مرة أخري.. وبعيداً عن الضجيج الإعلامي.. استضافت سلطنة عُمان. جولة جديدة من المفاوضات الصعبة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي وإيران الأسبوع الماضي في محاولة للتوصل إلي اتفاق يرضي كل الأطراف حول الملف النووي الإيراني.. وقد شارك في هذه الجولة التي تحمل رقم 9 كل من: جون كيري وزير الخارجية الأمريكي. ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف. وكاترين آشتون المستشارة الخاصة للاتحاد الأوروبي. وسوف تُعقَد جولات أخري قادمة من المفاوضات لحسم نقاط الخلاف العالقة قبل 24 نوفمبر الحالي. الذي يمثل آخر موعد للاتفاق النهائي بين إيران ومجموعة القوي الكبري "5«1" التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إلي جانب ألمانيا.. وتطلب هذه القوي مزيداً من الضمانات والتطمينات بشأن قدرات إيران النووية حتي لا تمتلك إمكانية إنتاج سلاح نووي.. ومزيداً من الضمانات والتطمينات بشأن عمليات التفتيش الدورية علي المنشآت النووية الإيرانية.. بينما تطلب إيران الاعتراف بحقها في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية ورفع العقوبات الدولية المفروضة عليها. وقد سبق أن لعبت سلطنة عُمان دوراً مهماً في التقريب بين الغرب. خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية. وإيران.. وقامت بدور الوسيط بين واشنطنوطهران في العديد من الملفات.. واستضافت مفاوضات سرية بين الجانبين عام 2012. أسفرت عن إعادة إيران إلي مائدة المفاوضات حول برنامجها النووي.. والتوصل إلي اتفاق جنيف في نوفمبر الماضي. الذي حصلت طهران بموجبه علي اعتراف دولي بحقها في تخصيب اليورانيوم بنسبة لا تتجاوز 5% مقابل رفع تدريجي وجزئي للعقوبات الدولية المفروضة عليها. ويعود الفضل في هذا النجاح إلي سياسة الحياد الإيجابي التي رسمها السلطان قابوس بدقة متناهية لبلاده وسط تقلبات المشرق العربي العنيفة.. فأبعدها عن الصراعات والمحاور والتحالفات.. وجعلها منفتحة علي كل الأطراف الفاعلة إقليمياً ودولياً دون حساسيات.. فاكتسبت علاقاتها بالخارج الاحترام والمصداقية.. وانتهجت الدبلوماسية الهادئة التي تعمل من خلالها علي الوساطة في مختلف النزاعات والقضايا بسرية تامة.. حتي تفاجأ العالم بنجاحات غير متوقعة. وقد جرت جولة الوساطة الأخيرة الأسبوع الماضي. بينما كان السلطان.. ولا يزال.. في رحلة علاج بألمانيا.. لكن الأسس والقواعد التي وضعها والتي سارت عليها طواقم الإعداد والتحضير والوساطة برئاسة يوسف بن علوي. الوزير المسئول عن الشئون الخارجية كانت كفيلة باكتساب احترام الأطراف المتفاوضة وثقتها.. اقتناعاً بأن عُمان لا تبحث عن دور ولا نفوذ. ولا مصالح خاصة. وعلي كل حال.. فقد صدرت إشارات إيجابية عن الأجواء التي أجريت فيها المفاوضات.. وهناك تسريبات عن رسالة سرية بعث بها أوباما إلي علي خامنئي. المرشد الأعلي في إيران لبحث إمكانية التعاون المشترك في المعركة ضد التكفيريين. وضد داعش. إذا تم التوصل إلي حل سياسي للملف النووي. وإذا كانت العاصمة العُمانية مسقط. قد جمعت المفاوضين رغم كل تناقضاتهم.. فربما تكون الحرب ضد داعش هي التي يجتمع فيها السلاح الأمريكي والسلاح الإيراني ضد عدو مشترك لتبدأ صفحة جديدة من العلاقات بين الطرفين المتصارعين.. ويصبح الخلاف حول الملف النووي مجرد ذكري.