تحت عنوان " الناقد السينمائي .. كيف ولماذا تصبح ناقدا " وعن دور الناقد السينمائي ، أقيمت بقاعة الاجتماعات بالمجلس الأعلى للثقافة بدار الأوبرا ندوة ضمن فعاليات أسبوع النقاد الدولي الذي يقام على هامش مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الحالية 36 ، نظمتها جمعية نقاد السينما المصريين بالتعاون مع مؤسسة " جراد " والتي تنظم أيضا ورشة لمدة ثلاثة شهور بنفس العنوان ، وقد أدار الندوة الناقد " أحمد شوقي " منسق الجمعية ، كما ضمت كل من الناقد والمخرج أحمد حسونة عضو مجلس إدارة الجمعية ومدير أسبوع النقاد الدولي ، الناقد محمد الروبي نائب رئيس جمعية نقاد السينما المصريين ، الناقد الإيطالي " فرانشيسكو ديباس " مدير أسبوع النقاد في مهرجان فينيسيا ، الناقد رامي عبد الرازق ، الناقد فتحي أمين ، المترجمة نادين محمد ، وذلك وسط حضور كبير من النقاد وجمهور المهتمين فاجأ منظمي الندوة أنفسهم . افتتح الندوة الناقد " أحمد شوقي " بفكرة الكتابة في العصر الحالي والتي أصبحت أسهل كثيرا مما مضى ، حيث كان هناك المزيد من التعقيدات والخطوات ، فكسر هذا الشكل القديم وأصبح النشر متاحا للجميع في أكثر من مكان فظهرت أسماء عديدة على الساحة ، وما تقوم به هذه الندوة هو محاولة فهم دور الناقد وسط هذه الدائرة الكبيرة ، لتعطى الكلمة للناقد الإيطالي " فرانشيسكو ديباس " الذي عبر عن سعادته بوجوده في مصر ودعوته لهذا الأسبوع ، وأنه حين قيل له أن موضوع الندوة " كيف تصبح ناقدا " قال ضاحكا " كيف لا تكون ناقدا سينمائيا " ، ثم تحدث عن تجربته الشخصية حيث بدأ يكون ناقدا من 25 أو 30 سنة ، ولم يكن وقتها توجد دراسة متخصصة للنقد ، بل كان الأمر يعتمد على المجهود الشخصي والقراءات والمتابعة ، وقد استطاع العمل في أكثر من جريدة مع الوقت ، وقد كلفه الأمر الكثير من الوقت والجهد ثم أصبح عضوا في جمعية النقاد السينمائيين ، ثم يضيف أن عمل الناقد غير مجز ماديا وخاصة في ضوء ما سببته الأزمة الاقتصادية من تقليل حيز الكتابة النقدية في الجرائد ووسائل الإعلام لتطغى عليها الأخبار العامة والسياسية ، لكن الناقد أيضا يمكنه العمل في مجالات متعددة تتعلق بالسينما فقد عمل في عدة أماكن ، فقد عمل في برامج الأفلام في التليفزيون الإيطالي ، وبرنامج آخر للأفلام على قناة " راين 3 " عن جميع الأفلام القديمة والحديثة ، وهذه الطرق نبيلة لعمل ما تحبه بشكل غير مباشر ، ثم انتقل بالحديث عن أسبوع النقاد في فينيسيا حيث كان يعرض أفلام جديدة للشباب بأفكار جديدة ، فبشكل أو بآخر تتاح ممارسة النقد ، بعد أن قلت المساحة المخصصة له في الصحف والمجلات والتي لا يعفي من أسبابها الناقد لكونه يستخدم لغة بعيدة عن القراء فهي قديمة لا تواكب العصر ولا تصل للناس فتساهم في ابتعادهم عن النقد ، كما يرى أن دور الناقد سيظل أساسيا فهو وسيط بين العمل الفني والمجتمع فيتيح له فرصة لتذوق العمل الفني عن طريق النظرة التاريخية والتحليلية ، ويضيف أن هناك جيل جديد يكتب على افنترنت ويطور لغة النقد وإن كان ينظر إليها من قبل بعين الشك ، لكن الأمر اختلف الآن فهذا مستقبل المهنة . أما الناقد " أحمد حسونة " فيرى إشكالية في كلمة النقد السينمائي من حيث أن الناقد أعلى من المتفرج فهو لكونه مخرجا أيضا يرى النقد قراءة وتفسيرا وليس حكما بالصحة أو الخطأ ،فليس هناك حكم قاطع بدليل اختلاف آراء أعضاء لجان التحكيم وتنوعها الشديد ، ويرى أن الناقد يبدأ كمشاهد حر ، ويتساءل هل سيظل النقد بالشكل القديم موجودا ، كما طرح " بودار " في فيلم " وداعا للغة " ؟ ، ثم يضيف أن فكرة أن الناقد مفسر لا حكم أكثر مناسبة للعصر الحالي وخاصة بعد الأحداث والثورات الأخيرة حيث أصبح لكل فرد رأيه ، ولم يعد هناك مقدسات ، كما أن هناك تغيرا في منظومة السينما فأصبحت الأفلام ديجيتال وانتقلت السينما لديمقراطية الوسيط ، وكذلك في النقد والكتابة عبر المدونات ، ويتصور أن هذه التحولات ستؤدي لاختلاف كبير في التعبير عن الأفكار والرؤى . وينتقل الحديث للناقد أحمد شوقي الذي يرى أن الناقد يمارس الكتابة لمزيد من الفهم ونقل المعلومة من داخله كمتلقي ، مع ربط الفيلم بالحداث الثقافية والعالمية ، كما يجب إرفاق كل بحث بحيثية تبرره . وبانتقال الكلمة للناقد "محمد الروبي" يؤكد أن هناك ضرورة لتعلم ما يعنيه النقد ، لكن أيضا لا يسهل أن تقول لأحد كيف تصبح ناقدا ، لكن يمكن أن أسرد كيف أصبحت أنا ناقدا سينمائيا ، ليروي عن نفسه أنه درس الهندسة بالأساس إرضاء لأسرته ثم توجه للمعهد العالي للفنون المسرحية لدراسة النقد ، ويقول أنه حين يسأل " لماذا أصبحت ناقدا ؟ ، يجيب" أصبحت ناقد لأني أحب النقد " ، مما يجعله يرى أن النقد موهبة أولا ثم دراسة ثانيا ، وأضاف أنه يرفض جملتين ، أولهما " أن الناقد حكم " ويراها جملة خاطئة حد الخطيئة وأن تاريخ ونظريات الفنون حافل بما يؤكد ذلك ، أما الجملة الثانية " أن الناقد جسر ما بين المبدع والمتلقي " ، وهذا ليس صحيح فالناقد قارىء جيد للإبداع مستمتع به لأنه يملك هذه الموهبة مع الإلمام بتفاصيل العملية الفنية الأخرى وأبجديات العملية السينمائية ، ويضيف انها مهنة صعبة جدا وتحتاج جهدا كبيرا لممارستها ، وخبرة لتحديد موطن الخلل وذلك سواء في السينما أو المسرح عشقه الأول . ويبدأ الناقد " رامي عبد الرازق " كلمته بتعبيره عن مفاجأته بكم الحضور بعكس ما كان متوقعا ، ثم يؤكد اتفاقه مع الكثير مما ورد في الندوة ، ويضيف متذكرا قولا لرئيس لجنة التحكيم لأسبوع النقاد " خميس خياطي " أننا لا نسمع من يقول في صغره أريد أن اصبح ناقدا " ، فهناك الموهبة وموهبة اكتشاف الموهبة ، فالناقد يشاهد الفيلم ويشعر باحتياج غريزي لممارسة النقد وأن لديه تفاصيل وأفكار يمكن التعبير عنها ، وإذا كانت مهمة الأفلام الجيدة طرح الأسئلة فمهمة الناقد اقتراح الإجابات ، فكما قال " سارتر " : " النقد لقاء بين حرية المبدع وحرية المتلقي " ، فهو موضوع بين هاتين الحريتين ، كما يتفق مع فكرة أن الناقد ليس حكما ، ويضيف أننا نعاني من أمية سينمائية مما يزيد صعوبة عمل الناقد لذا يشرح أولا الأبجدية ثم يقول رأيه إن كانت صحيحة أو خاطئة ، فالمسألة ليست جسرا ، بل كم كبير من المعرفة المتراكمة عبر مشاهدات كثيرة وتطور مع الوقت ، ويجب أن يتحلى الناقد بمنهج ووجهة نظر قادرة على الوصول لشريحة ، ومن مهام الناقد أن يصبح للقارء القدرة على الفرز ، وتربية ذائقته السينمائية ، لذا فمن الضروري أن يحدد من الجمهور ؟ وماذا أريد ؟ ، وأنه بصفة شخصية كان هدفه تثقيف المتلقي غير المتخصص سينمائيا ، ويضيف أن الناقد كلما اتسعت رؤيته ومعرفته كان أكثر بساطة وتواضعا في كتابته ، وأن مهنة الناقد تحتاج دراسة و " مذاكرة " مستمرة طوال عمره ، ثم تناول عبد الرازق بعد ذلك مسألة " موت الناقد " فهو ضدها ويضرب مثلا بأن عدم وجود شرطة يؤدي بالضرورة لإيجادها والمر نفسه ينطبق على النقد السينمائي فبإتاحة كل وسائل الكتابة وحين يصبح كل الناس نقادا ستظهر الحاجة من جديد للتأطير ولناقد محترف . وبانتقال الكلمة للناقد "فتحي أمين" فبالإضافة لما سبق في الندوة ويتفق معه بشكل كبير يضيف أن العالم الآن يواجه أزمة السينمات الكبيرة والتي تفرض النوعية التي يكتب عنها الناقد ، ويرى أن الناقد يجب أن يرفض ذلك ولا يستسلم له ، بل أن يفرض الناقد وخاصة في ضوء الانفتاح المعلوماتي بدائل لزوايا تناول السينما ، أو يعيد التفكير في المسارات التي استقر عليها الجميع في السينما ، و أن الناقد أيضا قد يعيد النظر في كتاباته القديمة ، ويضيف أن هناك بعض من فجوات المتابعة في تاريخ السينما المصرية وهو أمر سلبي بشكل كبير ، من جهة أخرى يؤكد أمين أن الناقد ليس مجرد شخص محايد فهو أقرب إلى المبدع أو الفنان ، ومن المهم أن يكون ملما بالمعرفة والنظريات لكن الأهم هو التفاعل الذاتي مع ما يراه .