تكتسب الجولة التاسعة من المفاوضات النووية الإيرانية التي تستضيفها سلطنة عمان أهمية بالغة، إذ تأتي قبل يوم 24 نوفمبر الموعد المحدد للاتفاق على تسوية نهائية للملف النووي الإيراني، كما تأتي في خضم أزمة ثقة في العلاقات الأمريكيةالإيرانية عقب اتهام طهرانلواشنطن بتدعيم تنظيم داعش بالأسلحة، وتطورات الأوضاع الأمنية في العراق، ومن ثم طلبت أمريكا من إيران التدخل لوقف زحف داعش في سورياوالعراق، فضلا عن أن هذه الجولة تأتي في أجواء عمانية خاصة إذ تشهد السلطنة مرور أربعة وأربعين عاما على بناء مؤسساتها الحديثة التي أرسى دعائمها السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان. عمق العلاقات وتكشف هذه الجولة من المفاوضات عن عمق العلاقات الإيرانيةالعمانية ودور الدبلوماسية النشطة في التوصل لحل الأزمات الإقليمية التي تؤرق منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، بعدما بلغ التوتر الإيراني الغربي الأمريكي بسبب الاختلاف بين الأطراف المعنية حول طبيعة وسلمية النووي الإيراني، ووصل هذا الخلاف في بعض مراحله إلى التلويح باستخدام القوة العسكرية لوقف برنامج إيران النووي، بل وقعت بوادر احتكاك بين سفن أمريكية وزوارق سريعة إيرانية. ومع بداية عام 2014 جرى اتفاق أمريكي إيراني غربي لبدء مرحلة ماراثونية من المفاوضات لحلحلة الملف النووي سلميا وذلك بعد جهود وساطة قامت بها سلطنة عمان، إذ نجحت في الجمع بين الأطراف المتناقضة في الرؤى والمواقف.. وتسعى إيران ومجموعة الدول الست (الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا)، للتوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات عن طهران، وتهدف المحادثات إلي وقف أنشطة تخصيب اليورانيوم الحساسة في إيران، مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها تدريجيا. ويؤكد المسئولون الإيرانيون والغربيون أن المفاوضات النووية وصلت إلي مرحلة حساسة وحاسمة، ومن المفترض أن تنتهي فترة التوصل إلي اتفاق نووي نهائي في 24 نوفمبر، الأمر الذي ألمح إليه الرئيس الأمريكي باراك أوباما ودعا فيه إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق أساسي في المفاالموضات ، وذلك حسبما جاء بوكالة أنباء "الشرق الأوسط". وبغض النظر عن الفترة المحددة للاتفاق فإن الطرفين يختلفان على قضيتين أساسيتين هما، مستوى تخصيب اليورانيوم في إيران، وأجهزة الطرد المركزي، ففي الوقت الذي يصر فيه الغرب على ضرورة أن لا يتجاوز التخصيب عن 3.5% وألا تتجاوز أجهزة الطرد المركزي عن 6 آلاف جهاز، فإن طهران تطالب بإيجاد آليات سلسة ومضمونة لتزويدها بيورانيوم يبلغ تخصيبه 20% لاستخدامه في مفاعل طهران. عوامل دافعة للنجاح ثمة اعتبارات قد تدفع هذه الجولة إلى تحقيق أهدافها، يأتي في مقدمتها أولا: رغبة الغرب في عدم تصعيد الموقف والعودة إلى مرحلة ما قبل الاتفاق التمهيدي مع إيران، وذلك تحقيقا لمصالح اقتصادية ورغبة الشركات الغربية في الإفادة من الصفقات التجارية مع إيران، ناهيك عن أن الغرب يعاني مشاكل اقتصادية كبيرة، إذ يعاني الغرب حاليا من مشاكل داخلية تتعلق بزحف القوى المتشددة على حدوده، بل داخل أراضيه، ذلك أن كثيرا من الملتحقين بجماعات التطرف والتشدد قد أتت من الغرب، هذه الأمور تجعل الغرب راغبا في التوصل إلى حل مرض مع إيران للتفرغ للخطر الداهم في عقر داره. ثانيا: أن الطرف الأساسي في المفاوضات وهو الولاياتالمتحدةالأمريكية ذاتها تعاني من آثار الأزمة الاقتصادية، وأن برنامج الرئيس الأمريكي ومشروعه الانتخابي الذي ارتقى به إلى السلطة هو تقليص المشاركات الأمريكية في حروب الخارج، لذلك عمل على سحب القوات من العراق وأفغانستان، كما تردد كثيرا في استخدام القوة العسكرية ضد الجمهورية السورية، ومال إلى الأخذ بالمقترح الروسي القاضي بتدمير الأسلحة الكيماوية السورية بدل الضربات العسكرية، وبالتالي فإن واشنطن قد لا ترغب في تشنج جديد مع إيران باستثناء الصقور وبعض القوي المعادية لإيران، ذلك أن مواجهة مع إيران تختلف عن مواجهة مع غيرها، لأن برامج إيران وقوتها الحقيقية بمثابة لغز بالنسبة لأمريكا. ثالثا: أما الطرف الثاني في المفاوضات وهي إيران، فإنها لا تملك رفاهية تضييع الفرصة هذه المرة في ضوء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ عقود، حيث تدنى سعر عملتها، إيران أيضا لا ترغب في مواجهة مع الغرب، لأنها حاليا تواجه إشكاليات في كيفية الحفاظ على سوريا التي تحتفظ بعلاقات استراتيجية معها. رابعا: توافق جميع أطراف الأزمة على أن تكون العاصمة العمانيةمسقط محلا للتفاوض فيما بينهم، وهذا يعني أن الدبلوماسية العمانية نالت ثقة جميع الأطراف، ووثق فيها المتفاوضون، وهو ما يؤشر إلى أن الدبلوماسية العمانية محايدة غير منحازة، وهذا أمر محوري وضروري لنجاح أية مفاوضات ووساطات سياسية. ومن هنا فقد جاء إعلان وزارة الخارجية العمانية عن توافق وتراضي الأطراف الإيرانيةوالأمريكيةوالغربية للقاء في مسقط لاستكمال التفاوض يحمل أبعادا كثيرة منها أن السلطنة ممثلة في قيادتها ودبلوماسيتها مؤهلة للتقريب بين وجهات نظر الأطراف المختلفة. دور عماني بارز يؤكد المحللون السياسيون أن الدبلوماسية العمانية أدت دورا محوريا قاد إلي انفراج أزمة العلاقات الغربية - الإيرانية والتوصل إلي الاتفاق المبدئي بشأن حل قضية الملف النووي.. وفي ترجمة واقعية لهذا الدور شهدت السلطنة قمة عمانية – إيرانية فى شهر مارس الماضي حيث عقد السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان لقاء مهما مع رئيس إيران الدكتور حسن روحاني الذي قام بزيارة رسمية للسلطنة على رأس وفد رفيع المستوى وقد تتابعت أصداء الزيارة فى مختلف العواصم. ولم يكن من قبيل المصادفات أن السلطان قابوس هو أول قائد عربي وزعيم عالمي اجتمع مع الدكتور روحاني بعد توليه الرئاسة، حينما قام فى العام الماضي 2013 بزيارة لطهران، ومما يدل على التقدير المتبادل وعلى أعلى المستويات أن زيارة الرئيس روحانى للسلطنة هي أيضا الزيارة الخارجية الأولى له التى يقوم بها على المستوى الثنائي، كما أنها الأولى للدول العربية. ولا شك أن نجاح هذه الجولة من المفاوضات الغربيةالإيرانية سيترتب عليه أثار إيجابية عديدة، أولها: سيؤدي هذا الاتفاق إلى عودة العلاقات الخليجية الإيرانية، كما سيؤدي إلى حلحلة أزمات وقضايا أخرى منها أزمة سوريا التي استعصى حلها، كما سيؤدي إلى التقريب بين الأطراف داخل العراق أو بين الدول التي تتدخل في العراق. ثانيها: لعل التوصل إلى اتفاق إيراني غربي سيساهم في القليل من التنافس الخفي الإيراني التركي، أما بالنسبة للسلطنة فإن اتفاق الأطراف على أرضها سيكون له مزيد من السمعة الدولية، وهذا ما أكده الدكتور علي أكبر ولايتي رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية بمجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني عندما أشاد بالدور الذي تمارسه السلطنة فى حل القضايا والخلافات العالقة فى المنطقة والعالم، إذ قال إن "عمان كانت وما زالت تمارس دورا إيجابيا حيال إيران، وأن هذا الدور لمسناه أيضا فى التوسط بين إيرانوأمريكا، وبين إيران ودول أخرى فى حل القضايا والخلافات العالقة فى المنطقة والعالم". إجمالا يمكن القول أن الأجواء الدولية والإقليمية بل والداخلية باتت مشجعة الآن أكثر من أي وقت مضى للدفع قدما لإنجاح هذه المفاوضات والتوصل إلى تسوية تحقق رغبات الطرفين الغربي والإيراني.