لم يعد لعرق الكادحين ثمن ولا دية في دولة أصبح شاغلها الشاغل محاباة رجال الأعمال وأباطرة الأراضي الذين حصلوا على آلاف الأفدنة بغرض استصلاحها، إلا أنهم حولوا هذه المساحات الشاسعة التي حصلوا عليها بأبخس الأسعار إلى كتل خرسانية ومنتجعات لا يقدر على شرائها سوى أثرياء القوم، وعندما أزكمت الأنوف برائحة الفساد لم تجد الدولة أمامها سوى مطالبة هؤلاء الأباطرة بفروق أسعار تغيير النشاط، والتي سيتحملها بشكل أو بأخر من قاموا بشراء هذه الوحدات السكنية. شنت الدولة حملة لسحب الأراضي المستصلحة بنظام وضع اليد ممن قاموا بزراعتها إرضاء لعلية القوم، وبدأت بأراضي طريق مصر الإسماعيلية والبالغ مساحتها خمسة آلاف فدان والتي أدعت هيئة التعمير بان القائمين على زراعة هذه الأراضي ليست لهم حق لأنهم اشتروها من غير ذي صفه، وانتهت بإنذار أكثر من 500 عائلة بحوض ملاحة منسية في مدينة بلطيم بمحافظة كفر الشيخ بإزالة زراعات تمتد على مساحة تصل إلى 417 فدان، بحجة أنه صدر قرار بتحويل تلك المساحة من أراضي إلى منطقة صناعية. فيما قال الدكتور نادر نور الدين، الخبير الزراعي، «يبدوا أن زمن رجال الأعمال وزمن «أمين أباظة، وزير زراعة ما قبل ثورة يناير»، قد عاد من جديد على حساب الفقراء وتفجير غضبهم، فالأراضي التي يتم سحبها مستصلحة منذ عقود وأصحابها يمتلكون وضع يدا مستقرا أمام سمع وبصر أجهزة الدولة وليست مغتصبة أو معتد عليها ويسددون إيجارها في المواعيد، ولكن علية القوم لا تريد العيش إلا على امتصاص دماء الفقراء، وعلى الدولة أن تحمي مستصلحيها وتعلن أن الأرض لمن يستصلحها ولمن يزرعها ولا تحاول نزعها منهم». وأكد نور الدين، ل«البديل» الخميس، أن الأرض لمن يستصلحها وذلك طبقا لقانون الزراعة بالإضافة إلى القانون المدني الذي يقر ويعترف بوضع اليد المستقر على الأراضي طالما لم ينازعه فيه أحد على مدار العشر سنوات الماضية، بالإضافة إلى أن العرف له قوة القانون، فقد قاموا بالاستصلاح وصرف الأسمدة وباقي مستلزمات الإنتاج بعلم الدولة والزراعة، وبالتالي أصبحت الملكية مستقرة. وأوضح الخبير الزراعي، أن القوانين المصرية تحذر نزع ملكية الأراضي لبناء مجمعات صناعية أو مولات تجارية عليها إلا بقرار جمهوري وبسبب لا يمكن تجنبه، متابعا: «بالفعل لا نعتقد أن بناء مثل هذه المنشآت يستحق أن نقوم بتدمير مصدر دائم للإيفاء بالاحتياجات الغذائية. ومن جانبه قال فريد واصل، نقيب الفلاحين والمنتجين الزراعيين، إن الدولة تحارب صغار المزارعين معتقدين أن كبار المستثمرين هم من سيقوموا بحركة التنمية الزراعية، في حين أن تجربة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في توزيع الأراضي على صغار الفلاحين نجحت نجاح باهر لدرجة انه تباهى بها أمام العالم كله. وتابع «واصل» انه طبقا لقانون استصلاح الأراضي الجديد ووضع اليد رقم 143 لسنة 1981، والذي ينص على أن الأرض لمن أستصلحها، فإن كل ما تفعله الدولة في الآونة الأخيرة ضد واضعي اليد قبل عام 2006 يعد مخالفا للدستور المصري، ملفتا إلى أن الوضع الراهن أصبح شائكا لعدم وجود سياسة محددة توضح خريطة الأراضي المستصلحة حتى عام 2030، وبناء عليه سيكون هناك بيانات واضحة عن عدد العائلات التي سيتم نقلها من الوادي القديم إلى الوادي الجديد، مطالبا كل واضعي اليد والذين من حقهم تقنين أوضاعهم طبقا للقانون ألا يتنازلوا عن ذلك لان الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد في الوقت الحالي لم يدع بديلا لتحصيل أموال حتى لو على حساب الكادحين.