها حامد الفقي أول من نقل رموز السلفية إلي مصر، وكان أغلب من حاضروا لطلبة الجماعات الإسلامية في الجامعات ينتمون لهذه الجماعة، ثم كانت المكتبة السلفية المهمة التي كان يملكها محب الدين الخطيب في القاهرة وشكلت مصدراً هاماً مد طلاب هذا الجيل بالأدبيات السلفية التي كانوا يتدارسونها، بل ويعيدون طبعها ونشرها بأثمان زهيدة جداً.
تمام يؤكد أيضاً أن الجسم الإخواني الممتد والمنهك بفعل الضربات الناصرية كان بحاجة إلي ضخ دماء جديدة، وكان شباب الجماعات الإسلامية يشكلون ضمانتها الفعلية، ومنذ لحظة التفاوض الأولي التي جرت لاستقطاب هؤلاء الطلاب داخل الإخوان جري التفاوض علي طبيعة السلفية الإخوانية، وعلي نحو ما نجح الإخوان في ضم القطاع الأكبر من هؤلاء، فكانت السلفية تثبت أقدامها وتملأ فراغ المنظومة الإخوانية. وهكذا حدث التلاقح الإخواني السلفي الأهم داخل مصر بحيث أثرت هذه المكونات السلفية في أفكار قادة هذه الجماعات وأعضائها ونقلها عدد كبير منهم ممن انضموا لاحقاً إلي جماعة الإخوان في تلك الفترة فتأثر فكر الإخوان بالفكرالسلفي كما لم يحدث من قبل. يأتي هذا فيما يمكن تأريخ حقبة الثمانينيات باعتبارها مرحلة كمون السلفية الإخوانية، فالدولة كانت مقبلة علي تغييرات متسارعة ومهمة والمصريون مشغولون بقضايا كثيرة كالصراع العربي الإسرائيلي ونتائج معاهدة كامب ديفيد لاحقاً والتظاهر ضدها والحرب في أفغانستان.. وغيرها، فلم تلق السلفية الإخوانية وغيرالإخوانية رواجاً في المزاج العام.
ووفق رؤية تمام وكما أشار في دراسته فإنه بقدر ما كان التأثير الإخواني في السلفية حركياً بقدر ما كان التأثير السلفي عند الإخوان إيدولوجيا. وقد أدي التمازج الحاصل في الاتجاه الأول الذي اتخذ صورة علمية في مدرسة الدعوة السلفية في الإسكندرية، إلي نشأة فرعين حركيين في السلفية: فكان الفرع القطبي الذي نتج عنه تيار جديد عرف بالسلفية الجهادية عبر فرع القيادي الإخواني الفلسطيني الشيخ عبد الله عزام، ثم تيار الصحويين عبر فرع القيادي الإخواني السوري محمد سرور زين العابدين الذي دمج بين فكر العمل العام الإخواني وبين سلفية المعتقد. علي أن التداخل الحادث في الاتجاه الثاني قد اتخذ طابعاً جهادياً عبر الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد، ما أنتج ما يسمي (جيل السلفيين الإخوانيين)، ورغم أنه كان عميقاً وممتداً وذا وتيرة متسارعة لكنها ظلت كامنة ضامرة تخضع لحركة مد وجزر فرضتها طبيعة السياق المصري في العقود التالية أولاً، ثم طبيعة هوية الإخوان أنفسهم ثانياً.
ويري الباحث أن تحولات المشهد السياسي في مصر في مرحلة التسعينيات كان لها الأثر البالغ علي حركة الإخوان المسلمين، فقد أدي ضرب الإخوان ومحاصرة وجودهم في النقابات والاتحادات الطلابية والجمعيات ومصادرة مؤسساتهم الاقتصادية إلي جانب عوامل أخري إلي تراجعها علي الساحة، لكن ذلك تزامن مع انفتاح المشهد الديني المصري علي أنماط جديدة وأخري كامنة شكلت السلفية أهمها. وحين زاد الطلب علي التدين والمعرفة الدينية بدا أن القاعدة الاجتماعية للجماعة الإخوانية وجمهورها المفترض صار يميل إلي المحافظة والاقتراب من الأطروحة السلفية تماشيا مع المزاج الديني للمجتمع آنذاك. الأمر الذي أدي لبروز شيوخ الإخوان السلفيين في كثير من الأحيان من جيل حديث لكنه جمع غالبا بين التكوين العلمي "المدني" وبين العلم الشرعي الذي حازوا عليه إما في مصر أوبعض دول الخليج، كما استفاد هؤلاء من أدوات نشر الدعوة السلفية نفسها، من فضائيات ومواقع إلكترونية، بحيث يجدون فيها احتفاء وترحيبا وانتشارا كبيرا. وعلي هذا النحو بدأ الإخوانيون "المتسلفون" بحضور بل وتقديم برامج حوارية وتثقيفية ودينية ارتبطت بهم علي القنوات ذات التوجه السلفي ويتفاعلون بل وينافسون نجومية دعاتها، وهكذا يظهر كيف أن أهم مصادر التثقيف والدعوة بين الإخوان أصبحت تأتي من رموز مزدوجة سلفية إخوانية؛ بحيث صار الدعاة والشيوخ المتسلفون أشبه بحلقة وصل بين الإخوان وبين السلفية.
مما لاشك فيه فإن عمليات الفرز الداخلي في الإخوان وظهور المكون السلفي في الجماعة كان له دور بالغ الأهمية في الإفصاح عن مكونات وتيارات داخل الجماعة بدأت تفقد قدرتها علي التعايش في الجسم الإخواني الممتد وإن لم تكن قد وصلت بعد لحالة الصراع، فيؤكد تمام إلي وجود تداخل بين التيار القطبي الذي مازال أسير مقولات العزلة الشعورية وبناء الجيل القرآني الفريد في تكوينه وتربيته بإزاء المجتمع الذي ينظر إليه باعتباره جاهليا أو فيه من الجاهلية، وبين الأفكار التنظيمية التي تولي أهمية بالغة للتماسك التنظيمي وتتحكم في عمليات الفرز والتصعيد، وكذا بين التوجهات السلفية الصاعدة التي تسير نحو مزيد من المحافظة. وقد ظهر تأثير هذا التداخل الثلاثي جليا في مراحل مفصلية مرت بها الجماعة في السنوات القليلة الماضية. فقد شكل برنامج الحزب الذي صاغه الإخوان عام 2007 علامة مهمة في علاقة الحركة بمكوناتها الداخلية، فضلاً عن كونه كان المحطة الأهم في ضرب التعايش الداخلي بين تياري الإصلاح والتنظيم في الجماعة. فقد طرح الإصلاحيون رؤية سياسية قوامها التحول إلي الحزبية والفصل بين الدعوي والسياسي في الحركة والانفتاح علي الخطابات الغربية الداعية إلي الإصلاح، إضافة إلي القبول بالمشاركة السياسية وما يستتبعها من حقوق المواطنة الكاملة بما فيها حقوق التصويت والترشيح للمرأة. لكن ذلك تم في ظل مناخ اتسم – حسب تمام – بالانسداد السياسي بحيث شكل لحظة حاسمة سمحت للتيار التنظيمي ببدء معركته لانتزاع كل مناطق النفوذ السابقة للتيار الإصلاحي، ثم نزع الشرعية عن هذا التيار ثم التدخل مباشرة بتغييرات حاسمة في البرنامج الحزبي، بإضافة المادتين الشهيرتين اللتين تمنعان المرأة والأقباط من الترشح للرئاسة وكذا فرض رقابة دينية علي أداة المجلس التشريعي.
كذلك فقد تحولت الانتخابات الداخلية في الإخوان لأداة للفرز التنظيمي أداة في النهاية للإطاحة بالإصلاحيين وبأفكارهم، ففي منتصف عام 2008 جرت الانتخابات التكميلية لمجلس شوري الإخوان، وقد انتهت بسيطرة واضحة لتيار يمسك بمفاصل التنظيم، وفي انتخابات ديسمبر 2009 كان التنظيميون قد أحكموا سيطرتهم علي مكتب الإرشاد فلم يبق فيه من أصوات إصلاحية سوي عصام العريان الذي جري احتواء توجهاته الإصلاحية عبر تصعيده للمكتب (بعد أن خرج أهم رموزها محمد حبيب وعبدالمنعم أبوالفتوح).. فيما انتهت عملية ترتيب البيت الإخواني بانتخاب محمد بديع مرشداً ثامناً للجماعة مطلع العام الجاري، وهو أيضاً ينتمي إلي التيار القطبي الذي لا يغلب سوي مزيد من الضبط والتشدد علي المستوي التنظيمي. الأمر الذي أدي لفيض من الاحتجاجات من تيار الإصلاحيين داخل الجماعة وقلق من النخب الفكرية والسياسية خارجها بسبب ما اعتبره كثيرون، حتي من الإخوان أنفسهم، "اختطاف" لجماعة الإخوان من قبل التيار القطبي الذي أحكم سيطرته التنظيمية علي قيادة الجماعة وتولي أبناؤه أهم مواقعها التنظيمية.
ويشير تمام إلي ظهور السلفيين الكامنين والسلفية الكامنة في تلك الفترة، وانتقال السلفية من الدعوة التوفيقية إلي ما يعرف بالأرثوذكسية الجديدة، مع تعاظم المكون السلفي وتمظهراته خاصة في مسألة الهدي الظاهر، فبدأت معارك جديدة متجددة حول مسائل النقاب واللحية والتشدد في الملبس بشكل عام، كما ظهرت الالتباسات السلفية لدي الإخوان في أزمات ملاحقة الكتب والأعمال الفنية ومسائل الرقابة. قبل أن يؤكد بقوله: "يعكس هذا تحولاً طال الأرثوذكسية الإخوانية التي انتقلت من استعادة الهوية الإسلامية في مواجهة الوافد في الثلاثينيات والأربعينيات نحو مفهوم الحاكمية في مواجهة الدولة والمجتمع في السبعينيات، قبل أن تتجه نحو التركيز علي فكرة الدفاع عن الأخلاق العامة من داخل مؤسسات النظام في التسعينيات ووصولاً إلي آرثوذكسية سلفية مفارقة للثقافة وللمجتمع علي نحو ما يحدث اليوم".
ويكمل: "لا يبدو أن السلفية الإخوانية "الجديدة" ستقف ضد المشاركة السياسية بالمعني العام، بقدر ما ستؤدي إلي تأثيرات سلبية ليس عبر تحويلها إلي وعظ فحسب، بل لأنها ستسبب إرباكاً في الفقه السياسي للجماعة بعد عقود من عمر تجربة تفاعلها مع الدولة والمجتمع بحيث ستكبح تقدم الجماعة في السنوات القادمة". لافتاً إلي أن النسخة السلفية الناتجة جاءت متأثرة بالسياق المصري الفكري والاجتماعي أكثر منه بالسلفية الخارجية، وكان تمدد المذهب السلفي في داخل المجتمع المصري وشباب الجامعات ومن ثم نحو الحركة الإسلامية برمتها لم يشكل انتقالاً كاملاً، بل تأثر بسياق مصري كان يمتاز بتعددية وانفتاح وحركة مجتمعية متسارعة.
ويختتم تمام رؤيته بأن التطورات التي تم تناولها تفترض أخيرًا أن الجماعة ستفقد كثيراً من مرونتها ومن قدرتها علي ضمان التنوع الداخلي في البيت الإخواني باتجاه مزيد من التنميط والمحافظة الذي ستتعاضد فيه المكونات التنظيمية والقطبية والسلفية. وسيكون لبرامج التكوين والتربية والتأطير الثقافي الدور الأكبر لتلعبه في المرحلة القادمة من عمر جماعة علي ما يبدو لم تعد كما أراد لها مؤسسها الشيخ حسن البنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.