«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسام تمام يرصد تداعيات سيطرة المحافطين علي مقاليد الحكم في الجماعة
»الإخوان الأرثوذكس« كثير من السلفية.. مزيد من الانعزال
نشر في آخر ساعة يوم 28 - 12 - 2010

الإخوان ومرشدهم تحولوا أبواقا للسلفية المتشددة لا صوت يعلو فوق صوت السلفية الشديدة في صفوف إخوان اليوم .. الهزة التنظيمية العنيفة التي أحدثها العبور الدامي للصقور ورموز التيارالقطبي المحافظ لسدة الحكم في الجماعة، وبالتحديد من فوق جثث إصلاحييها، كشفت عن ممارسات سلفية صارخة ذات وجه أرثوذكسي مفارق للمجتمع ومنعزل عن ثقافته، علي حد وصف حسام تمام، الباحث في شئون الحركات الإسلامية (الأرثوذكسية بالمعني الاصطلاحي تعني التزمت والانغلاق ورفض كل ابتكار أو تجديد).
تمام يرصد في دراسة تحليلية قيمة بعنوان "تسلف الإخوان" كيف تحولت الجذور السلفية الإخوانية من محاولات روحية لاستعادة الهوية الإسلامية ثم تشبث بمفاهيم الحاكمية في مواجهة الدولة والمجتمع، فالسعي للدفاع عن الأخلاق العامة، قبل أن تسقط الجماعة في براثن "آرثوذكسية سلفية" منغلقة ورافضة لأي تجديد أو ابتكار أو خروج عن مسلماتها، ما يهدد المشروع السياسي للإخوان من جهة بالانكسار، ومن جهة أخري ينذر بتصدع داخل التنظيم نفسه بعدما بدأت بعض الوجوه "المدنية" بالجماعة تفقد قدرتها علي التعايش في الجسم الإخواني المتراجع حضارياً..
هو بالفعل عام فارق في تاريخ الإخوان، وفي مستقبلهم أيضاً.. في 2010 لم تخسر الجماعة أكبر غطاء سياسي لها عبر الهزيمة الموجعة لكوادرها وأعضائها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة فحسب، لكنها سقطت أيضاً في بئر سحيق من السلفية والتشدد بدا واضحين، حسب حسام تمام، في المظهر والسلوك والفكر والمعتقد الإخواني..
الجنوح الإخواني الشديد نحو السلفية خلال العام المنقضي جاء، وكما يؤكد تمام، بالتزامن مع أكبر هزة تنظيمية شهدتها الجماعة في تاريخها تمثلت في انتخاباتها الداخلية التي جرت فصولها المثيرة نهاية 2009 وبداية 2010 وأسفرت عن استقالة مرشد الإخوان السابع، محمد مهدي عاكف، والقضاء علي رموز الإصلاحيين داخل الجماعة، إضافة لإحكام التنظيميين وأنصار الفكر المحافظ سيطرتهم علي مجلس الشوري ومكتب الإرشاد وقبل هذا وذاك القبض علي منصب المرشد العام وثلاثة من نوابه.
سلفية الإخوان الجدد لا تبدو إلا انعكاساً مباشراً لممارسات وأفكار عدد من قيادات الجماعة ومفتيها في الفترة الأخيرة والتي تمخض عنها آراء رجعية ومنفعلة وربما مستفزة وصادمة أيضاً بدءاً من برنامج حزب الإخوان المزعوم الذي ينتقص بوضوح من مواطنة الأقباط والمرأة، ويستلهم النمط الإيراني في الحكم عبر الترويج لضرورة وجود هيئة من كبار العلماء لتمرير القوانين والتشريعات، مروراً بمواقف الإخوان من قضايا كالديمقراطية والمشاركة الانتخابية والحجاب وحظر النقاب في المؤسسات التعليمية والموقف من الشيعة مثلاً، وصولاً لتركيز نواب الجماعة في البرلمان الماضي علي إقامة محاكم تفتيش للفنون والآداب.
وفي دراسته الصادرة حديثاً عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية ضمن العدد الأول من سلسلة "مراصد" تحت عنوان عريض هو"تسلف الإخوان.. تآكل الأطروحة الإخوانية وصعود السلفية في جماعة الإخوان المسلمين" يري حسام تمام (وهو بالمناسبة رئيس تحرير سلسلة مراصد أيضاً) أن جماعة الإخوان المسلمين من وجهة نظر المرشد المؤسس حسن البنا يفترض أنها تأسست بصفتها "دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية" من حيث كونها سلفية شاملة ومتعاطية مع كافة العناصرالاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمع .. بكلام آخر فقد عمد البنا إلي تأسيس حركة إخوانية جامعة "العسكريتارية" في التنظيم المحكم والسلفية كإطار عام أكبر..
إلا أن المواجهة الإخوانية الكبري مع النظام الناصري في بداية الخمسينيات قد أدت لانحصار الجماعة علي مستوي العمل العام والسياسي وأيضاً علي المستوي الفكري، حيث بدأ الصعود المؤثر لسيد قطب وبرز تنظيم 1965 الذي مثل تدشيناً فعلياً للتيار القطبي وما نتج عنه من تعاظم التشدد في النظرة إلي تطورات المجتمع وثقافته داخل صفوف الإخوان. وبالتالي فإن المكونات الفكرية التي كانت تتبع السلفية في حركة الإخوان أصبحت لاحقاً –وفق تمام- مزاجاً عقدياً وحالة اجتماعية نقلها الإخوان الذين فروا من الاعتقالات الناصرية الي دول الخليج. وعليه عرفت ظاهرة التسلف في الإخوان نتيجة هذه الهجرة الكثيفة موجتين: الموجة الهادئة التي امتدت خلال الخمسينات والستينات كانت موجة نخبوية شملت قيادات الإخوان الذين نجوا من الاعتقال وأنتجت رعيلاً من شيوخ الإخوان المتسلفين، كثيرون منهم استثمروا في الاقتصاد وتفاعلوا مع قطاع التعليم وعايشوا الوهابية اجتماعياً في السعودية. ويبدو أن المد السلفي الهادئ هذا امتد إلي الإخوان أنفسهم في داخل السجون الناصرية، إذا سجلت هذه الحقبة بداية دخول عددمن الأدبيات السلفية في مناهج الإخوان عبر المقررات التي كانت تدرس بين كوادر الإخوان في المعتقلات مثل "سبل السلام" والمغني" و"زاد المعاد" و"معارج القبول" وغيرها، ما يعني أن الروافد السلفية الواضحة قد دخلت المنهج الإخواني رسمياً بدءاً من نهاية الستينيات.
علي عكس ذلك كانت الموجة الثانية من ظاهرة التسلف الإخواني في السبعينات في أوج الفورة البترولية، وقد تمت عبر مستويين مهمين أيضاً، الأول عبر التسلف الذي حمله الكادر الإخواني ممن عادوا من السعودية أواخر السبعينات وحملوا معهم المزاج السلفي العقدي في المظهر والملبس والسلوك، بينما كان المستوي الثاني هو الأهم والأكثر تأثيراً لأنه حدث داخل مصر وعبر شباب الجامعات المصرية. وفي هذا الإطار ساهمت سياسة الباب المفتوح في عهد السادات بدءاً من السبعينيات في حالة من الانفتاح، وهكذا توفرت بنية من الفرص تسمح بولادة جديدة للحركة الإسلامية لكن بنفس سلفي واضح. كما كان المكون السلفي في البيئة المصرية حاضرًا وبقوة في هذا الشأن؛ فجماعة أنصار السنة كانت قريبة جدًّا من الفكرالسلفي الخارجي، وكان مؤسسها حامد الفقي أول من نقل رموز السلفية إلي مصر، وكان أغلب من حاضروا لطلبة الجماعات الإسلامية في الجامعات ينتمون لهذه الجماعة، ثم كانت المكتبة السلفية المهمة التي كان يملكها محب الدين الخطيب في القاهرة وشكلت مصدراً هاماً مد طلاب هذا الجيل بالأدبيات السلفية التي كانوا يتدارسونها، بل ويعيدون طبعها ونشرها بأثمان زهيدة جداً.
تمام يؤكد أيضاً أن الجسم الإخواني الممتد والمنهك بفعل الضربات الناصرية كان بحاجة إلي ضخ دماء جديدة، وكان شباب الجماعات الإسلامية يشكلون ضمانتها الفعلية، ومنذ لحظة التفاوض الأولي التي جرت لاستقطاب هؤلاء الطلاب داخل الإخوان جري التفاوض علي طبيعة السلفية الإخوانية، وعلي نحو ما نجح الإخوان في ضم القطاع الأكبر من هؤلاء، فكانت السلفية تثبت أقدامها وتملأ فراغ المنظومة الإخوانية. وهكذا حدث التلاقح الإخواني السلفي الأهم داخل مصر بحيث أثرت هذه المكونات السلفية في أفكار قادة هذه الجماعات وأعضائها ونقلها عدد كبير منهم ممن انضموا لاحقاً إلي جماعة الإخوان في تلك الفترة فتأثر فكر الإخوان بالفكرالسلفي كما لم يحدث من قبل. يأتي هذا فيما يمكن تأريخ حقبة الثمانينيات باعتبارها مرحلة كمون السلفية الإخوانية، فالدولة كانت مقبلة علي تغييرات متسارعة ومهمة والمصريون مشغولون بقضايا كثيرة كالصراع العربي الإسرائيلي ونتائج معاهدة كامب ديفيد لاحقاً والتظاهر ضدها والحرب في أفغانستان.. وغيرها، فلم تلق السلفية الإخوانية وغيرالإخوانية رواجاً في المزاج العام.
ووفق رؤية تمام وكما أشار في دراسته فإنه بقدر ما كان التأثير الإخواني في السلفية حركياً بقدر ما كان التأثير السلفي عند الإخوان إيدولوجيا. وقد أدي التمازج الحاصل في الاتجاه الأول الذي اتخذ صورة علمية في مدرسة الدعوة السلفية في الإسكندرية، إلي نشأة فرعين حركيين في السلفية: فكان الفرع القطبي الذي نتج عنه تيار جديد عرف بالسلفية الجهادية عبر فرع القيادي الإخواني الفلسطيني الشيخ عبد الله عزام، ثم تيار الصحويين عبر فرع القيادي الإخواني السوري محمد سرور زين العابدين الذي دمج بين فكر العمل العام الإخواني وبين سلفية المعتقد. علي أن التداخل الحادث في الاتجاه الثاني قد اتخذ طابعاً جهادياً عبر الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد، ما أنتج ما يسمي (جيل السلفيين الإخوانيين)، ورغم أنه كان عميقاً وممتداً وذا وتيرة متسارعة لكنها ظلت كامنة ضامرة تخضع لحركة مد وجزر فرضتها طبيعة السياق المصري في العقود التالية أولاً، ثم طبيعة هوية الإخوان أنفسهم ثانياً.
ويري الباحث أن تحولات المشهد السياسي في مصر في مرحلة التسعينيات كان لها الأثر البالغ علي حركة الإخوان المسلمين، فقد أدي ضرب الإخوان ومحاصرة وجودهم في النقابات والاتحادات الطلابية والجمعيات ومصادرة مؤسساتهم الاقتصادية إلي جانب عوامل أخري إلي تراجعها علي الساحة، لكن ذلك تزامن مع انفتاح المشهد الديني المصري علي أنماط جديدة وأخري كامنة شكلت السلفية أهمها. وحين زاد الطلب علي التدين والمعرفة الدينية بدا أن القاعدة الاجتماعية للجماعة الإخوانية وجمهورها المفترض صار يميل إلي المحافظة والاقتراب من الأطروحة السلفية تماشيا مع المزاج الديني للمجتمع آنذاك. الأمر الذي أدي لبروز شيوخ الإخوان السلفيين في كثير من الأحيان من جيل حديث لكنه جمع غالبا بين التكوين العلمي "المدني" وبين العلم الشرعي الذي حازوا عليه إما في مصر أوبعض دول الخليج، كما استفاد هؤلاء من أدوات نشر الدعوة السلفية نفسها، من فضائيات ومواقع إلكترونية، بحيث يجدون فيها احتفاء وترحيبا وانتشارا كبيرا. وعلي هذا النحو بدأ الإخوانيون "المتسلفون" بحضور بل وتقديم برامج حوارية وتثقيفية ودينية ارتبطت بهم علي القنوات ذات التوجه السلفي ويتفاعلون بل وينافسون نجومية دعاتها، وهكذا يظهر كيف أن أهم مصادر التثقيف والدعوة بين الإخوان أصبحت تأتي من رموز مزدوجة سلفية إخوانية؛ بحيث صار الدعاة والشيوخ المتسلفون أشبه بحلقة وصل بين الإخوان وبين السلفية.
مما لاشك فيه فإن عمليات الفرز الداخلي في الإخوان وظهور المكون السلفي في الجماعة كان له دور بالغ الأهمية في الإفصاح عن مكونات وتيارات داخل الجماعة بدأت تفقد قدرتها علي التعايش في الجسم الإخواني الممتد وإن لم تكن قد وصلت بعد لحالة الصراع، فيؤكد تمام إلي وجود تداخل بين التيار القطبي الذي مازال أسير مقولات العزلة الشعورية وبناء الجيل القرآني الفريد في تكوينه وتربيته بإزاء المجتمع الذي ينظر إليه باعتباره جاهليا أو فيه من الجاهلية، وبين الأفكار التنظيمية التي تولي أهمية بالغة للتماسك التنظيمي وتتحكم في عمليات الفرز والتصعيد، وكذا بين التوجهات السلفية الصاعدة التي تسير نحو مزيد من المحافظة. وقد ظهر تأثير هذا التداخل الثلاثي جليا في مراحل مفصلية مرت بها الجماعة في السنوات القليلة الماضية. فقد شكل برنامج الحزب الذي صاغه الإخوان عام 2007 علامة مهمة في علاقة الحركة بمكوناتها الداخلية، فضلاً عن كونه كان المحطة الأهم في ضرب التعايش الداخلي بين تياري الإصلاح والتنظيم في الجماعة. فقد طرح الإصلاحيون رؤية سياسية قوامها التحول إلي الحزبية والفصل بين الدعوي والسياسي في الحركة والانفتاح علي الخطابات الغربية الداعية إلي الإصلاح، إضافة إلي القبول بالمشاركة السياسية وما يستتبعها من حقوق المواطنة الكاملة بما فيها حقوق التصويت والترشيح للمرأة. لكن ذلك تم في ظل مناخ اتسم – حسب تمام – بالانسداد السياسي بحيث شكل لحظة حاسمة سمحت للتيار التنظيمي ببدء معركته لانتزاع كل مناطق النفوذ السابقة للتيار الإصلاحي، ثم نزع الشرعية عن هذا التيار ثم التدخل مباشرة بتغييرات حاسمة في البرنامج الحزبي، بإضافة المادتين الشهيرتين اللتين تمنعان المرأة والأقباط من الترشح للرئاسة وكذا فرض رقابة دينية علي أداة المجلس التشريعي.
كذلك فقد تحولت الانتخابات الداخلية في الإخوان لأداة للفرز التنظيمي أداة في النهاية للإطاحة بالإصلاحيين وبأفكارهم، ففي منتصف عام 2008 جرت الانتخابات التكميلية لمجلس شوري الإخوان، وقد انتهت بسيطرة واضحة لتيار يمسك بمفاصل التنظيم، وفي انتخابات ديسمبر 2009 كان التنظيميون قد أحكموا سيطرتهم علي مكتب الإرشاد فلم يبق فيه من أصوات إصلاحية سوي عصام العريان الذي جري احتواء توجهاته الإصلاحية عبر تصعيده للمكتب (بعد أن خرج أهم رموزها محمد حبيب وعبدالمنعم أبوالفتوح).. فيما انتهت عملية ترتيب البيت الإخواني بانتخاب محمد بديع مرشداً ثامناً للجماعة مطلع العام الجاري، وهو أيضاً ينتمي إلي التيار القطبي الذي لا يغلب سوي مزيد من الضبط والتشدد علي المستوي التنظيمي. الأمر الذي أدي لفيض من الاحتجاجات من تيار الإصلاحيين داخل الجماعة وقلق من النخب الفكرية والسياسية خارجها بسبب ما اعتبره كثيرون، حتي من الإخوان أنفسهم، "اختطاف" لجماعة الإخوان من قبل التيار القطبي الذي أحكم سيطرته التنظيمية علي قيادة الجماعة وتولي أبناؤه أهم مواقعها التنظيمية.
ويشير تمام إلي ظهور السلفيين الكامنين والسلفية الكامنة في تلك الفترة، وانتقال السلفية من الدعوة التوفيقية إلي ما يعرف بالأرثوذكسية الجديدة، مع تعاظم المكون السلفي وتمظهراته خاصة في مسألة الهدي الظاهر، فبدأت معارك جديدة متجددة حول مسائل النقاب واللحية والتشدد في الملبس بشكل عام، كما ظهرت الالتباسات السلفية لدي الإخوان في أزمات ملاحقة الكتب والأعمال الفنية ومسائل الرقابة. قبل أن يؤكد بقوله: "يعكس هذا تحولاً طال الأرثوذكسية الإخوانية التي انتقلت من استعادة الهوية الإسلامية في مواجهة الوافد في الثلاثينيات والأربعينيات نحو مفهوم الحاكمية في مواجهة الدولة والمجتمع في السبعينيات، قبل أن تتجه نحو التركيز علي فكرة الدفاع عن الأخلاق العامة من داخل مؤسسات النظام في التسعينيات ووصولاً إلي آرثوذكسية سلفية مفارقة للثقافة وللمجتمع علي نحو ما يحدث اليوم".
ويكمل: "لا يبدو أن السلفية الإخوانية "الجديدة" ستقف ضد المشاركة السياسية بالمعني العام، بقدر ما ستؤدي إلي تأثيرات سلبية ليس عبر تحويلها إلي وعظ فحسب، بل لأنها ستسبب إرباكاً في الفقه السياسي للجماعة بعد عقود من عمر تجربة تفاعلها مع الدولة والمجتمع بحيث ستكبح تقدم الجماعة في السنوات القادمة". لافتاً إلي أن النسخة السلفية الناتجة جاءت متأثرة بالسياق المصري الفكري والاجتماعي أكثر منه بالسلفية الخارجية، وكان تمدد المذهب السلفي في داخل المجتمع المصري وشباب الجامعات ومن ثم نحو الحركة الإسلامية برمتها لم يشكل انتقالاً كاملاً، بل تأثر بسياق مصري كان يمتاز بتعددية وانفتاح وحركة مجتمعية متسارعة.
ويختتم تمام رؤيته بأن التطورات التي تم تناولها تفترض أخيرًا أن الجماعة ستفقد كثيراً من مرونتها ومن قدرتها علي ضمان التنوع الداخلي في البيت الإخواني باتجاه مزيد من التنميط والمحافظة الذي ستتعاضد فيه المكونات التنظيمية والقطبية والسلفية. وسيكون لبرامج التكوين والتربية والتأطير الثقافي الدور الأكبر لتلعبه في المرحلة القادمة من عمر جماعة علي ما يبدو لم تعد كما أراد لها مؤسسها الشيخ حسن البنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.