لا يمكن التنبؤ بنتائج الجولة المقبلة (الأخيرة) من مفاوضات النووي الإيراني التي ستعقد في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، وضمن هذا الإطار، يمكن عرض الاحتمالات الثلاثة التالية: أولاً، عدم التوصل إلى حل، ثانيا، التوصل إلى حل، وثالثا، تمديد المفاوضات لمدة جديدة. يفيد الاطلاع على ما نطلق عليه في علم المفاوضات ب"خارطة الصراع" في معرفة مكامن صعوبة المفاوضات ومفاتيح حلّها، تصنّف المفاوضات النووية الإيرانيةالغربية بأنها الأكثر تعقيدا في الساحة الدولية وذلك بسبب كثرة اللاعبين الفاعلين المؤثرين، مطالب الأطراف المتفاوضة، وبسبب تعدد الملفات الإقليمية والدولية المرتبطة بها. تتصدر قضية "داعش" لائحة الملفات التي قد تؤثر وتتأثر بنتائج هذه المفاوضات، تمتد هذه اللائحة لتشمل الأزمة السورية، اليمنية، القضية الفلسطينية والأزمة الاقتصادية الغربية، وتعبّر رسالة أوباما الأخيرة إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي عن الرؤية الأمريكية للعلاقة مع إيران، وتعلن عن أهم ما تتوقعه واشنطن من مستقبل هذه العلاقة بعد التوقيع على اتفاق النووي؛ التشارك في مواجهة الإرهاب. إن دلّ هذا الأمر على شيء فإنما يدل على استمرار واشنطن في سياسة المقايضة وربط مستقبل التنسيق والتعاون مع إيران بمدى نجاح أو فشل المفاوضات. لن يؤثر فشل المفاوضات بشكل أساسي على الحرب القائمة ضد داعش، الذي أصبح القضاء عليه أولوية الجميع بما في ذلك لدى حلفاء واشنطن في المنطقة خصوصا المملكة العربية السعودية بعد تهديد البغدادي بالزحف نحو المملكة، كما لن يؤثر فشل هذه المفاوضات على مستقبل الدولة السورية وعلى دور الرئيس بشار الأسد، خصوصا بعد إعادة انتخابه وبعد يقين الغرب بضرورة التنسيق معه لمواجهة الإرهاب. ضمن هذا الإطار، من الممكن القول إن تنظيم داعش، دخل حالة الأفول، وإن أزمات المنطقة وصلت إلى المرحلة الأكثر خطورة والأشد فتكا، وتتميز هذه المرحلة بالضبابية، وتعدد اللاعبين وبتوافر"اتفاق" دولي على عدم التمادي في الفوضى القائمة، لأن ذلك لو حصل لن يكون من مصلحة أحد. تستمر هذه المرحلة لفترة طويلة تعمم خلالها ننائج الحرب الأهلية الإقليمية (التقسيم العملي والسيكولوجي)، وستبرز قوى "إسلامية" متطرفة جديدة تتنافس مع "داعش"، وسيستمر خلالها مشروع إضعاف الدول العربية الأساسية (سوريا، العراق ومصر). يسهم التوصل إلى اتفاق نووي في 24 نوفمبر، في التخفيف من حدة الحرب الأهلية الإقليمية القائمة، وقد يسهم في رسم خارطة تفاهمات إقليمية جديدة (العراق نموذجا). يطرح هذا التصور التساؤل التالي: هل التوصل الى حل هو الإحتمال الأقرب الى التحقق؟ تشير الأجواء المحيطة بالمفاوضات إلى أن بنود الاتفاق النووي لم تكتمل بعد، وبالرغم من رغبة الطرفين (الإيراني -الأمريكي) بالتوصل إلى حل فإن انعدام الثقة، وارتفاع سقف مطالب الأطراف، يشيران إلى عدم نضوج بنود الاتفاق، لذلك يبقى الطرح الثالث هو الاكثر حظا؛ تمديد فترة التفاوض لمهلة جديدة. بعيدا عن النتائج النهائية لهذه المفاوضات، تستمر الأطراف المتفاوضة في اتباع سياسة "غض النظر"، التي تسمح بتسجيل نقاط غير "قاتلة" في مرماها ومن دون النيل من مبادئها وقيمها. بالمحصلة، فإن رغبة الأطراف في التوصل إلى حل نهائي، يقابلها مجموعة من القيم والمبادئ التي لا يمكن التنازل عنها والتي تجد في المحافظين الإيرانيين والجمهوريين -الديمقراطيين الأمريكيين فرسانا للدفاع عنها.