بينما الوطن العربي ككل مهدد بالتقسيم والتجزئة والانفصالات، بسبب الأزمات السياسية التى وصلت إلى صراعات مسلحة على اختلاف أشكالها فى كل بلد، كان هناك تيار سياسي يمتلك الصوت الأعلى فى التحذير من مخاطر ذلك التقسيم، وضرورة التوحد بين أبناء البلد الواحد، قبل أن تنجح مؤامرات الغرب فى إضعاف المنطقة وجيوشها النظامية وتقسيم الدول إلى دويلات مفتتة. التيار الناصري في الوطن العربي بقيادة الناصريين المصريين كان المعبر عن ذلك الصوت الذي يحذر من التقسيم، ولكن فى الوقت ذاته يشهد ذلك التيار السياسي من داخله موجة من التقسيم والانشقاقات والخلافات تنذر بمزيد من التشتت والضعف، على الرغم من الظروف التى تعيشها مصر وحاجتها إلى حياة سياسية قوية استعداداً للانتخابات البرلمانية. كان حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق الذي ترشح في انتخابات 2012 وحصل على المركز الثالث بما يزيد عن 5 ملايين صوت قد أسس كيانًا سياسيًّا جامعًا غير حزبي باسم "التيار الشعبي المصري"، وكان ذلك الكيان بحسب تصريحات قياداته آنذاك هو كيان يهدف إلى تجميع الحركات والأحزاب السياسية ذات التوجه الناصري واليساري بشكل عام والمؤمنة بأهداف وقيم ثورة 25 يناير مع الاحتفاظ بمواقعهم الحزبية؛ لأن التيار ليس حزباً منافساً ولكنه فقط جبهة تجمع المصريين. عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة التى أقيمت فى مصر في عام 2014 بعد عزل محمد مرسي، فاز عبد الفتاح السيسي برئاسة جمهورية مصر العربية، بينما لم يوفق صباحي في تلك المعركة، فاختار أن يتوارى قليلاً عن المشهد السياسي، فقرر بعض الشباب من التيار الشعبي المصير أن يحولوا التيار إلى حزب، وبدأت الأمور تتحرك في طريقها إلى الأسوأ، حيث شهدت الساحة السياسية مبارزات فكرية بين مؤيدي فكرة تحزب التيار الشعبي من جهة، ورافضي الفكرة وخاصة من حزب الكرامة الشعبي الناصري من جهة أخرى، ووصل الأمر إلى أن كل فريق يتهم الآخر بأنهم أقلية يحاولون الانشقاق عن الجمع، واستمر من يريدون تحويل التيار لحزب فى طريقهم معلنين أنهم سيبدءون حملة لجمع التوكيلات، بينما الآخرون قالوا إن المحافظات ليست مع تلك الفكرة، وإن الجميع يرفض تحول التيار لحزب. علق مجدي عيسى عضو المكتب السياسي لحزب الكرامة، والقيادي فى التيار الشعبي، عن رفضه تحول التيار الشعبي لحزب قائلاً "لا يمكن للورثة التصرف فى التركة دون الرجوع إلى الورثة الباقين" في إشارة منه إلى أن الجميع ورثة التيار، مضيفاً "نحن بمنتهى الوضوح مع حق المجموعة التي كانت في التيار الشعبي أن يؤسسوا حزبًا، فحق تكوين الأحزاب مطلق للجميع، ولكن رفضي لما يحدث من سطو على اسم التيار الشعبي المصري والاستيلاء على ممتلكاته ومقراته وأمواله لصالح هذه المجموعة". وأضاف "عيسى" قائلاً "اسم التيار الشعبي ونضالات كل أعضائه ملكية على المشاع لكل من اشتركوا فيه من أعضاء أحزاب الكرامة والدستور والتحالف الاشتراكي وباقي الأحزاب وغير المنتمين لأي أحزاب، ودماء شهدائه، وتضحيات المصابين والمعتقلين، والأموال والعرق والدموع كلها أشياء لا تقبل القسمة، كما أنها لا تباع ولا تشترى". وأكد القيادي بحزب الكرامة أن أغلب وحدات وقواعد التيار الشعبي رفضت خطوة تحول التيار لحزب، من جانب مجموعة المؤسسين، قائلاً "رغم أن هذا السلوك بحد ذاته سلوك غير ديمقراطي واستعلائي وإقصائي في آن واحد، إلا أنني لا أملك الاعتراض عليهم. وحدهم من يقرروا المضي في خطوتهم، فقط عليهم بالخروج تاركين ممتلكات واسم التيار الشعبي المصري". وأكد حامد جبر عضو مجلس أمناء التيار الشعبي أن غالبية أعضاء التيار الشعبي بالمحافظات يرفضون تحويله إلى حزب، قائلاً "شركاء التجربة والقاسم الأكبر فيها يرون في هذه المحاولة تعمدًا لشق الصف، ولا بد من اتخاذ موقف لإيقاف هذا العبث، من يريد أن يقيم حزبًا فليتفضل بعيدًا عن استخدام اسم التيار؛ فهو إرث حقيقي لا يجوز لجماعة أن تستأثر به". وأضاف "في الوقت الذي خرجت فيه الجماهير تهتف باسم الزعيم جمال عبد الناصر في ميادين مصر، كان من بين الذين يختزلون التجربة في أنفسهم ويحاولون الاستئثار بها من يقولون إن حزب الكرامة ذو مسحة ناصرية، وكأن الناصرية سبة بالمخالفة لرأي الشعب المعلم والقائد، ولن نترك لهؤلاء الاستئثار بما تعبنا فيه وبنيناه". وعلى الجانب الآخر يقول عمرو حلمي وزير الصحة الأسبق ووكيل مؤسسي حزب التيار الشعبي، في تصريحات صحفية، إن شروعهم فى تأسيس الحزب، والإعلان عنه خلال هذه المرحلة، يأتى التزامًا بالشرعية القانونية، والوجود ككيان قانوني، دون الخروج عن الأطر العامة التى تحكم الدولة المصرية خلال هذه المرحلة. وأكد "حلمى" أن مصر فى أحوج الحاجة لأن يكون لها بيت كبير يحتوي الشباب، يعمل على التدريب السياسي والتثقيف لهم، مؤكدًا أنهم تأخروا فى الإعلان عن هذا الحزب نظرًا للظروف السياسية التى مرت بها البلاد. ورفض قيادات حزب التيار الشعبي التعليق على الأمر. وعلى صعيد آخر شهد الحزب العربي الديمقراطي الناصري اعتصاماً من بعض الشباب اعتراضاً على استمرار الحزب على حالته الحالية، وللمطالبة بالإسراع فى إجراء المؤتمر العام واختيار قيادات جدد منتخبين للحزب، بدلاً من الخلاف الدائم الذي يظهر بين فريق سامح عاشور رئيس الحزب حسبما يرى، وفريق محمد أبو العلا رئيس الحزب من وجهة نظرهم. بينما اتهم أبو العلا الشباب المعتصمين باقتحام المقر ومحاولة التعدي عليه، وهو ما جعل النيابة العامة تحقق فى الأمر وتطالب بضبط المتهمين وسؤال موظفي الحزب عن شهاداتهم. التيار الناصري يحذر من خطر تقسيم الوطن العربي بينما يمر أبناؤه بموجة من الانقسامات والتشتت!