لا يفوق خسة العدوان الاسرائيلي على الفلسطينيين في غزة إلا المزايدون وما أهدر دماء الشهداء إلا وضع القضية في دائرة من تجاذبات جعلت من القضية بيدقا في أيدي قوى اقليمية وأداة لتوسيع النفوذ أو تصفية الحسابات حتى لو استدعى الأمر تساقط المئات من الشهداء كل عام أو عامين ويخرج الجميع بعدها متباكين ومتهمين غيرهم بالمتاجرة بالدم الفلسطيني. فعند كتابة هذه السطور كان الفلسطينيون والجانب الاسرائيلي قد دخلوا فيما أصطلح على تسميته ب(هدنة انسانية) ل12 ساعة قابلة للتجديد تم التوصل اليها بعد مبادرات ومبادرات مقابلة لم يكن الاختلاف فيما يبدو على بنودها وإنما على أصحابها مع الوضع في الاعتبار أنه خلال أحاديث المبادرات في الأروقة الدبلوماسية نزف الفلسطينيون أكثر من 950 شهيدا. وكانت أولى المبادرات والتي اتخذت معظم الأطراف منها أساسا للحل المبادرة التي أعلنتها وزارة الخارجية المصرية مساء ال14 من يوليو وركزت في البداية على الوقف الفوري لإطلاق النار (خلال 12 ساعة من إعلان المبادرة) حقنا للدماء وذلك حينما كان عدد الشهداء وقتها نحو ال100. كما أشارت المبادرة إلى دخول كل الاطراف في محادثات خلال 48 ساعة (من إعلان المبادرة ) ثم يتعين تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة بمجرد أن يصبح الوضع الأمني مستقرا على الأرض وبعد ذلك يناقش الجانبان قضايا أخرى بينها الأمن. كما أشارت المبادرة إلى انه سوف يتم " فتح المعابر وتسهيل حركة عبور الأشخاص والبضائع عبر المعابر الحدودية، في ضوء استقرار الأوضاع الأمنية على الأرض " ولقيت المبادرة المصرية موافقة من إسرائيل وأطراف دولية أخرى الا أن حركة حماس رفضتها رفضا قاطعا في حين رأت حركة الجهاد أن هذه المبادرة لا تتناسب مع الوضع الذي وصلت اليه إلمقاومة في الميدان والمتمثل في وصول الصواريخ الفلسطينية إلى مدى أبعد. وسارعت حركة حماس إلى البحث عن مبادرة أخرى غير المبادرة المصرية التي وصفتها الحركة بأنها (ركوع وخنوع) حتى أن تسريبات صحفية تقول ان رئيس المكتب السياسي للحركة طالب أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في زيارة خاطفة باعلان مبادرة إلا أن الأخير أكد تمسكه بالمبادرة المصرية وذلك في زيارة خاطفة قام بها مشعل الى الكويت واستبق بها لقاء جمعه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في الدوحة حيث تمخض هذا اللقاء عن بوادر انفراجة سرعان ما تبددت قبل أن يمر سويعات قليلة عن اعلانها. وقد حددت حركة حماس لمطالبها والمتمثلة في "وقف العدوان والحرب على قطاع غزة، ورفع كامل للحصار عن القطاع، وفتح كافة المعابر وحرية الصيد بعمق 12ميلا بحريا".اضافة الى "حرية الحركة في المناطق الحدودية والإفراج عن المعتقلين في صفقة شاليط الذين اعتقلوا مؤخرا في الضفة الغربية" حيث سلمت حماس هذه المطالب الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقطر وتركيا وجامعة الدول العربية باعتبارها الأطراف المعنية. لكن حماس التي رفضت المبادرة المصرية في بداية العدوان باعتبارها خنوعا وركوعا سارعت الى القبول بما أعلنه وزير الخارجية الأميركي من هدنة انسانية حددت ب12 ساعة دون أن تتضح أية ضمانات لتحقيق مطالب رفع الحصار أو الإفراج عن الأسرى التي تم تحديدها سابقا هذا بالاضافة الى ترحيب الحركة باجتماع باريس الذي شارك فيه السبت وزراء خارجية فرنسا وأميركا وبريطانيا وألمانيا وايطاليا وقطر وتركيا الأمر الذي لا ينفي عن الحركة وقوعها في خضم التجاذبات الاقليمية وانحيازها لمحور تركي قطري في مقابل آخر يضم مصر ولو كان ذلك على حساب القضية. وقد بدا تضرر القضية الفلسطينية بهذا التجاذب حين دعا الرئيس محمود عباس الجميع للتحلي بالمسؤولية وإبعاد الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية عن التجاذبات الإقليمية والدولية. فهذه التجاذبات لم تحصد منها القضية الفلسطينية إلا المزيد من دماء الشهداء الأبرياء حتى أن بعض الأطراف الداخلية والخارجية تسعى الى تعميق بحر الدماء لزيادة مساحة المتاجرة. [email protected]