أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أول أمس عن استراتيجية الولاياتالمتحدة في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، تلا ذلك مؤتمر في جدة بالسعودية بمشاركة حلفاء واشنطن في المنطقة خرج بتوصيات على ضوء خطاب أوباما الذي حدد الخطوط العريضة حول الكيفية والحلفاء والمُبعدين من تحالف الحرب على "الدولة الإسلامية, بثقة منبعها الأول محاولة الرد على منتقديه في الداخل الذين رأوا أن الولاياتالمتحدة فقدت قيادتها للعالم وتراجعت سياستها في عهد إدارته، وثانياً البرهنة للحلفاء والأعداء أن الولاياتالمتحدة لاتزال صاحبة اليد العليا -الغليظة- في إقرار مستقبل منطقة الشرق الأوسط, على أساس مرتكزات المصلحة الأمريكية الاستراتيجية كما كانت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وحرب الخليج الثانية والتي تتمثل في:هيمنة تامة على مقدرات المنطقة الاقتصادية والنفطية على وجه الخصوص، وأمن إسرائيل، وضمان سلامة الملاحة في الممرات الملاحية. ولضمان تحقيق ذلك وجب تواجد عسكري في المنطقة وتحالف مع انظمة حليفة لواشنطن. مقدمات ونتائج بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، اتجهت الولاياتالمتحدة بدافع من صعود اليمين المحافظ إلى تحويل تواجدها العسكري من ضمانه لمصالحها وضمان لبقاء الأنظمة الحليفة لها في الخليج إلى قوة احتلال وهيمنة من بوابة "الحرب على الإرهاب" وهو الأمر الذي أدى إلى استنزاف واشنطن على مدى مايزيد عن ثماني سنوات، فبدلاً من أن تتحقق المصالح الأمريكية عن طريق حلفاءها وأتباعها وتواجدها العسكري في قواعد الخليج، تورطت واشنطن في سردية حرب لا تنتهي في مستنقعي العراقوافغانستان. وأيضاً اصطدمت بقوى صاعدة مؤثرة اقليماً، في إيران وحلفاؤها في لبنانوسوريا، فيما عرف بمحور المقاومة، والذي أفشل مبكراً مشروع "الشرق الأوسط الجديد" في حرب 2006. لتتجه السياسة الأمريكية إلى تكتيك جديد رمى إلى الاستفادة من تيارات الإسلام السياسي "المعتدل" في عدة محاور؛ أهمها تسوية القضية الفلسطينية وإنهاء المقاومة المسلحة للمشروع الصهيوني. وسيطرة الإسلاميين المعتدلين على الخطاب الجهادي التكفيري ونشر قيم "الديمقراطية الأميركية" بنسختها الإسلامية "المعتدلة"، وهو ما يضمن تراجع وانتهاء استنزاف واشنطن لقوتها العسكرية والاقتصادية في حربها ضد الإرهاب. وأخيراً ضمان ولاء هذه القوى بوصولها عند وصولها إلى الحكم، مما يحفظ المصالح الأميركية دون الحاجة إلى احتلال عسكري. في سبيل ذلك، وعكس خلفه جورج دبليو بوش، أتى باراك أوباما ليعلن أن من أولوياته إيقاف نزيف قواته وانسحابه من افغانستانوالعراق، ولضمان إتمام ذلك اتخذت ادارته عدة إجراءات وخطوات سياسية منها التمهيد اقليمياً للقوى الإسلامية الصاعدة بعد الانتفاضات العربية في تونس ومصر، والتي تم إعادة تدوير زوايا الاستفادة منها اميركيا، وإعادة توظيفها حسب ابجديات السياسة والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، خاصة مع بداية فشل واشنطن من الاستفادة المطلقة من "الربيع العربي" بسبب ما حدث في مصر في الثلاثين من يونيو2013، وفشل إسقاط النظام السوري بعد ثلاث سنوات من إطلاق يد حلفاء الولاياتالمتحدة في دعم التنظيمات الإرهابية ورعايتها بالمال والسلاح والإعلام. اختصاراً يمكن القول ان الفترة الماضية كانت فترة لملمة فوضى"الربيع العربي" الذي أدى في النهاية إلى داعش وأخواتها، وتعريض المصالح الرئيسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط للخطر، وتعاظم دور حلفاء وأعداء الولاياتالمتحدة على حد سواء في المنطقة بسبب رهانات إدارة أوباما الخاسرة على جماعة الإخوان، مما جعل مسألة قيادية الولاياتالمتحدة للسياسة العالمية محل تساؤل، وعَرض إدارة أوباما لانتقادات تمحورت حول تراجع الدور الأمريكي ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن على مستوى العالم أيضا، في آسيا وشرق أوربا. وفي سبيل استعادة هيمنة وهيبة الولايات المتحد، شرعت الإدارة الأميركية منذ شهور إلى رسم الخطوط العريضة لاستراتيجية الولاياتالمتحدة تجاه المتغيرات في العالم، فشكل خطاب أوباما في الاكاديمية العسكرية في ويست بوينت قبل شهرين بداية رسم هذه الاستراتيجية، حيث شدد على أن مهمة إدارته القادمة التأكيد على هيمنة وسطوة الولاياتالمتحدة وواقع امكانية استخدامها القوة العسكرية من أجل ذلك، ولكن بالتعاون مع حلفاءها على مستوى العالم. ويعتبر الخطاب الاستراتيجي لأوباما وقتها أساس ما صرح به فجر أمس عن استراتيجية بلاده لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي كان بمثابة بداية التطبيق العملي للإستراتيجية التي حدده في خطاب ويست بوينت، ولكن وكعادة السياسة الأمريكية تعمل واشنطن على تحقيق أكثر من هدف والاستفادة من الواقع وتوظيفه لصالحها، فتجعل "الدولة الإسلامية" حصان طروادة لتحقيق ما فشل بحروب الوكالة (2006) أو الاستفادة من "الربيع العربي" وما تلاه من جانب حلفاؤها في الخليج حاولوا إصباغها بصبغة طائفية، وأخيراً –كلاكيت للمرة الثانية- الحرب على الإرهاب! حرب فرض هيمنة وتقاسم نفوذ مع الحلفاء الإقليميين تحالف الولاياتالمتحدة وحلفاءها في المنطقة، دون إشراك سوريا التي عانت لسنوات من صنيعة الولاياتالمتحدة وحلفاءها، يدل على أنه ليس تحالف للحرب على الإرهاب، بل محاولة تدخل مباشر بدل من الحرب بالوكالة التي فشلت على مدار ما يزيد الثلاث أعوام من فرض واقع جديد للبلدان العربية وعلى رأسها سوريا يضمن استمرارية الهيمنة الأميركية. بدليل رفض ألمانيا وفرنسا وبريطانيا للمشاركة في ضرب "الدولة الإسلامية" في سوريا، وذلك إن دل على شيء فأنه يدل على أن هذه الدول التي اضحت مهددة بخطر تمدد الإرهاب إليها، لا ترى في استراتيجية اوباما الجديدة نية حقيقية في ضرب الإرهاب فقط، ولكن طموح إلى زيادة النفوذ الأميركي وخدمة مصالح واشنطن. المفارقة أن المثلث الذي ساهم وعزز ودعم داعش وأخواتها (تركيا، قطر، السعودية) هو من ينبري الأن في جدة لبحث سبل مكافحة صنيعتهم! أو بعبارة أدق: يبحثون المقابل والمكسب والخسارة من حرب بقيادة امريكية جديدة على المنطقة هدفها إعادة ترتيب المنطقة فيما يخدم مصلحتها، وكذلك مصلحة حلفاؤها..فلكل مأربه وأهدافه، وأن استدعى ذلك إعادة ترسيم حدود جديدة، لشرق أوسط جديد. فعلى سبيل المثال تسعى تركيا لتعويض خسارتها الخارجية، وإعادة الاعتبار لها كقوة إقليمية، وربما يمتد الأمر إلى تحقيق طموح تركي قديم باستيلائها على جزء من مدينة الموصل، أو ضمانة دولية وإقليمية بحل للمشكلة الكردية التي تمثل قنبلة موقوتة، خاصة وبعد أن سيطر الأكراد على مساحات شاسعة في سورياوالعراق، تمهيداً لوطن قومي لهم. السعودية التقطت أنفاسها خلال الستة أشهر الماضية، لتعود إلى مربع "إسقاط نظام الأسد"، فبعد صمت عن هذا الهدف في الشهور السابقة على خلفية تعملق تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي أصبح يهدد مصالحها وحدودها، تعود الرؤية "البندارية" –نسبة إلى بندر بن سلطان- إلى واجهة السياسة السعودية، فلا تفاهم ولا تقارب مع إيران أو سوريا وتصميم على إسقاط نظام الأسد، فأخيراً تلاقت رؤية السعودية مع الولاياتالمتحدة، بعد تعثر المفاوضات النووية مع إيران، حيث كان الخلاف الرئيسي بين الرياضوواشنطن هو تضمين إيرانوسوريا في حلف محاربة "الدولة الإسلامية"، وهو ما يعني أن قتال الدولة السورية والتنظيم الإرهابي كان أساس التحالف والوفاق السعودي الأمريكي. ويعني اضعاف إيران وحلفاؤها على مستوى المنطقة وهو ما يخدم الرياض بالدرجة الأولى، والتى عانت من شوكة حلفاء طهران في بغداد، ومن الحوثيين في اليمن. فوصل توافق الرياض مع واشنطن إلى حد الاتفاق على فتح معسكرات تدريب ل"المعارضة السورية المسلحة المعتدلة". قطر، الدويلة المحاصرة بين ضغوط خليجية وبين تراجع اقليمي بسبب هزيمة الإخوان في مصر، تسعى إلى استرداد نفوذها تدريجياً، وإيجاد منفذ لذلك يتطلب الدخول في هذا التحالف، لما للدوحة من نفوذ وتأثير على جزء كبير من هذه الجماعات. خلاصة القول أن الولاياتالمتحدة تسعى إلى تدخل مباشر بالتعاون مع حلفاءها في المنطقة لتأسيس واقع جديد يؤسس لهيمنة أمريكية بشراكة عربية، وليس بتبعية، فحلفاءها الإقليميين سيترك لهم مساحة أكبر تتلاقى فيها مصالح الطرفين على أساس مواجهة "الخطر الأكبر إيران" على حد وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر الذي صرح منذ أيام أن إيران أكثر خطورة من تنظيم الدولة الإسلامية، التي تمثل حالياً حصان طروادة لعودة الهيمنة العسكرية الأميركية للمنطقة العربية.