65% من احتياطيات النقد الأجنبي.. و80% من تبادل العملات.. و50% من صادرات العالم تدفع بالعملة الأمريكية تواصل أمريكا تصدير الأزمات المالية للعالم من خلال ربط التجارة العالمية بالدولار، مما دفع العديد من الدول ذات النمو الاقتصادي القوي مثل الصين، للتشديد على استخدام عملة اليوان فى التعاملات التجارية بدلًا من الدولار، وأيدتها كل من روسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، خاصة وأن منطقة اليورو تعاني حاليًا أزمة انخفاض قيمة العملة، وفى إطار الخروج العالمي من سطوة الدولار بعدما تجلى للعالم بوضوح أن الأزمات الاقتصادية مصدرها الأساسي أمريكا، أجمع الخبراء على أن العالم العربي مدان بربط النفط بالدولار، وعليه أن يوفر عملة موحدة، أو يختار عملة جديدة للتبادل التجاري، وتشكيل تحالفات اقتصادية كبرى، من شأنها ضبط استقرار الاقتصاد العالمي. د. عبد المطلب عبد الحميد، أستاذ الاقتصاد بجامعه السادات،يقول:يعد الارتباط بين النفط والدولار من المسلمات في الاقتصاد العالمي، وساعد ما يعرف بالبترودولار والعائدات المتحققة من أسعار النفط العالية الولاياتالمتحدة على التعاطي مع حالات العجز التجارية الكبيرة التي أصابت اقتصادها، وأسواق النفط تعد من أهم المحركات الأساسية في الأداء الاقتصادي الأمريكي خلال السنوات الأخيرة، فغالبية الدول المستوردة للنفط تحتاج إلى الدولار لسداد قيمة مشترياتها من الوقود، كما أن مصدري النفط بالمقابل يحتفظون باحتياطاتهم النقدية بالدولار ثم يقومون بإعادة استثمارها في الاقتصاد الأمريكي، وتأثير الدولار على أسعار النفط من خلال الدول الخليجية المعتمدة على النفط كمصدر رئيسي لناتجها المحلي، حيث يشكل النفط ومنتجاته نسبة تتراوح بين 70 و90% من دخل الصادرات والإيرادات الحكومية. وأكمل عبد الحميد: في الوقت نفسه نجد معظم عملات دول الخليج ترتبط بالدولار بشكل رئيسي، الأمر الذي يعرضها للضغوط، ولا شك أن إيراداتها الناتجة عن بيع النفط في الأسواق العالمية ستتراجع نتيجة تراجع الدولار أمام العملات الأجنبية الأخرى، وخاصة إذا كان تصدير النفط يتم لأسواق غير أمريكية، ويؤدي ذلك إلى تراجع في حجم استثمارات الدول النفطية بشكل كبير، مما يعني انخفاض فرص النمو في المستقبل. وأضاف: آثار الأزمة المالية ممتدة إلى باقي الدول العربيةلأن للدولار أهمية كبيرة في التجارة العالمية، إذ يمثل عملة أكبر اقتصادات العالم وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتربط العديد من الدول عملاتها بالدولار أو بسلة عملات دول صناعية يمثل الدولار فيها وزنا نسبيا كبيرا، والدور المحوري للدولار في الاقتصاد العالمي عزز من مكانته كعملة يساهم الارتباط بها في الحد من الضغوط التضخمية. وتقول د.إجلال رأفت، أستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعه القاهره: يقوم الدولار الأمريكي بدور عملة الاحتياطي العالمي، وتحتفظ البنوك المركزية في معظم دول العالم باحتياطيات كبيرة من الدولارات الأمريكية لتلبية احتياجاتها من السلع والخدمات المستوردة، وبذلك يستولي الدولار على ثلثي احتياطيات النقد الأجنبي في العالم و80% من مبادلات سعر الصرف الأجنبي، ونجد أن أكثر من 50% من صادرات العالم يتم دفع قيمتها بالدولار بما فيها البترول، إذ تسعر كافة دول منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) نفطها بالدولار، وفي الجملة يصل حجم التداول بالدولار حول العالم حوالي ثلاثة تريليونات دولار، وبهذا ينعكس أي تذبذب واضطراب في أسعاره على أسعار هذه السلع والخدمات، كما يؤثر على تقييم العملات الأخرى مقابل الدولار. وأضافت رأفت، إن الدولار كغيره من العملات الأجنبية الرئيسية مثل الين أو اليورو مدعوم باقتصادات قوية ذات إنتاجية عالية، وسيطرة على التجارة العالمية، ونفاذ إلى الأسواق الخارجية، وقدرة على زيادة الصادرات، ولاقتصاديات تلك الدول أيضا شراكات تجارية في تكتلات اقتصادية كبيرة. وفي نفس السياق قالت رأفت: يتضح لنا أن الدور المحوري للدولار الأمريكي في الاقتصاد العالمي من خلال السجل الممتد تاريخيا لانضباط السلطات النقدية في الولاياتالمتحدة في مكافحة التضخم، قد عزز من مكانة الدولار كعملة يساهم الارتباط بها في الحد من الضغوط التضخمية المستوردة،وأن قيمة عملة أي بلد تحددها بإيجاز جملة عوامل هي: المستوى العام للأسعار، والاحتياطي النقدي، وسعر الصرف، ووضع البلد الاقتصادي والمالي، وبناء على ذلك نستطيع القول إن عملة ما تكون أقوى من عملة أخرى حين تستطيع العملة القوية شراء وحدات أكثر من العملة الأخرى، وهو ما يعرف في التعبير الاقتصادي بالقوة الشرائية. ومن جانبه يرى د.رضا العدل، أستاذ الاقتصاد بجامعه عين شمس، أن تأثيرات الدولار المنخفض أو الضعيف تمتد إلى اقتصاديات أخرى، فعلى سبيل المثال أوروبا واليابان حيث يعتمد النمو الاقتصادي فيهما كليا على الطلب الخارجينجد أن ارتفاع الين، تقليديا يرفع سعر البضائع اليابانية دوليا، ومن شأن الارتفاع الإضرار باليابان فتصبح صادراتها أعلى سعرا وأقل قدرة على المنافسة، وأن الين الضعيف هو أفضل وسيلة لتجنب حالة الركود الاقتصادي، وأن اتساع استخدام اليورو له فوائد عديدة للدول التي تتعامل به خاصة دول منطقة اليورو، منها تقليص تكاليف تبادل العملات الوطنية، وتجنب مخاطر أسعار الصرف، والاستفادة من اقتصاد الحجم بسبب اتساع السوق، ومنع الصدمات الناجمة عن المضاربات في العملات. وتابع العدل: يمتد تأثير اليورو إلى الاقتصاد العالمي من خلال دوره في زيادة السيولة النقدية الدولية مما يجعل كلفة الاقتراض به منخفضة، ويؤدي إلى زيادة فرص الاستثمار والنمو الاقتصادي، ويعزز الثقة باليورو كعملة دولية مستقرة والمنافسة للدولار الأميركي، وربما مهددة للميزة التي انفردت بها الولاياتالمتحدة واحتكرتها لسنوات طويلة، وهي كونها المصرف لجميع دول العالم باعتبار أن الدولار هو عملة الاحتياطات الدولية الرئيسية، الأمر الذي سيفضي إلى انخفاض الطلب على الدولار مما قد يجعل الولاياتالمتحدة غير قادرة على تغطية العجز في ميزان مدفوعاتها بالإصدار النقدي فتضطر إلى المزيد من المديونية. وأضاف العدل، هناك عدد من الدول في العالم تربط عملاتها الوطنية بالدولار عوضا عن تثبيت عملاتها على سلة من العملات الأجنبية، وهذا الإجراء تعتمده عادة المصارف المركزية لتثبيت سعر صرف العملة الوطنية، ولكن أي هبوط حاد للدولار أو انخفاض كبير في قيمته مقابل العملات الأجنبية الأخرى يترتب عليه انحدار مماثل في سعر العملات المرتبطة بالدولار، وستكون السلع غير الأمريكية غالية السعر مما ينعكس على ارتفاع أسعار السلع المستوردة بالنسبة لتلك الدول. ولفت العدل، إلى تأثير الدولار على الذهب، حيث يرتبط سعر الذهب عكسيا بحالة الدولار من ناحية القوة والضعف، باعتبار أن الدولار هو العملة الاحتياطية الأولى في العالم، فيؤدي انخفاض الدولار إلى تحقيق فوائد للذهب على صعيدين، أولهما أن سعر الذهب سيزيد عند انخفاض سعر الدولار؛ لأن تسعير الذهب يتم بالدولار، وعندما تهبط قيمة الدولار فإن الاستثمارات الأجنبية في الأسهم الأمريكية ستهبط، مما يؤثر سلبا على الأسواق المالية ويعزز بصورة غير مباشرة من الطلب على الذهب للأغراض الاستثمارية بارتفاع أسعاره، وثانيهما أن انخفاض قيمة الدولار الأمريكي يجلي لنا بوضوح المشاكل الرئيسية التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي وأهمها العجز في الميزان التجاري والتضخم، وهما مشكلتان لهما تأثير بالغ على النمو الاقتصادي العالمي، وما لم تتفق دول العالم على نظام اقتصادي تتوفر فيه العدالة والمساواة ويراعي مصالح كافة الدول، فإن الولاياتالمتحدة ستواصل سيطرتها على ثروات ومقدرات الدول الأخرى عبر الدولار ووسائل أخرى، وهو ما ينذر بشر مستطير.