لوحظ مؤخراً بدء كسر الجليد بين قطر ومصر بمعول صنعته المصلحة الأميركية والضغوط الخليجية، فبداية من تغير الخطاب الإعلامي لمنبر قطر، قناة الجزيرة، التي أضحت تصف الرئيس عبد الفتاح السيسي ب"الرئيس المنتخب" بدلاً من "رئيس الانقلاب" إلى اعتباره رئيس "شرعياً" حتى لو بالأمر الواقع، إلى تصريحات أمير قطر تميم بن حمد آل ثان، الذي رفض فيها ممارسة الإخوان السياسة على أرض إمارته، وقبل هذا وذاك كان طرد قيادات اخوانية من الدوحة مؤشراً على بدء تغيير النظام القطري لسياسته ضد النظام المصري الجديد. ولا يمكن أن يذكر ذلك دون جلوس الفرقاء -على تباين مصالحهم- على مائدة عنوانها "الحرب على داعش" في جدة مرتين أخرهما بحضور جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، ومرة أخرى على هامش الدورة التاسعة والستين للأمم المتحدة التي حسمت طبيعة وأولويات الفترة القادمة على الساحة الدولية، فالحرب على الإرهاب أضحى العنوان الرئيسي للسياسة العالمية، أو بشكل أدق للولايات المتحدة، التي توظف هذا العنوان لمصلحتها الآنية المرتبطة بعودة هيمنتها العسكرية على منطقة الشرق الأدنى، بفارقين أساسيين ف البنية السياسية لدول هذه المنطقة عن ما بعد فترة انهيار الاتحاد السوفيتي خلال العقديين الماضيين، من حيث تفكك جزء كبير من شبكة الأنظمة الحاكمة الحليفة لواشنطن، ومحاولة الأخيرة احلالها بحلفاء جدد يتناسبوا مع التغيرات التي أعقبت لملمة فوضى الحرب على الإرهاب بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، مروراً ب"الربيع العربي"وعلى رأسهم وأهمهم الإخوان المسلمون الذين مثلوا الخيار الأنسب لواشنطن في لملمة فوضى القاعدة والتيار الجهادي، وكذلك اعفاء واشنطن من وصمة دعم الانظمة الديكتاتورية. الفارق الثاني يتبع الأول كمقدمة ونتيجة، حيث أنه في خلال سعي الولاياتالمتحدة لتوظيف المتغيرات في المنطقة لصالحها والاستفادة من صعود الإخوان إلى سدة الحكم في عدد من الدول العربية لتوفير غطاء اقليمي لخطوات سياسية منها السعي لتصفية القضية الفلسطينية أو شن ضربة عسكرية على سوريا العام الماضي، جاءت الثلاثين من يونيو كبداية لتصفية نفوذ الإخوان في مصر والمنطقة، بدعم إقليمي من دول وازنة عُرف عنها أنها تابع –ترقى مؤخراً لرتبة تابع بشروط- مثل السعودية والإمارات ودول الخليج عموما، وهو ما ارجئ المساعي الأميركية لبعض الوقت، لاستيعاب المتغيرات الجديدة وكالعادة توظيفها لمصلحتها، فتمثلت لحظة مواجهة "داعش" مدخل لعودة الهيمنة العسكرية لواشنطن في المنطقة كهدف استراتيجي اعقب اخفاقات عِقد "الحرب على الإرهاب" وغزو والانسحاب من العراق يتوافق مع متغيرات ما بعد الثلاثين من يونيو الاقليمية التي جوهرها محاصرة الإسلام السياسي على تنويعاته من "معتدلين" و"جهاديين" ولكن مع متغير هام هو استعداد واشنطن التخلي عن حلفاءها الإسلاميين بعد اندحارهم، وهو ما يلبي رغبة حلفاءها الإقليميين بالقبول بالأمر الواقع في مصر، وعدم التخلي عن فكرة اسقاط النظام السوري مما يرضي الرياض. في سياق المحددات السابقة نجد ان الولاياتالمتحدة تتعاطى ايجابياً مع متطلبات المحور المصري-السعودي-الاماراتي، وذلك بمطالبة قطر بتغيير سياساتها الحاضنة للإخوان إعلامياً ومالياً وسياسياً، أو بالحد الأدنى عدم دعم الدوحة إزاء الضغوط الخليجية عليها والرامية إلى نفس الهدف ضمن أهداف أخرى، فقطر مثلت الحاضنة الإعلامية والمالية للتوجه الاميركي القاضي بدعم تصعيد الإسلاميين المعتدلين، وخاصة بعد 2011، فشكلت الدوحة منبر اعلامي وداعم مالي للجماعات الاسلامية، بإيعاز ورضا اميركي تطبيقاً لدور وظيفي يمثل أهم مرتكزات الهيمنة الاميركية على دول الخليج سرعان ما عُدل هذا الدور لخدمة الأهداف الاميركية منذ 2009 القاضية بلملمة فوضى الحرب على الارهاب التي قادها بوش الابن، وعلى مرتكز التعامل مع الإسلاميين المعتدلين والإخوان المسلمين، وأيضا كوكيل لواشنطن في التعامل مع الجماعات المتطرفة المصنفة "إرهابية وكان اخر مثال لهذا هو توسط الدوحة لإطلاق سراح الاسير الاميركي لدى طالبان بووي بيرجدال. ومثل السابق. وطبقاً أيضاً للمصلحة الأميركية التي تقتضي حالياً جذب مصر للمشاركة عسكرياً في الحرب ضد داعش أو ما يزيد، فأنه توجب على الدوحة اتخاذ خطوات من شأنها اصلاح ما تضرر بعلاقتها مع القاهرة، ولا ينفي ذلك أن الضغوط السعودية/ الاماراتية على قطر بالإضافة إلى ذلك فقطر تحاول أن تنفي عنها صفة دعم الجماعات الإرهابية، وتحتاج في سبيل ذلك إلى التداخل بقوة في خط "مواجهة داعش" وأخواتها، امتداداً إلى مجابهة الإخوان، ومحاولة تبرير وجودهم في قطر كلاجئين لا يسمح لهم بممارسة السياسة، وان النظام القطري يرفض ممارستهم السياسة على اراضيه، ومن يريد منهم ذلك فعليه مغادرة قطر، والدوحة بذلك تبرئ ساحتها من تهمة دعم الإخوان أمام السعودية والإمارات ومصر، فيما كان له فاعليه في بدء تغير خطاب الدوحة الإعلامي تجاه النظام الجديد في مصر، وبدء ترحيل قيادات إخوانية. كان الموقف القطري من التحالف الدولي ضد داعش بديهي في إطار الدور الوظيفي المنوط بالإمارة، وإن جرت محاولات رفع سقف هذا الدور في محاولة إعادة مناقشة مسألة من هو التنظيم الإرهابي، في محاولة لاستثناء جبهة النُصرة وبعض التنظيمات الجهادية في سوريا من هذا التصنيف، ومحاولة إيهام الرأي العام العالمي أن تصنيف هذه الجماعات كجماعات ارهابية أمر مُسيس ويخدم أهداف بعض الدول المشاركة في التحالف، كما جاء على لسان أمير قطر، تميم بن حمد، في لقاءه مع قناة "سي إن إن" الأميركية على هامش دورة الأممالمتحدة. ويطرح موقف تميم تساؤل حول ما إذا كان هذا الموقف هو موقف أصيل للدوحة، أم أنه ناتج عن ترتيب يجري في كواليس التحالف المتباينة فيه مواقف دوله، وتفضيل أميركي-إسرائيلي أن يشغل فراغ داعش على اثر الضربات الجوية، وخاصة في غرب سوريا وعلى الحدود فلسطينالمحتلة جماعات تدين حتى الأن بالطاعة لأمير قطر، من القنيطرة في الجولان المحتلة وحتى جرود عرسال في لبنان. إلى ذلك فأن القاهرة تريد في الوقت الراهن تأكيد الشكوك الأميركية بأن "الإسلاميين" لم يعودا حلفاء للولايات المتحدة، وأن الإخوان حالياً يقفوا على نفس خط داعش، بدليل تصريحات ومواقف رموز الجماعة المتوالية خلال الفترة الماضية المؤيدة لداعش والمناهضة للحملة العسكرية بقيادة واشنطن ضدهم في سورياوالعراق. وأمام ذلك ليس أمام الولاياتالمتحدة سوى التعاون بجدية مع النظام المصري الجديد، ضد "الخطر المشترك" حسب وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في لقاءه مع قناة "إن بي سي" الأميركية، وذلك يوافق ما جاء في مقال للدبلوماسي المخضرم والمبعوث الأسبق للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، دينيس روس، الذي يعد أحد أهم رموز الدبلوماسية الاميركية العاملة في المنطقة في عهدي بوش الأب وبيل كلينتون، ورأى روس في مقاله المنشور بدورية معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" أن الصراع الاقليمي الحالي في المنطقة يصطبغ بالطائفية، وأن المفيد لمصلحة الولاياتالمتحدة قطع علاقاتها مع الإسلاميين، الذين انتهجوا بعد 2011 مبدأ الفائز يأخذ كل شيء على حساب التعددية والهوية الوطنية، وهو ما أدى من وجهة نظره "استفحال مظاهر التطرف الديني الذي أفضى في النهاية إلى تنامي وتعملق التنظيمات الجهادية". وهو عكس ما كانت الولاياتالمتحدة ترمي له بدعمها للإسلاميين بعد انتفاضات 2011. ويذهب روس إلى "أنه يجدر بالولاياتالمتحدة أيضاً أن تنسق مع مصر والإمارات العربية المتحدة عند قيام الدولتين بقصف أهداف الإسلاميين في ليبيا أو في أي مكان آخر. إذ إن هذا التنسيق سيعزز من فعالية عملياتهما العسكرية وسيوفر لواشنطن قدرة أكبر على التأثير على أفعالهما". مما سبق، يمكن للقاهرة أن تستثمر في الشكوك الأميركية تجاه الإسلاميين، وأن تعمل على توحيد المصلحة العامة بينها وبين واشنطن، والتي ترى أنه مازال هناك بعض فوائد من دعم الإسلاميين، وأن التماهي مع مصر والسعودية والإمارات في سياستهم الرامية إلى القضاء على مظاهر الإسلام السياسي في المنطقة قد ينتج عنه استقلالية تامة في سياسات هذه الدول تعارض مصلحة الولاياتالمتحدة. ولكن بموازاة ذلك فأنه من الملاحظ خلال الأسابيع الماضية، وخاصة في اللقاءات الاعلامية وكلمات رؤساء ومندوبي الدول العربية الثلاثة في دورة الأممالمتحدة أو على هامشها صبت في التركيز على مبدأ الشراكة بشروط، ففي النهاية تضمن الأنظمة التقليدية الاستقرار والأمن الذي يؤمن تدفق النفط وحرية الملاحة في الممرات الملاحية الدولية، وأن المشاركة في الحملة الاميركية العسكرية الجديدة على المنطقة ممكنة ولكن وفق شروط وفوائد سواء سياسية أو عسكرية، ترتبط بالصراعات الاقليمية الحالية، والذي يحتل الأولوية فيها حالياً محاصرة ما تبقى من نفوذ الإخوان من تونس غربا وحتى اليمن شرقاً.