لم تتوقف تطلعات الشعوب للاستقلال وتحقيق حلم الحكم الذاتي عند أي حدود جغرافية أو سياسية، فمن قارة إفريقيا إلى آسيا وصولا لأوروبا وأمريكا الشمالية، تتزايد يوما تلو الآخر مساعي الشعوب الطامحة في الانفصال، اسكتلندا واحدة من هذه المناطق التي تطمح إلى تحقيق الاستقلال عن بريطانيا وتشكيل حكم ذاتي. استفتاء تاريخي اسكتلندا على موعد اليوم مع إجراء استفتاء تاريخي، سوف يحدد مسقبل منطقة شمال غرب أوروبا بأكملها، فضلا عن أن بريطانيا ستكون أكثر الدول تأثرا بنتائج الاستفتاء الذي من المقرر إجراؤه اليوم، استطلاعات الرأي تشير إلى تزايد رغبة المواطنيين في التصويت ب "نعم" خلال الاستفتاء، حيث صارت مسيرة اسكتلندا للاستقلال مصدر إلهام لانفصالي العديد من الدول الغربية، وسيكون تصويت الأغلبية ب"نعم" مؤشرا حاسما لهؤلاء الانفصاليون الذين يعترضون على مفهوم الدولة القومية. جهود منع الاستقلال الحكومة البريطانية بزعامة "ديفيد" كاميرون" تسعى جاهدة منذ عدة أسابيع ماضية لثني المواطنيين عن رغبتهم في الاستقلال، نظرا لإنعكسات تلك الخطوة على نفوذ بريطانيا ومكانتها بين دول غرب أوروبا، بجانب الأثار الاقتصادية التي ستترتب على نتائج الاستفتاء، حتى أن "كاميرون" دعا الاسكتلنديين الأسبوع الماضي لعدم التصويت ب"نعم"، حفاظا على وحدة العائلة المالكة وعدم تفتتها، لا سيما وأن بعض الصحف الأمريكية والفرنسية أجمعت على أن مستقبل رئيس الحكومة البرياطينة السياسي مرهون بنتائج هذا الاستفتاء. العديد من الصحف الفرنسية، رأت أن مصير عدة أقاليم أوروبية مرتبط بنتائج استفتاء اسكتلندا، موضحة أنه حال تفوقت نسبة تأييد الاستقلال على الرفض، فإن هذا الأمر سوف يفتح الباب على مصراعيه أمام العديد من الأقاليم الأوروبية الطامحة للاستقلال والسير على نهج اسكتلندا في الاستقلال عن بريطانيا. الأبعاد السياسية يتوقع العديد من السياسيين البريطانيين أن وضع المملكة داخل الأممالمتحدة والمحافل الدولية سوف يتأثر كثيرا بنتائج الاستفتاء المتعلقة باستقلال اسكتلندا، حيث حذر رئيس وزراء بريطانيا الأسبق "جون ماجور" من أن المملكة المتحدة قد تكون مضطرة لترك مقعدها في مجلس الأمن بالأممالمتحدة، إذا ما جاءت نتيجة الاستفتاء مؤيدة لاستقلال اسكتلندا، وقال ميجور "سوف نفقد مقعدنا على الطاولة الأعلى في الأممالمتحدة انعكسات اقتصادية مخاطر استقلال اسكتلندا عن بريطانيا سوف تشمل عدة مجالات أبرزها السياسي والاقتصادي، حيث نتائج هذا الاستقلال بعد ما يزيد عن 3 قرون من الاتحاد بين اسكتلندا وبريطانيا ستكون خطيرة، وستؤدي إلى تراجع مكانة بريطانيا الاقتصادية وهروب الاستثمارات من بريطانيا، فضلا عن أن هذا الاستقلال قد يمنح اسكتلندا نفوذا مستقلا داخل الخريطة الدولية. النفط الذي يوجد في بحر الشمال يمثل بعدا آخر لخطورة استقلال اسكتلندا عن بريطانيا، حيث يوجد في هذه المنطقة نحو 84% من احتياطات النفط البريطاني، ما يعني أن هذه الكميات ستكون تحت قبضة اسكتلندا ولا يوجد خلاف على ملكيتها حال استقلال اسكتلندا بعد الاستفتاء. المنظمات والمحافل الدولية يثير استقلال اسكتلندا عدة أسئلة حول امكانية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، الذي سينعكس أيضا على قيمة الجنية الإسترليني وتزايد الضرائب في بريطانيا نتيجة غياب الريع النفطي بعد استقلال اسكتلندا وبسط نفوذها عليه، أضف إلى ذلك إمكانة إثارة الحديث عن وضع بريطانيا داخل الأممالمتحدة كواحدة من الدول الخمس دائمة العضوية. في العلوم تأثير استقلال اسكتلندا عن بريطانيا سوف يطال الجانب البحثي والعلوم بشكل عام، أكد وزير الجامعات والعلوم البريطاني "جريج كلارك" الجمعة الماضية أن استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة سيكون "مأساة حقيقية" للعلوم. وفي حديثه خلال المهرجان البريطاني للعلوم في جامعة برمنجهام، قال كلارك "الجامعات والمؤسسات الاسكتلندية حققت نجاحًا كبيرًا في جذب تمويل البحوث"، مضيفا "إنهم يقومون بعمل رائع، ويحدوني أمل كبير لمصلحة العلم ومكانة العلم في المملكة المتحدة أن يبقوا معنا." واعترف لاحقا بأنه "لا أحد يعرف" كيف يمكن عمليا أن تنفصل اسكتلندا عن نظام البحوث الإنجليزية، فضلا عن أن كثير من رواد العلوم المختلفة من الاسكتلندنيين كانوا ينتسبون إلى بريطانيا قبل ذلك، فماذا لو تم استقلال اسكتلندا.