على طريقة عمليات المقاولات الفاسدة، أخفقت القبة الحديدية في حماية سماء الكيان الصهيوني من هطول صواريخ المقاومة الفلسطينية على رؤوس المستعمرين، وانكشفت مع الإخفاق زيف الدعاية الصهيونية لأغلى أكذوبة عسكرية بقيمة 210 مليون دولار، ولأن "الانطباعات الأولى تدوم" ليس في عالم الحب فحسب ولكن في عالم المقاومة أيضا، فإن اللقطة الأولى التي سجلت نفسها في مشهد تقاذف كرات اللهب، هي إسقاط صواريخ المقاومة الفقيرة لنظريات الردع والأمن الإسرائيلي، وحشر سمعة الاحتلال في زاوية الفشل وخيبة الأمل، لتجرعه مرارة أكبر عملية نصب عسكري وإعلامي صهيوني، تتلثم خلف عمليات قتل للمدنيين العزل في قطاع غزة. فقاعة صهيونية "جديدة قديمة" لحقت بخط بارليف، لا ترتفع من درجة الهدف السياسي والمعنوي إلى العسكري، لكن ماكينة الخداع والغدر الإسرائيلية لم تهدر الوقت بعد هذه الصفعة، خداع بأوهام القوة وغطرستها دون استيعاب للدرس أو استلهام لعبره، فمن فشل "القبة الحديدية" إلى مرارة "القبضة الحديدية" تغير جلد الإجرام الصهيوني وغسل عاره بدماء الفلسطينيين، لكن الثابت أن القبضة الحديدية لحقت بالقبة الحديدية في جلافة الخامة وخسة الهدف، حتى وإن صدق مجلس الشيوخ الأميركي على تسمين مساهمة المالية في الإرهاب الصهيوني بنسبة 50 %، فقبلة الحياة الاميركية لن تعيد رسم حدود الخوف والإرهاب الإسرائيلي، لأن دفتر الحسابات الحقيقي في حوزة المقاومة الفلسطينية. اطمأن الاحتلال إلى غرور قوته، وآوى إلى قبة حديدية تعصمه من الطوفان، لكنه انزلق من قمتها الى الملاجئ مهرولا بشحمه ولحمه واقتصاده وسياحته، يتجرع مرارة هزيمته ويفكر في عملية ارهابية أخرى يعوض بها الدعاية الكاذبة، فيما الفلسطينيون صامدون بشعبهم ومقاومتهم لا تقتلهم فقط صواريخ الاحتلال، بل وأيضا تغتالهم معنويا صواريخ كلامية من عشوائيات الإعلام المصري، تثبط عزيمة المقاومة وتلوم المقاومين على صمودهم الأسطوري ضد الصهاينة، أو تساوي الضحية بالجلاد وتتمنى السلامة للقتلة والمقتولين، وفي ذلك بشارة من البشارات المشؤومة لكامب ديفيد، أفظعها مشاركة نفر من الطابور الخامس المصري في الفطير اليهودي المقدس المعجون بدم البشر، بل وجعل من أكاذيب مصلحة مصر وحب الوطن نارا تنضج "فطيرة الاجرام"! فلنتابع اليوم، ولنشعر بالقلق حسب تعبير وزير الخارجية سامح شكري ، ليس قلقًا على دماء الفلسطينيين في غزة على أي حال، فلشعب الجبارين رب يحميه ويأخذ بيده، وللمقاومة سلاح إنساني مرعب وغير منظور يهزم أعدائه، لكن منبت القلق الآن هو استمرار جني الحصاد المرير لعقود من نزع الشعور الوطني والقومي في مصر بأدوات كامب ديفيد، وتهجين القضايا القومية بالخلافات والانقسامات السياسية، ليولد مولود مشوه ينطق بلسان عبري صهيوني مبين، يتحدث عن غزة (تروح في داهية) ويشد أذر الصهيوني في إجرامه(!)، في جهل أو ربما تعامي عن حقيقة أن ذلك القطاع بقي تحت الحكم العسكري المصري 19 عاما، ولم تعيده كامب ديفيد إلى السيادة المصرية بل أضاعته للأبد وسلمته لعبث "مدريد" "أوسلو"، لنتحدث اليوم عن غزة وكأنها دولة أخرى، وليست ذراعا جغرافيا لمصر في القضية الفلسطينية، وعمقا استراتيجيا حيويا لمصر ما قبل الاستسلام. ستنتصر غزة بدماء شهدائها وتضحيات شعبها وبسالة مقاومتها، فتلك حكاية الشعوب الحرة مع الاستعمار والامبريالية، وسيخيب سعي من يراهن على انتصار الأمم المناضلة في دهاليز التفاهمات السرية وعلى موائد المفاوضات، لأنه لن يجد أمامه في السوق سوى كامب ديفيد أو أوسلو أو مدريد وغيرها من أغطية رثة، ولا بأس من تجاهل الحديث عن المغامرات غير المحسوبة والحروب غير المتكافئة مما لا تتعدى كونها عناوين لحرب نفسية غادرة، يشنها الطابور الخامس المتحالف مع الأمريكي والصهيوني، وفي ذلك السر الخفي لعبقرية القضية الفلسطينية ومقاومتها في فرزها الفوري للاصطفافات، والغسيل الفوري للثوب مما يعلق به من دنس. حسنا، ليشكك البعض في الوطنية، ويضع حب مصر في مقابل دعم المقاومة، فتلك ضريبة حقبة زمنية رفعت الحثالة والافاقين والدجالين الى مراتب النخب، لكنه وضع لن يستقيم أو يستقر طالما ظلت الاجندة المصرية على حالتها المقلوبة، ولنا أن نعتبر من الموقف السوري الأخير، حيث تضررت سوريا من دعم حماس للمسلحين على اراضيها، وبشكل لم تشهده مصر من كتائب القسام بهذا الحجم، ولكن حين دقت لحظة المقاومة ومواجهة العدو الصهيوني، وقفت سوريا في الجانب الصحيح من التاريخ لتعلن دعمها للفلسطينيين ومقاومتهم أيا كان العنوان، وفي فك هذا الاشتباك والتناقض يبدو من المهم النظر الى السلوك السياسي المصري الذي ما يزال أسيرا لقيود كامب ديفيد "المستقرة"، فلا عزاء إذا سب بعض من المرتزقة الجدد المقاومة الفلسطينية في التليفزيون المصري الذي أسسه جمال عبدالناصر!