فشل تيار اليمين المتطرف ممثلا فى جماعة الإخوان الإرهابية فى السيطرة على مصر بعدما تكشف جرم مسلكهم ودموية فكرهم وعقمه، وما كان خروج الجماهير الغفيرة فى 30 يونيه 2013 إلا دفاعا عن هوية مصر التى كانت مهددة بالطمس والتشويه، ورغبة فى مستقبل أكثر إشراقا وبهجة، خاصة وأن مؤشر الأمل كان قد بلغ ذراه بعد ثورة يناير 2011 العظيمة وأصبحنا جميعا نحلق فى فضاءات من الأحلام والاستشراف للمستقبل الذى نبغيه، وكانت أكثر ملامح هذا الحلم فى نظرى تتجسد فى إمكانية تعايش المختلفين معا وقبولهم لاختلاف الآخر واحترامهم لحقه فى هذا الاختلاف، ولأننا فى مصر المحروسة نصاب دائما بداء عضال يضرب الأجيال كافة، وهو التربص الدائم بالأحلام والسعى لوأدها والحيلولة دون قيام حلم جديد، فإننا مازلنا أسرى الخلاف والفرقة حتى لقد بات الاختلاف جريمة كبرى فى نظر الكثيرين، وبدلا من استعمال العقل والمنطق فى التعبير عن وجهة النظر وفى طرح الرؤى والأفكار أصبح المولوتوف هو أداة التحاور الآن، أضف إلى ذلك التهم الجاهزة والتى تتوزع حسب موقع كل تيار، فنجد التكفير والتخوين والاتهام بالعمالة توزع على الجميع ليل نهار، والكارثة أن أبواقا إعلامية سخرت نفسها لإذكاء نار الفتنة وإحماء أوراها سعيا لخطب ود سلطة ما أو لتنفيذ أجندة تيار يستميت فى استغلال المشاعر الدينية ودغدغتها لاستعادة مكتسباته. وأخطر ما فى الأمر أن الصراع قد امتد إلى الأطفال الصغار فثمة مشهد رأيته بعينى فى الشارع الذى أقطن فيه جعلنى أتخوف بشدة على القادم من أيام، فأمام أحد مراكز الدروس الخصوصية – التى عجت بها البلاد كإفراز لسياسات تعليمية متخبطة وسطحية منذ انفتاح السبعينيات – وقفت مجموعة من الصبية يتضح من شكلهم أنهم فى المرحلة الإعدادية، وكعادة من فى مثل هذه السن كانوا يتشاكسون بصوت عال وينخرطون فى نقاش حاد حول إحدى مباريات كرة القدم، ربما تكون مباراة المنتخب مع منتخب تونس، ووسط الصخب صرخ أحدهم فى وجه زميله قائلا.. "ابقى خلى الانقلاب ينفعكم يا بتوع السيسى" فرد عليه آخر محتدا "مش أحسن منكو يا إرهابيين يا قتله.. الواد دا إخوان يا عيال " ثم تطور الأمر سريعا واشتبك الصغار فى عراك نتج عنه جرح بعضهم وتحطيم واجهة أحد المحلات كما تهشم زجاج سيارة شاء حظ صاحبها العسر أن يضعها فى هذا المكان، والغريب فى الأمر أنهم بعد كل هذا العبث عادوا للوقوف أمام ذات المركز فى انتظار نصيبهم من السوق السوداء للتعليم المصرى الذى ضاعت ملامحه وشوهت بفضل سياسات متخبطة تسعى فقط لاستنزاف الأموال ولنشر ثقافة الكسب السريع والتكريس لقاعدة أن من يملك المال هو فقط الذى يستحق الحصول على التعليم، والغريب فى الأمر أن فرسان هذه المرحلة ونجوم المدارس الخاصة ينتمون لجماعة الاخوان!!، إن مشهد هؤلاء الصبية يعطينا مؤشرا لما يمكن أن يكون عليه المستقبل فى مصر المحروسة لو لم نسعى بإخلاص لإنقاذ بلادنا من جماعات التطرف والقتل، وأن نتخلص من إرث نظام مبارك الذى أفسد مصر ومسخ معالمها خاصة فى مجالى التعليم والإعلام.