على جناحه جاء من جديد .. يشعل الروح والفكرة في لغة الرقص .. يفرد جناح "عصفور النار" ليطوف يشعل الحياة في الألوان والفصول الباهتة .. الصامتة بعد ارتباك ، إنه " عصفور النار " والذي عاد معه عصفور الرقص المحلق دائما وليد عوني لسمائه في دار الأوبرا بعد توقف عدة سنوات ، ليصمم ويخرج بالاشتراك مع فرقة أوبرا القاهرة وأوركسترا القاهرة السيمفوني بقيادة " ناير ناجي " ، باليه " طائر النار " الذي ألفه الموسيقار الروسي " إيجور استرافنسكي " عام 1910 ، وصمم رقصاته وقتها " ميشيل فوكين " ، ويعتبر هذا العمل من أعمال " سترافينسكي" المبكرة التي تظهر تأثراً بالمدرسة القومية الروسية وخاصة ، وفيه أبدع سترافينسكي في استخدام الأوركسترا كبيرة الحجم لخلق ألوان سحرية ومتميزة تلائم الأجواء الخيالية للقصة المأخوذة من الفولكلور الروسي . باليه " عصفور النار " من فصلين ، يدور حول قصة خيالية لأمير شاب يساق إلى حديقة بقوة عصفور ناري ، فيقع في حب أميرة محبوسة " الأميرة الحمراء في العرض " كان عليه أن يحررها من سحر أسود كي يظلا معا ، والذي أصابها به الشرير " كاستيتشي "، فيفعل بمساعدة " عصفور النار " . ولا يقدم وليد عوني قصة العرض كما هي مجردة .. تشبه الكثير من القصص القديمة حيث الأميرة والسحر والأمير ، بل ضمنها فكرا وعمقا وتأويلا ألبسه لعصفور النار الذي يحمل معنى أكبر ويطوف في سماء أكثر اتساعا يدفىء جليدا باهتا تظله ، الذي يرافق الأمير الذي يحرر الأميرة المحبوسة ، فتضمنت القصة المشبعة بروح الأسطورة ولغة الخيال رموزا تراقص الواقع وتترجمه لرؤية جديدة وحلم مستمر . قدم العرض باستغلال كل عناصره لتنطق معبرة عنه وعن مضمونه ، مستخدما ما يثري إيقاع العرض البصري من خلال شاشات العرض أو " الداتا شو " في الخلفية وجانبي المسرح ، والتي تبدأ بأشكال توحي بخيوط النار فهي الثيمة الأساسية لمضمون العمل وبطله " عصفور النار " ، ليقدم بعدها فضاء العمل وقصته من خلال منظر السماء والسحب المتحركة ، فنشعر بالفعل بعالم الفضاء الذي تحيا فيه هذه العصافير المتشابهة المنمطة حتى في حركتها ، لتتوافق حركة الراقصين والراقصات مع حركات الطيور ، ومع السماء والسحب في الشاشات وانعكاسهما على أرضية المسرح ننسى الأرض . يقسم المسرح لنصفين أحدهما خلفي أعلى ، غالبا تتوسطه شجرة ، لا تبدو قوية التأثير لكنها موجودة .. وهو معنى مقصود وإن تغير شكل الخلفية وألوانها ، الرقصات الأولى للعصافير لا توحي ببهجتها ولا تحليقها فالجو العام راكد .. تزيده تعبيرا موسيقى سترافنسكي الرائعة في هذا الباليه عموما والمترقبة الحذرة في هذا الجزء الأول .. ممهدة لشيء ما في تردد ، ليأتي عصفور النار فيعيد البريق لشجرة الحياة وتزهو باللون الأخضر لون الخصب والحياة ، حيث تصبح الشاشة الخلفية خضراء تماما مبهجة مع مراقصته للشجرة التي رمز لها بفتاة ترتدي اللون الأخضر تبرز من خلف الشجرة في زي العصافير لكنها تطلق شعرها ، لتبدأ ألوان الفصول في الظهور راقصة بألوان صفراء وبرتقالية ، من خلال راقصين ، ليأتي بعدهما اللون الأزرق والأحمر ، وتتغير معها ألوان الإضاءة ، لكن قوى الشر تتداخل ويحل الظلام وما زالت الأميرة " الحمراء " أسيرة يراقصها أحيانا الأمير الذي جاء به عصفور النار ، ثم تختفي ليذهب في حرب تحريرها مع عصفور النار ، حيث يسود اللون الأحمر يتخلله السواد رامزا لاشتعال العالم بأحداث ملتهبة كالحروب والثورات ، فقد نسج وليد عوني الواقع مع الأسطورة وقدم رؤية ملخصة له من خلال الخيال ، فمع الارتباك والانهزام والاشتعال في العالم حتى أن العصافير كسرت أجنحتها وفقد العالم لونه ، يحرر الأمير أميرته بمساعدة المنقذين مرتديا مع العصفور وجنودهم المساعدين ما يوحي ويشبه زي " الجيش " ، مع تأكيد لذلك من خلال أجنحة النسور الفضية البراقة خلف كل منهم والتي قدمت في تشكيل سينوجرافي موفق ، في إيحاء يتضح تدريجيا لأحداث مصر الأخيرة ودور جيشها وقائده في إعادة الحياة لها وتحريرها ، ليمضي بها نحو المستقبل متحالفا مع " عصفور النار " الذي يحترق ليهدي وهجه .. وفي احتراقه كالعنقاء إعادة حياة . أمتعنا العرض بحركة الراقصين التي اشتعلت في النهاية وسط رحلة التحرير مع الموسيقى قوية التعبير الرائعة بحق لسترافنسكي ، بالإضافة لتنوع الإيقاع البصري من خلال الشاشات والألوان ، بالإضافة لتميز بدا معتادا من راقص الباليه "هاني حسن" الذي أدى دور الأمير وعدة أدوار رمزية أخرى والراقص المبدع "أحمد يحي" في دور عصفور النار ، مع جهد عام جيد من الجميع ، ونجح في التشويق لتتبع مغزى ورموز العرض ، وإن كان هناك بعض التشابه في مواقف ليست متشابهة مما يسبب بعض الخلط في تتبع المعنى ، لكنه إجماليا يصل ويشعر به المتفرج الذي أشرك العرض كل حواسه في متابعته ، والذي بالفعل بحاجة إلى "عصفور نار" الفن حتى يعيد إشعال وإحياء روحه المستهلكة المرهقة .