«البديل» ترصد وقائع وخطوات غرق العاملين مع غياب وسائل التأمين "النصف اختيار" بين الموت ولقمة العيش، هكذا يصف عمال الصرف الصحي طبيعة عملهم بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت؛ ليواجهوا حتفهم يومًا تلو الآخر، في ظل منظومة الفساد الحاكمة والمكتملة وغياب وسائل التأمين، وهو ما سجلته وقائع غرق العاملين، ورصدته "البديل". فمع صبيحة كل يوم عمل يخرج عامل الصرف يرافقه 3 عمال آخرون في تمام السابعة ليبدأ يومًا شاقًّا بفتح فوهة الخزان أو البالوعة وسط الشوارع والحواري لتنظيفها من الشوائب العالقة، ويأخذ اثنين منهم في النزول داخل البالوعة التي يصل عمق المياه بها إلى 11 مترًا؛ لتكون مهمة أحدهما التسلل داخل الماسورة الرئيسية بباطن الأرض وتنظيفها باستخراج الشوائب التي يضعها الآخر في جردل بلاستيك، فيما ينتظر الاثنان الآخران خارج البالوعة ليسحب أحدهما الجردل المملوء بالشوائب ويلتقطه الأخير ليلقي به على جانب الطريق. خيارات الموت: الغرق أو الاختناق ومن أمام إحدى البالوعات بشارع ببندر سمالوط بالمنيا التقت "البديل" عددًا من العمال بعد غرق اثنين منهم داخل بالوعة الموت، وقال أحدهم ويدعى "أحمد أبو ضيف": "نخاطر بحياتنا بحكم لقمة العيش"، واصفًا طبيعة عمله ب "النصف اختيار" بين الموت غرقًا أو خنقًا بالغاز، وبين 60 جنيهًا أجرًا يوميًّا. خطوات الموت ويستعرض "محمود جمال" خطوات الموت داخل البالوعات، قائلاً: "الخطوة الأولى تأتي عند نزول العامل داخل البالوعة عن طريق سلم خشبي معرض للكسر وحبل سميك معرض للقطع، وتبدأ الخطوة الثانية بدخول العامل داخل ماسورة الصرف لتنظيفها، وكثيرًا ما يحدث أن تخرج الغازات السامة أو تتدفق المياه فجأة؛ ليكون الموت مصيره ومصير مرافقه. أما الخطوة الثالثة فتتمثل في الخروج من البالوعة على السلم الخشبي وبواسطة حبل السحب. ويضيف "جمال": "شاهدت أكثر من 8 حالات وفاة ما بين الغرق والاختناق منذ بداية عملي بالمهنة". وسجلت واقعة خميس فبراير 2013 الخطوة الأولى للموت عندما لقي 3 عمال مصرعهم من قرية "ميانة" بمركز مغاغة بالمنيا عقب سقوطهم فى بيارة للصرف الصحى أثناء بناء "ترنش" بمسكن أحد الأهالي؛ بسبب محاولتهم فك الأخشاب المستخدمة في عملية الصب، فانزلقت أقدامهم، وتم انتشال الجثث لتشييعها لمثواها الأخير. "العمى".. قدر أخف يقول "مرتضي مرزوق": "أصبت بانفصال شبكي بالعين اليمنى أفقدها البصر، كما أجريت عمليتين "مياه بيضاء وزرقاء"، واضطررت لتركيب عدسة طبية بعيني اليسرى التي قاربت على العمى؛ بسبب غازات الصرف، وعندما طالبت المقاول بالتأمين على حياتي لأجل أسرتي، رفض بشدة، وقال نصًّا "ماليش دعوة.. سليم اشتغل تعبان ريَّح". الفساد والإهمال وراء غرق ضحايا سمالوط وفي يوم 26 أغسطس المنصرم، لقي عاملان مصرعهما، وأصيب اثنان آخران بحالات اختناق عقب محاولة إنقاذ الغارقين، وذلك بشارع خالد بن الوليد بمركز سمالوط، وكشفت الواقعة إرثًا من الفساد المالي والإداري والإهمال المتراكم داخل الجهات الحكومية؛ حيث أكد موظف بمجلس مدينة سمالوط ل "البديل"، رفض ذكر اسمه، أن الضحيتين كانا يعملان بالأجر مع مقاول وكلته الشركة التي رست عليها المناقصة، وهو مخالف لقواعد ولوائح المناقصات؛ لكون الشركة بذلك تعمل كوسيط بين الجهة الحكومية المنوط بها تنفيذ المشروع والمقاول الذي وكلته الشركة لإنهاء المشروع؛ لتحقق أرباح فروق القيمة والمبالغ المخصصة للمشروع. وعلى خلفية الواقعة حضرت فرق الإنقاذ النهري وسيارات الإسعاف متأخرة، لتكون النتيجة مصرع "كريم محمد أحمد" (30 سنة) و"هاني الديب محمود" (25 سنة). التأمين وعوامل السلامة.. مطالب العاملين طالب العاملون بتوفير وسائل التأمين والحماية؛ لكي لا يتعرضوا للغرق والاختناق بالغازات السامة، وأهمها "أنبوبة أكسجين– واقي يد – كمامات- بدل غطس"، وكذا التأمين على حياتهم؛ حتى يكون لموتاهم "دية" على حد تعبيرهم. التأمين والحماية لكيلا يتعرضوا للغرق والاختناق بالغازات السامة, وأهمها "أنبوبة أكسجين– واقي يد – كمامات- بدل غطس", وكذا التأمين علي حياتهم حتي يكون لموتاهم "دية" بحد تعبيرهم.