في يوم 11 نوفمبر تم اغتيال أبرز القيادات الفلسطينية خلال العقود الماضية، بدأ مبكرا مسيرة الكفاح والنضال ضد قوات الاحتلال الصهيونية، عاش متوشحا بالكوفية الفلسطينية التي لم تفارقه حتى الممات، ظل لعدة سنوات رمزا للقضية الفلسطينية وقائدا للشعب المناضل..دائما ما كان يقول كلنا مشاريع شهادة..شارون يريد قتلي ومسدسي جاهز..صدح صوته في الأممالمتحدة قائلا "جئتكم حاملا بندقية الثائر بيد وغصن زيتون باليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي"، أطلق عليه لقب الختيار أبو عمار..إنه الغائب الحاضر ياسر عرفاتالذي عاش مناضلا وصامدًا في وجه الاحتلال الغاشم..رحل عرفات قبل 10 سنوات، لكنه ترك منجزات لا زالت قائمة تنهل منها الأجيال لمواصلة الكفاح من أجل التحرر وبناء الدولة الفلسطينية. أبو عمار الذي ولد في القدس يوم 4 أغسطس عام 1929، اسمه الكامل "محمد ياسر عبد الرؤوف داود سليمان عرفات القدوة الحسيني، تلقى تعليمه في القاهرة، وشارك بصفته ضابط احتياط في الجيش المصري من أجل التصدي للعدوان الثلاثي على مصر في 1956، درس في كلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة، وشارك منذ صباه في بعث الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال نشاطه في صفوف اتحاد طلبة فلسطين، الذي تسلم زمام رئاسته لاحقاً. شارك عرفات مع مجموعة من الوطنيين الفلسطينيين في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" خمسينيات القرن الماضي، وأصبح ناطقا رسميا باسمها في 1968، وانتخب رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في فبراير 1969، بعد أن شغل المنصب قبل ذلك أحمد الشقيري ويحيى حموده. قاد عرفات خلال صيف 82 المعركة ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان بصفته قائدا عاما للقيادة المشتركة لقوات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، كما قاد معارك الصمود خلال الحصار الذي فرضته القوات الإسرائيلية الغازية على بيروت طيلة 88 يوما انتهت باتفاق دولي يقضي بخروج المقاتلين الفلسطينيين من المدينة. من هنا حل عرفات وكودار منظمة التحرير ضيوفا على تونس، ومن هناك بدأ استكمال خطواته الحثيثة نحو فلسطين، وفي الأول من أكتوبر 1985 نجا ياسر عرفات من غارة إسرائيلية استهدفت منطقة ‘حمام الشط' بتونس، أدت إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى الفلسطينيينوالتونسيين، ومع حلول 1987 أخذت الأمور تنفرج وتنشط على أكثر من صعيد؛ فبعد أن تحققت المصالحة بين القوى السياسية الفلسطينية المتخاصمة في جلسة توحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني، أخذ عرفات يقود حروبا على عدة جبهات؛ فكان يدعم الصمود الأسطوري لمخيمات الفلسطينيين في لبنان، ويوجه انتفاضة الحجارة التي اندلعت في فلسطين ضد الاحتلال عام 1987، ويخوض المعارك السياسية على المستوى الدولي من أجل تعزيز الاعتراف بقضية الفلسطينيين وعدالة تطلعاتهم. بعد إعلان استقلال فلسطين بالجزائر في الخامس عشر من نوفمبر عام 1988، أطلق في الثالث عشر والرابع عشر من فبراير للعام ذاته في الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرة السلام الفلسطينية لتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط، حيث انتقلت الجمعية العامة وقتها إلى جنيف بسبب رفض الولاياتالمتحدة منحه تأشيرة سفر إلى نيويورك، وأسست هذه المبادرة لقرار الإدارة الأمريكية برئاسة رونالد ريغان في ال16 من الشهر ذاته، والقاضي بالشروع في إجراء حوار مع منظمه التحرير الفلسطينية في تونس اعتبارا من 30 مارس 1989 وقّع ياسر عرفات واسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق عام 1993، اتفاق إعلان المبادئ "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل في البيت الأبيض، في الثالث عشر من سبتمبر وفي 20 يناير 1996 انتخب ياسر عرفات رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية في انتخابات عامة، وبدأت منذ ذلك الوقت مسيرة بناء أسس الدولة الفلسطينية، وبعد فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 ، اندلعت انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من سبتمبر2000، وحاصرت القوات الإسرائيلية عرفات في مقره، بذريعة اتهامه بقيادة الانتفاضة، واجتاحت عدة مدن في عملية سميت ب ‘السور الواقي'، وأبقت الحصار مطبقا عليه في حيز ضيق يفتقر للشروط الدنيا للحياة الآدمية. رحل عرفات في ظروف لا تزال غامضة حتى يومنا هذا، حيث تتواصل التحقيقات التي تجريها لجنة تحقيق وطنية مكلفة بهذا الشأن، من أجل البحث عن أسباب وفاة الرئيس ياسر عرفات ومدى تورط الاحتلال الصهيوني في اغتيال القائد الرمز.