مع طول الحرب على قطاع غزة، يستشعر الكثيرون أن هذه الحرب لم تندلع عفوياً هكذا بعد حادث اختطاف حماس للثلاث مستوطنين الإسرائيليين (حسب الرواية الإسرائيلية)، فالأمر يبدو مخططاً له منذ فترة، وأن الأهداف المعلنة من جانب إسرائيل ليست هي الأسباب الحقيقية فقط وراء هذا الهجوم الطويل والضخم الذي أسفر عن سقوط المئات من الشهداء والمصابين العزل، واختلف الباحثون والمحللون حول من بدأ وخطط لهذه الحرب، هل هي حماس أم إسرائيل، وما تداعيات هذه الحرب على كلا الجانبين الأن وفي المستقبل، في ظل تغيرات موازين القوى التي تشهدها المنطقة، من خلال السطور القادمة سنحاول توضيح أهداف إسرائيل وراء هذا الهجوم الكاسح، وما هي الأسباب الاستراتيجية التي دفعتها لدخول هذه الحرب. 1- اختبار ولاء ودعم أمريكا: يبدو أن المفاوضات الأخيرة بين إيران والغرب وعلى الوجه الخصوص أمريكا، حول البرنامج النووي الإيراني خلق قلقاً متصاعداً عند القادة الإسرائيليين حول الدعم والولاء الغربي لها، فطالما اعتقدت إسرائيل بجدوى الحل العسكري مقارنة بالحلول الدبلوماسية التي تتبعها أمريكا، لهذا شرعت إسرائيل بالهجوم على غزة في محاولة منها لهدم محاولات الصلح والتهدئة بين إيران والغرب، وفي نفس الوقت تقيس دعم أوباما والكونجرس لها، فهل ستقف أمريكا بجانب إسرائيل في حربها على غزة وهل ستدعمها سياسياً وعسكرياً ومالياً، يبدو أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية يشوبها الكثير من المشاكل، فرغم موافقة الكونجرس الأمريكي في 2 أغسطس الماضي على تخصيص 225 مليون دولار لتمويل منظومة القبة الحديدية الدفاعية لاعتراض الصواريخ التي تطلقها حماس على اسرائيل قبل وصولها الى اهدافها، حسب رويترز، إلا أنه مؤخراً قامت وزارة الخارجية الأمريكية بوضع سياسة جديدة بشأن شحنات الأسلحة إلى إسرائيل وخضوعها إلى مزيد من التدقيق بسبب القلق إزاء العدد الكبير من الفلسطينيين الوفيات بين المدنيين، فلهذا قامت أمريكا بتعليق صفقة الأسلحة المتفق عليها مسبقلاً والتى كانت تشمل شحنة من صواريخ من طراز "هيلفاير"، والتى يتم تركيبها على الطائرات المروحية كجزء من القرار الأمريكى فى تحجيم تجارة الأسلحة التى ستستخدم فى غزة، حسب روسيا اليوم، لهذا يبدو جلياً ان إسرائيل تواجه العديد من لمشاكل مع ولاء ودعم أمريكا والمجتمع الدولي لها، مما يجعل إسرائيل تستبعد الحل العسكري مستقبلاً أمام إيران، فإسرائيل لا تمتلك قواعد قريبة من إيران أو حاملات طائرات تساعدها على إطلاق قصف جوي شامل بمقدوره أن يقوض قدرات إيران النووية وحدها، فبدون الدعم الأمريكي والعالمي سرائيل، لن تستيطع الإقدام على هذه الخطوة. 2-عرقلة الجهود الدبلوماسية لإيران: في ظل قيام إيران مؤخراً بانتهاج سياسة خارجية أكثر مرونة وإظهار تصميم من جانبها لإيجاد حل وتسوية للملف النووي الإيراني،تصاعد القلق من جانب القادة الإسرائيليين الذين طالما بحثوا عن طرق لتقويض قدرات إيران السياسية والعسكرية.إن الهجوم على غزة بدون شك يضع إيران في أزمة، فإذا سكتت إيران ولم تتخد خطوة وموقف حقيقي تجاه الاعتداء على غزة، سيهتزموقفها أمام الحلفاء الأخرين في المنطقة مثل حزب الله، بالإضافة إلى اهتزاز صورتها أمام الجمهور العربي والإسلامي المتعاطف معها،ومن ناحية أخرى، إذا اتخذت إيران خطوة حقيقية تجاه الاعتداء الإسرائيلي على غزة فهذا من شأنه أن يؤثر على سير المفاوضات بين إيران والغرب بخصوص الملف النووي الإيراني في المستقبل، مما سيدفع إسرائيل لمحاولة إجبار أوباما على اتخاذ خطوات أكثر شدة أثناء المفاوضات مستقبلاً، وفي هذه الحالة سيظهر الكثير من العقبات أثناء محاولة الوصول لاتفاق يرضي الجميع، وستنهار المفاوضات والحلول الدبلوماسية التي تتخذها أمريكا سياسة لها في التعامل مع الشأن الإيراني ولن يتبقى إلا الحل العسكري الذي تتوق إليه إسرائيل ولا تستطيع أن تقوم به وحدها. 3-تدمير قوة حماس بسبب محاولات السعي الحالية لإيجاد حل بين إيران والغرب، وبسبب السياسات التي يتبعها روحاني في محاولة خلق صورة جديدة لإيران عند دول الخليج لتحسين العلاقات بينهم، شعرت إسرائيل بتهديد جديد، فمن شأن خلق علاقات جيدة بين إيران وبين دول المنطقة أن تعزز من قدرات المقاومة الفلسطينية سواء السياسية أو العسكرية، فلهذا قامت إسرائيل بضرب غزة في محاولة منها لتقويض قدرات المقاومة الفلسطينية الحالية، خصوصاً قبل أن تشرع إيران في بناء علاقات جيدة مع الدول العربية وخصوصاً دول الخليج، فإسرائيل تواجه تهديد أن تطور الإدانة العربية للإعتداء الإسرائيلي على غزة الموجودة الأن إلى مقاطعة سياسية واقتصادية مستقبلاً، لهذا كان ضرب غزة الأن هو أنسب وقت بالنسبة لإسرائيل، حتى تقوم بإضعاف نفوذ إيران في المنطقة. 4- منع عزلة إسرائيل لم تكن إسرائيل راضية عن الصلح بين حماس وفتح والذي عقد في أبريل 2014 بعد سنوات من الانقسام، والذي كان سبب في تشكيل حكومة الوفاق الوطني، إسرائيل في الحقيقة خائفة من أن هذا الصلح يؤدي إلى فقدان ثقلها وإضعاف موقفها في محادثات السلام لاحقاً، لهذا حث نتنياهو الرئيس الفلسطيني محمود عباس على "تمزيق" اتفاقه مع (حماس) وقال إن إسرائيل لن تشارك في محادثات سلام مع حكومة فلسطينية تدعمها الحركة الإسلامية. وفي ظل رفض إسرائيل، وافقت القوى العظمى مثل أمريكاوروسيا والصين والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على التعامل مع الحكومة الجديدة، لهذا وجدت إسرائيل نفسها وحيدة أمام المجتمع الدوي والمشهد السياسي العالمي، لهذا إسرائيل لم يكن لها خيار تحت هذه الظروف إلا أن تقوم بضربة عسكرية لتخرج نفسها من العزلة السياسية ولتكسر الوحدة الفلسطينية وتضع المصالحة على المحك.