التسوية التي انتهت إليها الهبة الشعبية بقيادة الحوثيين تدشن مرحلة جديدة في تاريخ اليمن وهي ترسم معالم توازنات إقليمية سيكون لها انعكاسها الكبير على الوضع الإقليمي ومعادلاته فلطالما اعتبر اليمن حديقة آل سعود الخلفية وقد حاولت المملكة بالفعل أن تكرس هذه الصفة اليمنية طيلة العقود الماضية . أولاً: أظهرت الحركة الحوثية درجة عالية من النضج والدراية السياسية بربط الانتفاضة الشعبية بلائحة أهداف وطنية غير فئوية فجمعت في مطالب الحراك الشعبي الواسع الذي قادته بين البعد السياسي المتضمن إطلاق آلية صارمة لتنفيذ مقررات الحوار والتقدم نحو شراكة سياسية كاملة مع سائر الأطراف والقوى الفاعلة في البلاد وبين الأهداف الاقتصادية الاجتماعية التي تخاطب مصالح السواد الأعظم من الشعب اليمني وطبقاته الفقيرة وتفتح أبواب النهوض باقتصاد اليمن وتنمية واستثمار ثرواته الهائلة وإنهاء مرحلة التسول واقتصاد المساعدات والهبات وفي المحورين السياسي والاقتصادي جسد الحوثيون في قيادتهم للهبة الشعبية نهجا وطنيا جامعا ما أمكن من القوى الحية في البلاد. الحكومة الجديدة التي نص الاتفاق الموقع أمس الأول على تشكيلها ستكون بداية لمرحلة جديدة تمهد لإجراء الانتخابات في مناخ سياسي وشعبي يسمح بإطلاق مسار التغيير استنادا لمعادلة جديدة على الأرض بعدما سددت ضربة قوية لهيمنة القوى الرجعية والقبلية الدائرة في الفلك السعودي ولجماعة الإخوان المسلمين في وقت واحد بما تمثله من رقعة نفوذ قطري وتركي داخل اليمن وكلاهما من دوائر الارتباط بالهيمنة الاستعمارية الأميركية. ثانياً: التصميم على الاحتفاظ بتواجد مسلح منظم من خلال اللجان الشعبية غايته ضمان سير جدول التغييرات السياسية المتفق عليها فذلك التواجد يشكل ضمانة في وجه مخاطر التنصل المعتادة في تطبيق الاتفاقات والتفاهمات السياسية والأكيد أننا أمام مرحلة من الصراع السياسي يتواصل فيها المخاض اليمني ويتبلور أكثر فأكثر توازن القوى الجديد ويبدو ان التحالف المهيأ لتشكيل نواة صلبة في المعادلة السياسية الجديدة سيضم الحوثيين ومجموعة الرئيس السابق على عبدالله صالح والحراك الجنوبي وهذه النواة تمثل ضمانة لوحدة اليمن بجيمع انحائه وترجيحا لخيار الشراكة الحائل دون الاستفراد الفئوي بالسلطة. لكن المؤشرات السياسية التي ظهرت يوم أمس تدلل على عدم تسليم الأطراف الخاسرة وداعميها بالنتائج التي تمخضت عنها الأحداث وقد ظهر انتقالها فورا لتنظيم حملات كثيفة سياسيا وإعلاميا لتسويق اتهام الحوثيين بارتكاب تجاوزات والغاية من الاتهام إضعاف قبضتهم في العاصمة للتهرب من تطبيق ما اتفق عليه. ثالثاً: شكل الصراع اليمني أحد محاور الاستقطاب الإقليمي بين محور المقاومة ومنظومة الهيمنة الاستعمارية الرجعية والخطوة التي تمت في صنعاء تمثل إنجازا كبيرا لشعب اليمن ولمحور المقاومة ورغم محاولة الإعلام السعودي والقطري وضع رصيد هذا التحول ومغزاه في خانة مذهبية فهو خطوة وطنية الطابع سياسية المغزى وجوهرها تسديد ضربة للنفوذ الأميركي ولأذنابه السعودية والأخوانية وتحجيم القوى المعبرة عنه سياسيا دون إلغائها كليا بل ترك مصير هذه المكونات الرجعية وأحجامها في عهدة التصويت الشعبي في الانتخابات المقبلة وتحصين قوى التغيير والإصلاح بمكتسبات شعبية صمم الحوثيون على انتزاعها عبر الضغط الجماهيري الواسع الذي ضموا إليه الملايين في تمرد ثوري كبير حقق اهدافه في زمن قياسي. سوريا وإيران وحزب الله رابحون دون شك بما حصدته الهبة الشعبية اليمنية من ثمار ومعهم يربح العراق وجبهات مكافحة الإرهاب القاعدي في المنطقة وجميع القوى الرافضة للهيمنة الاستعمارية الأميركية.