منذ منتصف العام الجاري ومع وصول تنظيم داعش الإرهابي إلى العراق، بدأ مسلسل طويل من عمليات القتل والتهجير والاغتصاب نفذه ذلك التنظيم المتطرف ضد العديد من الطوائف والأقليات العراقية، حيث طالت هذه الاعتداءات كافة مكونات النسيج الشعبي العراقي دون تمييز بين انتماءات دينية أو مكونات عرقية، بل كان في الغالب يتضح ارتباط الاعتداء على طوائف عراقية بعينها بتوقيت زمني وأحداث متشابكة، الأمر الذي أكد أن هذا التنظيم المتطرف لا يسعى كما يدعي لإقامة دولة الخلافة الإسلامية، بل هو مجرد حلقة في المشروع الصهيوأمريكي لتقسيم منطقة الشرق الأوسط لعدة دويلات متناحرة. التكاتف هو الصمود مع الأيام الأولى القليلة لتنفيذ تنظيم داعش عملياته الإرهابية ضد الأقليات العرقية أمثال الإيزيديين وتهجير المسيحيين من مدينة الموصل العراقية، أيقن الجميع أنه لابد من التكاتف بين أبناء الشعب العراقي لمواجهة هذا الخطر الداهم الذي يهدد سلامة مكونات الشعب العراقي، ومن هنا برزت فكرة مساندة قوات الدعم الشعبي لقوات الأمن العراقية من أجل خوض معركة التحرير وإسقاط المشروع التكفيري بالمنطقة، حتى لا يتمدد بعد سورياوالعراق في الدول الأخرى. جرائم داعش تطال الجميع المقاومة الشعبية العراقية لم يقتصر تكوينها على طائفة بعينها أو أقلية واحدة من داخل هذا البلد المتداخلة أنسجته، لكن الهدف الأسمى من هذا الدعم الشعبي كان مساندة قوات بلاده الأمنية في مواجهة هذه الموجة التكفيرية التي اجتاحت العراق، حيث بمساندة من رموز الطوائف والأقليات المختلفة في العراق استطاعت هذه القوات الشعبية المكونة من عشائر سُنية وفصائل شيعية التصدي لعصابات داعش الإرهابي وإسقاط حلم نشر الفوضى وإشعال فتيل الحرب الأهلية بالعراق، التي وجدت لها مرتعا في مخيّلة كثيرين بعد اجتياح هذه التنظيمات المتطرفة، لمدينة الموصل، في العاشر من يونيو الماضي، ومناطق أخرى في شمال وغرب العراق. تلاشي الانقسام الطائفي سعت عصابات القاعدة الإرهابية وما تمخض عنها من مجاميع إرهابية منذ 2003 إلى الضرب على الوتر الطائفي لأنها وجدت في انقسام الشعب العراقي، فرصة لها في البقاء والتمدد، حيث تؤكد النائبة في البرلمان منى العميري، أن عصابات داعش الإرهابية، تسعى إلى إذكاء نار الحرب الطائفية بين مكونات الشعب العراقي من أجل بقائها، إلا أن الوعي المتزايد بخطورة التنظيمات المتطرفة بين العشائر السنية في شمال وغرب العراق، لاسيما بعد المذابح الأخيرة التي تم تنفيذها بحق أفراد عشيرة البو نمر فضلا عن عمليات القتل والمذابح التي تم تنفيذها ضد أكراد سورياومن قبلهم المسيحيين والإيزيديين، كل ذلك أدى إلى تحصين الذوات في الكثير من مناطق شمالي وغربي العراق بانضمام أفراد العشائر إلى القوات الأمنية. يؤكد رئيس مجلس محافظة الأنبار "صباح الكرحوت" على ذلك قائلا إن »القوات الأمنية سلّحت وجهّزت أكثر من 1500 مقاتل من عشيرة البو نمر ونحو 1000 مقاتل من عشرة العبيد ونحو 2500 مقاتل من عشيرة الجغايفة لمساندة القوات الأمنية في تنفيذ عملية عسكرية واسعة لتطهير مناطق عراقية من تواجد الإرهابيين«. وبعد هذا التقدم للقوات العراقية والمقاومة فى تجسيدهم لعمل وطني، بلغ التوتر الطائفي في أدنى مستوياته، بعدما ركّزت عليه العصابات الارهابية والماكنة الإعلامية الطائفية المحلية والإقليمية، على أمل توظيفه في تأكيد الهوية الطائفية بديلا للوطنية، فإن المخططات الداعشية الصهيو أمريكية تنكشف يوما تلو الأخر ليتم إسقاطها تباعا. مكاسب المقاومة تنهي أحلام الحرب الأهلية بطبيعة الأمر، فإن توسع القوات الأمنية العراقية في عملياتها، خلق بيئة مناسبة للمصالحة واستقطاب أفراد من العشائر كانوا انضموا للعصابات الإرهابية على خلفية القبضة الأمنية التي كان يتبعها المالكي فى تعامله مع العشائر، وحسب العديد من المحللين، فإن "المصالحة مع كافة أبناء الشعب العراقي ستكون الرصاصة الأخيرة في قلب داعش والإرهاب". عصابات داعش الإرهابية تلقت عدة ضربات موجعة في العراق وبلداته المختلفة أمثال جرف النصر وصلاح الدين، و بيجي وهيت، الأمر الذي سهّل على رجال العشائر الانضمام إلى القوات الأمنية العراقية، من أجل قطع دابر مخطط الحرب الطائفية التي كانت تعول عليه العصابات الإرهابية سببا لبقاء التنظيم وتمدده ليس في العراق فقطن بل في سائر دول المنطقة بعد أن تمددت من سوريا إلى العراق. يرى محللون أن الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش العراقي بمساندة ودعم من المقاومة الشعبية المتمثلة فى الحشد الشعبي والعشائرالسُنية، أظهرت أن عصابات داعش الإرهابية تعجز عن الإمساك بزمام الأرض، حتى في تلك المناطق التي كانت تعتبرها حواضن دائمة ومجالاً حيوياً لها. حسمت قوات الجيش العراقي والقوات الموالية له، معركة تطهير ناحية جرف الصخر التي بدأت فى نهاية شهر أكتوبر الماضي وانتهت بهزيمة عصابات داعش الإرهابية، بالوصول إلى حدود بلدة عامرية الفلوجة التابعة لمحافظة الأنبار. التلاحم الذي ظهر مؤخرا في العراق بين القوات الأمنية والدعم الشعبي لم يكن هو الأول من نوعه، بل سبق وأن حدث ذلك خلال مواجهة تنظيم القاعدة في البلاد ومن انتشاره. عملية الأنبار 2007 نموذجًا للمقاومة يكمن المكسب الرئيسي من التعاون مع العشائر الشعبية المقاومة في منافسة المنظمات الإرهابية على جذب العديد، واستخدام المجندين المحتملين في الأجهزة الأمنية للحكومة، بالإضافة إلى زيادة مصادر المعلومات لدى الحكومة ضد الإرهاب، وتنظيم المجتمع لمقاومة التنظيمات الإرهابية بشكل أفضل. «نموذج الأنبار» 2007 كان جيدًا عندما واجهت القوات العراقية والمقاومة معًا تنظيم »القاعدة«، بعدما تم تجنيد أبناء العشائر المحلية للدفاع عن أنفسهم من خلال العمل عن طريق المشايخ المحليين لتشكيل قوة شرطة محلية لا تعمل من أجل حماية القرى المحلية فحسب، بل مشاركة الجيش العراقي والشرطة العراقية بمواجهة تنظيم «القاعدة» فى ذلك الوقت، حيث حقق هذا التكاتف الأمني الشعبي نجاحاً كبيراً وقلب محافظة الأنبار رأساً على عقب، قبل أن يأتي المالكي ويعيقه بالحد من التمويل، وباضطهاد ضد قادة العشائر وتهميش المجتمع السني في الحياة السياسية، الأمر الذي انعكس سلبا على نسيج المجتمع العراقي. العراق ينتصر على الإرهاب بفضل التطورات الميدانية التي أحرزها الجيش العراقي والقوات الشعبية على الأرض خلال الشهور القليلة الماضية، تحوّل العراق من دولة تستقبل الإرهابيين وكان يعدها التنظيم لتكون مركز انتشاره عبر تأسيس دولة الخلافة المزعومة إلى طاردة لهم بعدما نجح "المضاد النوعي"، وهو "فصائل المقاومة" و"الحشد الشعبي" من حسم المعركة في الكثير من المناطق المضطربة في البلاد. وفي خضم تزاحم أحداث التقدم العراقي في المناطق المغتصبة، ينهار مشروع جعل داعش قوة راسخة في المنطقة، ويحولها من قوة ماسكة للأرض إلى جماعات مشرذمة تقاتل بيأس، فضلا عن ذلك فإن مجلس الوزراء العراقي بقيادة "حيدر العبادي" قرر في إحدى الجلسات الأخيرة، شمول قتلى قوات الحشد الشعبي بكافة الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها ضحايا القوات المسلحة العراقية، الأمر الذي عزز من تلاحم القوات الشعبية والأمنية من أجل إسقاط المشروع التكفيري. المعركة في صالح المقاومة والقوات الأمنية معاونة الفصائل المقاومة ضد داعش فى الأسبايع القليلة الماضية من أبناء العشائر بمحافظة الأنبار مع قوات الحشد الشعبي التي وصلت إلى قاعدة الأسد قبل فترة قصيرة، معسكرا تدريبيا مشتركا سيعجل بالتأكيد من عملية تحرير الأنبار وستنتشر التجربة أكثر فى معظم الجبهات التي يسطر عليها الإرهابيين، فى الوقت نفسه تهيأت القوات الأمنية في الفترة الأخيرة للبدء بعمليات عسكرية واسعة النطاق. يأتي ذلك في وقت قال فيه نائب عن محافظة الأنبار إن "قيادة الشرطة في محافظة الأنبار أعادت تدريب وتأهيل 2000 مقاتل من أبناء العشائر في مركز الحبانية"، مضيفا "أن ما ينقصنا حاليا هو فقط السلاح والمؤن"، مطالبًا الحكومة بتزويد القوات الأمنية في أسرع وقت بها". ويقول عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب علي المتيوتي إن "الأوضاع الأمنية في محافظة الأنبار تحت سيطرة قواتنا الأمنية بعد النقلة النوعية وتحسن أداء القطعات المنتشرة في جميع مناطق المحافظة وعلى وجه التحديد في عامرية الفلوجة إضافة إلى المناطق القريبة من قضاء هيت". لا شك أن المشروع التكفيري الغربي تنبهت له جميع المكونات العراقية وبدأت في التصدي له وإسقاطه، ومن هنا ستكون الانطلاقة من أجل تلاشي المخطط من المنطقة بأكملها وإسقاط هذا المشروع تماما.