إيران والغرب .. شبح الحرب وأوهام الحسابات الخاطئة! عبدالمالك سالمان الأمر المؤكد ان آخر ما تحتاج إليه هذه المنطقة هو اندلاع حرب جديدة، وهذه الحقيقة لا بد من التشديد عليها في ضوء حمى التصريحات النارية التي تخيم على سماء المنطقة في هذه الآونة بسبب تداعيات أزمة الملف النووي الإيراني، وكثرة السيناريوهات التي تتحدث عن قرب شن حرب اسرائيلية أو أميركية اسرائيلية مشتركة لتدمير المفاعلات النووية الايرانية، وإجهاض أي طموحات إيرانية محتملة لصنع القنبلة النووية. ويقابل ذلك تصريحات إيرانية ملتهبة من مستويات عسكرية وسياسية ودينية تؤكد القدرة على صد أي هجوم ضد إيران وتدمير قوات الأعداء واشعال الفوضى النارية في عموم المنطقة، بما في ذلك التهديد "بحرق اسرائيل". وبالطبع، فإن هذه اللغة الحربية لا تبعث على الاطمئنان رغم ان الكثيرين يعتبرونها بمثابة مناورات سياسية وعسكرية، وانها في واقع الأمر قد تكون مجرد دخان يخفي وراءه جهودا لتحقيق انفراج سياسي والتوصل إلى نوع من التسوية السياسية التي تبعد شبح الحرب وتنزع فتيل التفجير، وانه ربما تتم في الوقت الراهن مفاوضات أميركية إيرانية سرية لرسم ملامح الصفقة المقبلة. غير أننا لا نريد أن نعلق الآمال على مثل هذه التكهنات، ونريد تأكيد عدد من النقاط المحورية لأن مصير هذه المنطقة، ومصير الأمن والاستقرار في العالم لا يحتمل الاستغراق في هذه اللغة النارية، وحان الوقت لتحرك عالمي حقيقي لنزع فتيل الأزمة وإبعاد شبح الحرب عن المنطقة وتفادي الحسابات الخاطئة أو الحمقاء التي قد تؤدي إلى وقوع المحظور في أية لحظة. وفي هذا السياق، فلعل من المهم تأكيد النقاط التالية: أولا: أن كثيرا من المتفائلين بعدم اندلاع الحرب يبنون حساباتهم على ما يصفونه بميراث العقلانية السياسية الايرانية الذي يرتكز إلى تجربة حضارية عريقة موغلة في القدم، عرف عنها البراعة في ممارسة اللعبة السياسية، واستخدام تكتيكات الكر والفر بمهارة تقود في النهاية إلى بلوغ الأهداف الاستراتيجية دون الحاجة إلى الوقوع في براثن الكارثة. ولهذا، يصف بعض المحللين السياسيين الدبلوماسية الايرانية بأنها "أذكى دبلوماسية في المنطقة"، وفي ضوء ذلك يعتقد أمثال هؤلاء ان العقلانية السياسية والدبلوماسية الذكية لإيران ستمكنها في نهاية المطاف من تفادي كارثة الحرب، لأن الحرب في النهاية ستكون دمارا لإيران ولغيرها من شعوب المنطقة، ولا مصلحة لشعوب المنطقة، ولا لإيران ذاتها في الوصول إلى مثل هذه النتيجة الكارثية. ومثل هذا التحليل يقوم على الاستقراء، والاعتقاد بقدرة السياسة الايرانية على اجراء حسابات سياسية واستراتيجية دقيقة لعموم المواقف السياسية والاستراتيجية لقوى الغرب والولاياتالمتحدة واسرائيل أيضا. وان ايران تمارس دبلوماسية "حافة الهاوية" بالتصعيد المتواصل مع الغرب فيما يتعلق ببرنامجها النووي بما يمكنها في نهاية المطاف من تحقيق أعظم مكاسب سياسية واستراتيجية عندما تحين لحظة التسوية السياسية . ورغم سلاسة مثل هذا التحليل، إلا ان شكوكا كثيرة تعتريه، فإذا كان للدبلوماسية الايرانية من براعة وللعقلانية السياسية لحكام طهران من دهاء في تعظيم المكاسب الايرانية، فالأمر المؤكد ان اللحظة الراهنة تشكل ساعة المحك الحقيقي للكشف عن مدى دقة الحسابات السياسية لايران. فإذا لم تستغل طهران الرغبة الدبلوماسية الأوروبية في الوصول إلى حل دبلوماسي للأزمة عبر صفقة "عرض الحوافز" ومحاولة التجاوب معها بشفافية ومرونة عقلانية واضحة، فربما تكون إيران قد أضاعت الفرصة التاريخية لإظهار مهارة عقلانيتها السياسية وذكاء أو دهاء بلوماسيتها. فإذا أخفقت طهران في تحقيق نتائج ايجابية من التفاوض حول عرض مجموعة الدول الستة الكبار (5+1)، التي تشكل الاعضاء الدائمين في مجلس الأمن، بالإضافة إلى المانيا، فستكون ايران قد ارتكبت أكبر الحماقات السياسية في التاريخ. لأنه بإخفاق هذه المفاوضات مع المبعوث الاوروبي خافيير سولانا، سيكون الطريق مفتوحا للخيار العسكري، وستجد القوى الكبرى من الذرائع ما يكفي لشن أي عمل عسكري ضد ايران، وتأكيد انها دولة مراوغة لا تتمتع بالمصداقية، وتخفي خططا سرية من أجل بلوغ هدف التسلح النووي، وانها لا تحسن سوى المناورة والمراوغة إلى ما لا نهاية. لذلك، فليس من المبالغة القول ان ايران قد باتت بالفعل أمام ساعة مواجهة الحقيقة، فإما ان تستثمر الفرصة المواتية التي يوفرها عرض الحوافز الذي قدمته الدول الست الكبرى والحصول على مخرج كريم من الازمة، واما ان تخطئ الحساب وتقود نفسها إلى مواجهة مدمرة حيث لن تجد لها حلفاء في العالم يخوضون معها مغامرة المواجهة مع القوى الكبرى في العالم. لهذا نعود ونكرر انه اذا كانت هناك أرضية واقعية للأفكار التي تتحدث عن العقلانية السياسية والنزعة البراجماتية والدهاء الدبلوماسي لدى ايران، فإن التعامل مع عرض الحوافز سيكون هو الفيصل للحكم على ذلك. علما بأن عرض الحوافز قد يفتح المجال لمفاوضات مباشرة بين أميركا وايران، طالما تطلعت إليها إيران، ولكن السؤال: هل طهران على استعداد لاتخاذ مواقف سياسية جريئة تمكنها من استغلال هذه الفرصة، بما يجنبها الحرب والاستفادة من عرض الحوافز الغربية أو تطويره على نحو ايجابي يمنع في نهاية المطاف تدمير كل ما سعت ايران لتحقيقه على مدى سنوات. هذا هو السؤال الذي ينتظر الإجابة من حصاد مفاوضات ايران مع المفوض الأوروبي للعلاقات الخارجية خافيير سولانا، قبل وصول القوى الكبرى الست إلى قناعات باليأس من الوصول إلى أي تفاهم مع ايران في ظل استمرارها في أساليب المراوغة والمناورة وعدم الوضوح والتردد البادية حتى الآن. ثانيا: إن أكثر ما يخشاه المتابعون للسياسة الايرانية هو العواقب الوخيمة لطغيان الطابع الايديولوجي والفكر العقائدي على توجهات النخبة الحاكمة حاليا في ايران، حيث يقود الرئيس الايراني أحمدي نجاد خطابا سياسيا مفعما باللغة العقائدية البعيدة عن الاعتبارات السياسية العملية، ويصر على اعتبار هذه القناعات الايديولوجية التي تتحدث عن حتمية انتصار الثورة الايرانية، وحتمية زوال اسرائيل، وقرب انهيار الامبراطورية الاميركية، بمثابة حقائق مطلقة يجب الإيمان بها وبناء السياسات العملية والواقعية انطلاقا منها. ومخاطر هذا الخطاب العقائدي الايديولوجي والدعائي انها يمكن أن تقود إلى تضخيم القدرات الذاتية واعتبار القوة الاستراتيجية والسياسية والمعنوية الايرانية قد بلغت مستويات لا يمكن دحرها، وبالمقابل يسود اقتناع آخر بالتهوين من شأن القدرات العسكرية والاستراتيجية لكل من أميركا واسرائيل والاستهانة بهما، مما قد يقود تاليا إلى الوقوع في براثن الأوهام وأخطاء الحسابات الاستراتيجية التي تقود إلى كارثة عسكرية واستراتيجية تاريخية لا يمكن تداركها. فيجب التذكير على الاقل، بأن كلا من أميركا واسرائيل هما قوتان نوويتان بالفعل، ويمتلكان ترسانات هائلة من القنابل الذرية والصواريخ المحملة بالرؤوس النووية، في حين ان ايران ما زالت تخوض تجارب ضارية من أجل الوصول إلى نجاح كامل في عمليات تخصيب اليورانيوم ولم تتمكن بعد من صنع أول قنبلة نووية. وفي ضوء ذلك، فإن توهم امكانية تحقيق الانتصار على قوتين نوويتين في صراع يدور حول "القوة النووية"، في وقت لا تمتلك فيه ايران حتى الآن الرادع النووي، إنما هو اتجاه في التفكير يدخل في باب التخبط السياسي وعدم العقلانية. وفي هذا السياق، فإن توهم عدم استعداد كل من أميركا واسرائيل لاستخدام الاسلحة النووية في مثل هذه المواجهة المصيرية، سيكون خطأ فادحا لا يغتفر للقيادة الايرانية. وفي هذا الإطار، نشير فقط إلى التقارير التي تحدثت عن نقل أميركا لصواريخ وقنابل نووية تكتيكية إلى قواعدها في المنطقة وخاصة في قاعدة "انجليرك" التركية، بالإضافة إلى ما تحمله حاملات الطائرات الاميركية في المنطقة بالفعل من أسلحة نووية. ان ما نريد التأكيد عليه، هنا، بالنسبة للقيادات السياسية والعسكرية الايرانية التي فيما يبدو تعلق آمالا كبيرة على الصواريخ الايرانية بعيدة المدى من طراز "شهاب 3" وما شابه ذلك، وقدرتها على استخدامها في ضرب القواعد والبوارج الاميركية في المنطقة وإحداث بالغ الاذى والضرر بها أو ضرب العمق الاسرائيلي بالصواريخ بعيدة المدى التي يبلغ مداها ما بين 1500 كيلومتر وألفي كيلومتر، أن كل ذلك قد يشكل في نظرنا قوة ردع في الوقت الراهن بالنسبة لإيران، يمكن توظيفها في المناورة السياسية ومحاولة الحصول على مكاسب في المفاوضات مع الغرب. ولكن، هذه القوة الصاروخية الايرانية سوف يتم اختبارها ميدانيا إذا اندلعت الحرب، وقد يتم اكتشاف ضآلة القوة التدميرية لهذه الصواريخ وعدم قدرتها على تحقيق ما راهنت عليه القيادة الايرانية وعلقت عليه الآمال الكبار في بث الرعب في صفوف الأعداء، وفي هذه الحالة سيكون الموقف الايراني بالغ الضعف استراتيجيا وستكون الخسائر الايرانية بالغة الضرر. وفي هذا السياق فلابد من تذكير القيادة الايرانية قبل فوات الأوان بالحقيقتين التاليتين: الحقيقة الأولى: ان من يخططون لضرب المفاعلات النووية الايرانية سواء في أركان القيادة العسكرية في أميركا أم اسرائيل، قد وضعوا في اعتبارهم منذ اللحظة الاولى ان تشمل الضربات العسكرية بالاضافة إلى ضرب المفاعلات النووية الايرانية، ضرب أكبر كمية من القواعد الصاروخية الايرانية أيضا بهدف اجهاض القدرة الايرانية على الرد الصاروخي الفعال واضعافها إلى أبعد مدى، أي ان ايران قد لا تكون قادرة بعد الضربة العسكرية الاولى على الرد بقوة صاروخية هائلة كما تتوعد في الوقت الراهن، وسيقود ذلك إلى انكشاف استراتيجي خطير بالنسبة لايران. والحقيقة الثانية: انه إذا تمكنت الصواريخ الاستراتيجية الايرانية من النجاة من الضربة العسكرية الاولى، واستطاعت ايران فعلا اظهار قدرات عالية على الرد والهجوم بكثافة صاروخية ضد الاهداف الاميركية أو في قلب اسرائيل، فربما لا يتأخر الرد الأهوج والمتهور الاميركي أو الاسرائيلي في استخدام صواريخ محملة برؤوس نووية لضرب الاهداف الايرانية، لأن المعركة في نظر صقور الحرب في كل من واشنطن وتل أبيب لا تحتمل أي مهادنة أو تهاون، وهي مباراة صفرية لا تعرف الحلول الوسطى، أي ان الهدف سيكون إنزال هزيمة ساحقة بإيران. أي ان ايران ستفاجأ بهمجية الهجمات الصاروخية الاميركية أو الاسرائيلية التي تستخدم أسلحة نووية تكتيكية بهدف سرعة إنزال الهزيمة بالنظام الايراني وتدمير قدرته على الصمود واجباره على الاستسلام على الطريقة اليابانية في الحرب العالمية الثانية، بهدف انهاء المعركة سريعا وسحق القدرات الايرانية الدفاعية في أسرع وقت ممكن. فهل تضع القيادات الايرانية العسكرية والسياسية هذه التصورات في أذهانها وهي تواصل تحدي قوى نووية معروف عن تاريخها عدم التورع عن استخدام أعتى أساليب العدوان والوحشية وعدم احترام المواثيق والقوانين الدولية أو الروادع الأخلاقية في الحرب؟!. ثالثا: إننا نأمل ان تكون القيادات الايرانية قد أمعنت النظر في التفكير الاسرائيلي بالذات، الذي يعتبر وصول ايران إلى القنبلة النووية بمثابة خط أحمر لا يمكن قبوله، واعتبار ان تصبح ايران قوة نووية بمثابة تهديد وجودي لبقاء اسرائيل ذاتها. ولقد أعلن أكثر من مسئول عسكري وسياسي في اسرائيل انه إذا شعرت اسرائيل ان ايران باتت على مقربة من صنع القنبلة النووية، ورأت ان أميركا أو الغرب في حالة تردد في منع ايران من الوصول إلى القنبلة النووية، فإن اسرائيل سوف تتحرك بمفردها لتدمير القدرات النووية الايرانية. وفي الآونة الأخيرة، تصاعدت التصريحات الاسرائيلية التي تؤكد ان "الوقت ينفد"، وان تقارير المخابرات الاسرائيلية تؤكد ان ايران سوف تكون قادرة على صنع القنبلة النووية خلال عام 2009، ولهذا لابد لاسرائيل ان تحسم أمرها وتهاجم ايران قبل نهاية ولاية الرئيس بوش الذي سيقدم الدعم الكامل لإسرائيل من أجل "حماية أمنها" لأنه يعتبر ان ذلك رسالة إيمانية لاهوتية مقدسة عليه واجب القيام بها. وفي هذا السياق، فقد رأينا أوضح تصريح لمسئول اسرائيلي عن امكانية مهاجمة ايران، وخاصة في ضوء المناورات الجوية التي قامت بها الطائرات الاسرائيلية بالقرب من السواحل اليونانية في البحر المتوسط مؤخرا على كيفية مهاجمة ايران على بعد 2000 كيلومتر، قد جاء من وزير الدفاع الاسرائيلي السابق ووزير المواصلات الحالي ذي الاصول اليهودية الايرانية شاؤول موفاز، وهو المسئول عن الحوار الاستراتيجي من جانب اسرائيل مع الجانب الاميركي، حيث أعلن "اذا ما تابعت ايران برنامجها لتطوير أسلحة نووية فسوف نهاجمها". وهو التصريح الذي أثار عليه عاصفة من الانتقادات لأنهم اعتبروه في اسرائيل قد أفشى سرا عسكريا استراتيجيا، ولكن أهمية تصريحه انه قد أفصح بكلمات لا تحتمل التأويلات عن النوايا الاستراتيجية الاسرائيلية تجاه ايران. وفي ذات السياق، رأينا السفير الاسرائيلي في الولاياتالمتحدة سالاي ماريدور يصرح في واشنطون لإحدى شبكات التلفزة الاميركية قائلا: "ان الوقت ينفد بالنسبة للتحركات الدبلوماسية الرامية إلى حمل ايران على اغلاق برامجها النووية، ولا يمكن ان نتهاون أبدا بشأن هذا التهديد، وكما كان رئيس وزرائنا (أولمرت) قد قال مؤخرا فإن اسرائيل لا يمكن على الاطلاق ان تحتمل قيام ايران نووية، ولا يمكن قط ان تتسامح مع تطوير ايران لقدرات نووية قد تشكل خطرا عليها". رابعا: في ضوء هذه المعطيات جميعا، نأمل ان تحسن القيادة الايرانية قراءة المشهد السياسي والاستراتيجي وخطورة التهديدات الاميركية والاسرائيلية بقرب شن الضربة، خاصة ان اسرائيل لا تريد ان تغادر ادارة بوش البيت الابيض دون حسم الملف النووي الايراني، ولذلك يرجح المراقبون الفترة ما قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية في 4 نوفمبر القادم 2008 وما بعدها بقليل موعدا مرجحا لضربة عسكرية اسرائيلية تحظى بدعم وتغطية أميركية. وفي هذا السياق فقد توقع جون بولتون أحد صقور المحافظين الجدد والسفير الاميركي السابق لدى الاممالمتحدة والمؤيد للهجوم على ايران، ان تقوم اسرائيل بضربتها الجوية ضد ايران قبل حفل تنصيب الرئيس الاميركي القادم في يناير2009م. وفي ضوء ذلك، نأمل ألا تخطئ القيادة الايرانية في حساباتها السياسية والاستراتيجية في المواجهة مع الغرب على طريقة الرئيس صدام الذي كان يعتبر التهديدات الغربية بالهجوم مجرد تهويش، إلى ان سقطت بغداد خلال ساعات. ان ايران اليوم أمام اختبار تاريخي حاسم ونأمل ان تنتصر روح العقلانية السياسية بما يجنب ايران وهذه المنطقة كارثة حرب مدمرة لا يعلم إلا الله تعالى أي عواقب وخيمة ستخلفها على مستقبل هذه المنطقة والعالم، وطموحنا ان ينتصر صوت العقل وان نتجنب هذه الكارثة الزاحفة قبل فوات الأوان. عن صحيفة الوطن العمانية 22/7/2008