"يا قدس يا مدينة الصلاة أصلي .. عيوننا إليك ترحل كل يوم.." هكذا غنت فيروز للقدس في أغنيتها "زهرة المدائن" والتي نرددها إن سمعناها معها.. لكن أما زالت حقًّا ترحل عيوننا للقدس؟ وهل رحلت وترحل عيون الفن نحوها؟ بالفعل ارتحل إليها الفن وتاريخ السينما والدراما ذاخر بعدة أعمال ونماذج تتناول القضية الفلسطينية.. ولكن ذلك إن رصدناه على المدى الطويل لا الآني والقصير سيكون محدودًا.. ولنستعرض معًا كيف نظر الفن للقضية الفلسطينية أو تعامل معها.. هذه القضية التي تخص مصير العرب جميعًا ويتوحدون بها، والتي تتلخص في تحقيق عودة الأرض لأصحابها وحق العودة للمهاجرين الفلسطينيين وقيام دولة فلسطينية واسترجاع القدس عاصمة لفلسطين. هذه القضية التي خلدها ويحييها يوم القدس العالمي استحدثته إيران في أواخر السبعينيات، واستمر حتى اليوم، ويوافق آخر جمعة في شهر رمضان، أو ما تسمى بالجمعة اليتيمة، فيعج بالمسيرات والانتفاضات في شتى بلاد العالم لمناهضة إسرائيل ووجودها وممارساتها في الأراضي المحتلة. وبدأت السينما المصرية تناول هذه القضية منذ أحداث 1948 في فيلم "فتاة من فلسطين" عام 1949 بطولة وإنتاج عزيزة أمير وإخراج محمود ذو الفقار، وكذلك فيلم "نادية"، وفي عام 1953 كان فيلم "أرض الأبطال"، وبعده بعامين فيلم "الله معنا" لإحسان عبد القدوس.. وفي1957 جاء أول الأفلام التي صورت داخل الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، وهو "أرض السلام" للمخرج كمال الشيخ، بالإضافة لعدة أعمال تعرضت لحروب مصر مع الكيان الصهيوني في أحداثها الجزئية رابطة إياها بفكرة الصراع مع المحتل الإسرائيلي وضرورة مواجهة الجميع له وللقوى الاستعمارية، ومنها فيلم "بورسعيد" عن العدوان على السويس عام 1956، وفيلم "القبطان" لسيد سعيد سنة 1997، أما فيلم "ناجي العلي" في أوئل التسعينيات للمخرج عاطف الطيب والكاتب بشير الديك فكان نقلة مختلفة فهو حول شخصية نضالية فلسطينية مثقفة كانت كالرمز هو فنان الكاريكاتير الراحل ناجي العلي الذي عرف بسخريته ونقده الشرس للكيان الصهيوني من خلال شخصية "حنظلة" التي اشتهرت بها أعماله ويستعرض أحداث وتواريخ في القضية الفلسطينية بدءًا من فترة ما قبل الاحتلال وحتى قيام دولة إسرائيل، ثم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حتى اغتياله عام 1987. وكان فيلم "الناصر صلاح الدين" للمخرج يوسف شاهين الفيلم التاريخي الذي تناول الإشارة لتاريخية الصراع واستخدام الفكر الديني ذريعة للحروب واحتلال الأراضي المقدسة. أما المخرج علي عبد الخالق الذي كان من "جماعة السينما الجديدة" بعد نكسة 1967 مع خيري بشارة وداوود عبد السيد وغالب شعث فكان أكثر من تناول الصراع العربي الإسرائيلي في عدد من أفلامه مثل "أغنية على الممر" و"إعدام ميت" و"بئر الخيانة" و"الكافير" و"يوم الكرامة" ومسلسل "البوابة الثانية"، وتوالت مسيرة أفلام متناثرة بعد ذلك مثل مجموعة من أفلام نادية الجندي "مهمة في تل أبيب"، و"48 ساعة في إسرائيل"، وكذلك "فتاة من إسرائيل"، و"أولاد العم"، و"أصحاب ولا بيزنيس"، ومسلسلات "حرب الجواسيس"، و"بير سبع" و"عابد كرمان"، وغيرهم. لكن أغلب الأعمال لم تتناول القضية بشكل عميق يحرك ساكنًا، بل صار الأمر كإجترار ما هو معلوم مسبقًا، أو يتم تناول جزء هامشي صغير يتعلق بالصراع وليس أساسه وعمقه، كتصوير العمليات الاستشهادية، وبعض الأفلام التي يقتصر تعرضها للأمر بمشهد لحرق علم إسرائيل، وهناك أفلام تأتي الإشارة للصراع العربي الإسرائيلي فيها جانبية، لكنها تقدم بشكل جاذب متعلق بالخط الأساسي للفيلم فتؤثر ببساطة كدور مادلين طبر "مريم" في فيلم "الطريق إلى إيلات" تلك الفتاة الفلسطينية الفدائية بالكوفية الفلسطينية التي تعاون المخابرات المصرية وتحكي عن مجزرة صبرا وشاتيلا ومأساتها، وهو أسلوب وإن لم يكن كافيًا فقد يكون مؤثرًا لربط المشاهد العربي عاطفيًّا على الأقل بقضيته، ومن الأفلام الهامة فيلم "باب الشمس" ليسري نصر الله، إلا أنه لم يكن إنتاجًا مصريًّا. أما الإنتاج العربي فموجود بشكل مقارب منحصرًا في أغلبه في الجانبين السوري والفلسطيني ومن الأعمال الجيدة التي كان لها صدى محليًّا مسلسل "التغريبة الفلسطينية" بالإضافة إلى أفلام فلسطينية فصيرة أو روائية أو تسجيلية يكون كل جمهورها في الغالب جمهور المهرجانات فيحصد بعضها عدة جوائز، ومنها "الزمن المتبقي" و"أمريكا" و"الجنة الآن". ورغم ذلك تظل نسبة الأعمال الفنية المتعرضة للقضية والصراع الفلسطيني قليلة جدًّا مقارنة بالإنتاج الكلي وإن غضضنا الطرف عن ذلك الكم، فماذا عن الكيف؟ فلا يوجد عمل عربي تناول الأمر بشكل لائق، بما يجعله قوي الصدى عالميًّا ومحليًّا، ولعل السبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى هو أن مثل هذه الأعمال لا تحظى بمشاهدة جيدة أو إقبال يغطي تكلفتها، وبالطبع لن يغامر منتج بأمواله، فصناعة السينما لدينا ليست مؤسسية كأمريكا والدول الأوروبية؛ مما يجعل منافسة الرأي والرأي الآخر ليست متزنة التأثير، خاصة في ظل هيمنة الصهيونية العالمية على آليات الإنتاج الفني عالميًّا وتوجيهها مثل شركات فوكس ومترو جولدن ماير، ناهيك عن غزارة الإنتاج وآلاف الأفلام التي تقدمها ومنها أفلام تخلد وتضخم من الهولوكوست لاستمرار إثارة التعاطف متنبهة بذلك لقيمة الفن ومدى قدرته على التأثير، فالحروب الحالية صارت تدار عن بعد مستخدمة قوة التأثير في الشعوب بشكل يقدم على السلاح. أما آن الأوان لتفكير مختلف يكفل إنتاجًا لائقًا بقضية العرب المصيرية مع العدو الصهيوني، ولنبحث عن أسلوب كيفي غير مكلف من خلال أفلام قصيرة أو ديجيتال جيدة الانتقاء والجاذبية، مع دعاية مناسبة تقدمها بشكل جديد يجعل العيون ترحل تجاه قضيتها الأساسية دائمًا فلا تغمضها؟