عادة الثأر واحدة من أبرز الجرائم وأكثرها خطورة، إذا ما تفشت في مجتمع دخل في دوامة صراع لا تنتهي إلا بترميل النساء ويتم الأبناء والقضاء على الروابط الإنسانية، وتصبح لغة الدم هي الوسيلة الوحيدة في التعامل؛ ليكون الهلاك المصير المرتقب. الثأر قضية وعادة قديمة وموروثة ومسلسل لا ينتهي في الصعيد، راح ضحيته أبرياء لا ذنب لهم إلا وجودهم في مجتمع ما زالت تحكمه شريعة الغابة وفي دائرة الدم والقتل أنين وصرخات وديار خاوية وعائلات مهجرة ومهاجرة، بجانب العار والمعايرة التي تظل ملازمة لطرف القتيل طيلة حياته حتى القصاص من خصمه. "الثأر ولا العار، يا سلاحي خليك صاحي وإن شفته صحيني، القبر أضيق من الزنزانة".. عقيدة عائلات الصعيد عند وقوع قتيل، حيث يظلون أعوامًا طويلة يتربصون بالقاتل أو أي من أقاربه؛ لتعود رياح الدم والحزن. يتبع أهل القتيل عادات نابعة من شعورهم بالذل والعار، تجعلهم يهجرون بيوتهم ويقص الرجال شواربهم، ويخلعون عنهم عماماتهم، ويزفون أبناءهم في عرس صامت، ولا يخلعون رداءهم الأسود، وسط تخوفهم من معايرة الناس لهم والتي تحدث جراء أي خلاف يقع بينهم وبين عائلة أو قبيلة أخرى، كما لا يتقبل غالبًا أهالي القتيل العزاء في قتيلهم إلا بعد الثأر من قاتله، وهو ما أكده محكمو الجلسات العرفية وأطراف الخصومات الثأرية، ومنهم الحاج محمود صالح من مركز سمالوط. وبين قتيل هنا وآخر هناك يستمر مسلسل الدم، ويتجدد عويل وأغنيات "العدودة" أو "الندابة" – السيدة التي تلقي بالشعر والرثاء في المتوفى – تردد "فينك يا وعد يا مقدر؟ دي خزانة وبابها مصدر.. العركة عيلة.. والقتيل بيت". وتعتبر جلسات الصلح العرفية الصورة أو اللقطة الأخيرة بعد شوط طويل يقطعه المحكمون وأجهزة الأمن وكبار العائلات مع أطراف الخصومة، ويتم الاتفاق فيما بينهم على الأحكام العرفية والجزاءات وقدر الدية (الفدية) قبل إعلانها في سرادق الصلح، وغالبًا ما يكون تقديم الكفن شرط الجزاء الأول لأهالي القاتل، ويقام الصلح في منزل محايد يكون غالبًا باستضافة شيخ القرية أو شيخ قبيلة ليست طرفًا في الخصومة، وهو ما أكده الحاج أشرف محمد شيخ قبيلة الجوازي بالمنيا. وكانت جلسة الصلح الأخيرة بالمنيا السبت الماضي من أقصر الطرق أمام المحكمين للوصول إلى الصلح في وقت قصير؛ وذلك لكون أطراف الخصومة أبناء عمومة ومن عائلة واحدة، وهي عائلة "أبو المجد"، وفي أقل من 7 أشهر تم التصالح بين طرفي الخصومة داخل منزل وحيد عامر نجل شقيق المشير عبد الحكيم عامر بمركز سمالوط، حيث قتل شاب في مشاجرة بينه وأبناء عمومته. وكثيرًا ما تعود أطراف الخصومة للنزاع بعد الجلسات العرفية، وهو ما سجلته محاضر للشرطة، منها المحضر رقم "2379″ مركز مطاي، حيث تجددت خصومة مضى عليها 16 عامًا، ورغم أن الجاني قضى عقوبة 7 سنوات سجن وتم عقد جلسة صلح، إلا أن أهالي المجني عليه أخذوا بالثأر منه دون مراعاة سنه البالغ 70 عامًا، كما سجل المحضر "5175″ إداري مركز ملوي عودة الثأر بين عائلتي "الشعاشعة" و"العوايزة" بعد 8 سنوات، فبعد مقتل شخصين لعائلة الشعاشعة قتل ثلاثة أشخاص لعائلة العوايزة، لترتفع حصيلة الدم بينهما إلى مقتل 5 أشخاص في أسبوع. وقال مصدر أمني بقسم شرطة سمالوط إن انتشار الأسلحة بين العائلات والقبائل سهل مهمة أهالي المجني عليهم في الأخذ بالثأر، خاصة وأن هناك قبائل كثيرة لها جذور وأطراف في ليبيا ويقطنون بالقرب من الحدود الليبية، وبالتالي يهربون الأسلحة، وأحيانًا يدسونها في الرمال، ويحفرون الحفائر داخل منازلهم.