رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سينما الأمس العربية .. أين هي اليوم؟
نشر في الشعب يوم 20 - 05 - 2014

السينما العربية تشهد، وحققت في شهادتها نجاحاً ملحوظاً في العديد من الأشرطة التي تناولت القضايا العربية الساخنة والمتزايدة سخونة اليوم كما القضية الفلسطينية، إنما وللأسف الشديد، فإن هذه السينما نفسها عجزت حتى اليوم، وبعد مرور ما يزيد على ثلاثة أرباع القرن عن تصوير أول فيلم عربي على يد فنانين مصريين من أصل إيطالي، على تثبيت شخصيتها العالمية، باستثناء بعض أعمال يوسف شاهين المرتبطة بجهة إنتاجية فرنسية، إلى بعض نتاجات السينما التسجيلية والوثائقية التي سجلت حضوراً متميزاً ومتنوعاً في قليلها، بينما كثيرها يشارك في مهرجانات عالمية وبعدها يرفع على الرف كمادة أرشيفية ليس أكثر.
والواقع أن السينما، وما اصطلح على تسميته بالفن السابع، وأضيف «الساحر» مهرجان فني تتضافر فيه فنون شتى في نسيج متناغم يرتكز على صورة حية نابضة، لها جاذبيتها الخاصة وقدرتها المتفوقة على التعبير والتأثير، وبهذا التميز، كان من البديهي أن تنهض السينما العربية كفن مشوق يفتح آفاق رحبة للإبداع ويؤدي دوراً مؤثراً به وقعه الكبير على جمهور كبير مختلف الأصول والمشارب.
منذ أواسط الخمسينيات وحتى الثمانينات تمتع الجمهور العربي بما يسمى «أفلام الحقبة الذهبية»
إثبات لمبرر وجودها:
وكما السينما العالمية، واكب الفن السابع العربي منذ نشأته وحتى اليوم، كل ما شهدته المنطقة العربية من تطورات وأحداث بخيرها وشرها.
وإذا لم تكن غالبية الأشرطة المصورة على العمق المطلوب في تناول الأحداث، إنما ارتبطت في أكثر الأحيان بمقولة «الجمهور عايز كدة»، فإن الموضوعية تؤكد براعة صناع السينما العربية في صياغة لغة تعبيرية تتبلور في صورة حية ومبهرة، يعايشها الجمهور ويندمج مع أحداثها المتوالية.. فهي تجمع بين الخيال والمتعة وتصوير الواقع والتعبير عن فكر يسعى إلى تبديل هذا الواقع، أو ينشد واقعاً أفضل.
وإذا كان الكثير من هذه الأفلام لم يبرأ من التركيز على نزعات شريرة أو الاتجاه إلى مخاطبة الغرائز وإظهار الطاغية واللص المزور كأبطال ما يفيد أن التعبير السينمائي القوي البلاغة على بساطته ذو حدين، والحد الأقوى، أقله في السينما العربية يحث على احترام المبادئ ذو القيم الإنسانية، والحرص على حمايتها والدفاع عنها، ويزخر إنتاجها الكبير، منذ خمسينات القرن الماضي وصولاً إلى تسعيناته، بكم كبير من الأشرطة يضم أعمالاً محفورة في الذاكرة، بكل مفردات اللغة السينمائية عن إدانة الشقاق والصراع والتناصر والنزاعات والحروب ومختلف صور العدوان والتعدي على كرامة الإنسان وامتهانها، أو يصور مختلف ألوان الجور والطغيان وغيرها من الانتهاكات والجرائم المنافية للإنسانية، بحيث تثبت السينما مبرر وجودها، شريكة مباشرة وفاعلة في التخفيف من وطأة هذه السلبيات المشينة واتقاء شرورها.
لكن الفعل السينمائي العربي فقد تأثيره في الظروف الراهنة عما كان عليه خلال ثلاثة عقود من القرن الماضي، ومنذ أواسط خمسيناته حتى أواسط ثمانيناته تمتع الجمهور العربي بسلسلة أفلام حققت الحقبة الذهبية للسينما العربية على تعدد جنسياته، ما يجعل طرح السؤال منطقياً: هل ساهمت الأحداث العربية الكبرى في هذه المرحلة في خلق سينما مماثلة مرافقة للتبدلات والتحولات؟ وهل أن ما تتعرض له المنطقة الراهنة لم يعد يشكل حافز إبداع، ليس في الفن السابع وحسب، إنما في كل مجالات الفن من الرواية إلى القصة فالشعر والتشكيل وصولاً إلى الأغنية والموسيقى؟ والسؤال المرتبط حديثاً يرتبط أيضاً بالمبدعين الذين باتوا في أكثريتهم خارج الستارة ليحظى الطارئون والدخلاء بالوهج الإعلامي.
القضية الفلسطينية: خارج الاهتمام الإبداعي
ويبدو أن الأسئلة تزداد إلحاحاً مع تراجع السينمات العربية عن متابعة الأحداث الخطيرة التي تعيشها المنطقة راهناً، أكان ذلك على الصعيد الوطني أم على الصعيد القومي، لكن القضية الفلسطينية خرجت من دائرة الاهتمام الإبداعي إلى الخبر التليفزيوني وما يليه من حوارات ضيقة بين حلفاء وأضداد، وحيث في مرات كثيرة إن لم يكن دائماً يحاول المحاورون إبراز إبداعهم الجدلي والنقاشي على حساب قدسية القضية وعدالتها. ومثل فلسطين، كذلك يجري التعاطي مع مختلف القضايا العربية السابقة والآنية حتى لا نقول المستقبلية طالما أن السينما هي لسان حال بطريقة أو بأخرى، خطاب الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تحيا فيه. ولما كان هذا المثلث العربي في وضع من الفوضى والإرباك والميوعة كما لم يحصل من قبل، فمن البديهي أن تعاني الشاشة العربية العريضة من الأزمات نفسها، وهي حادة شرسة تنبئ بزيادة التقهقر والانحطاط.
ورب استعادة ولو مختصرة لبعض الأفلام العربية في أيامها الذهبية تكشف بين ما يجري تصويره حالياً من أشرطة مستوردة من واقع أو مجتمعات غريبة لا شأن لها بالواقع العربي، ومن استنساخ لأفلام غربية، أمريكية تحديداً، على اعتبار أن الأنماط الأمريكية الإبداعية ثقافياً، تسود العالم، وبين ما أسس لسينما عربية واقعية وملتزمة وطنياً وقومياً، تبدو رائعة المخرج العربي الأمريكي مصطفى العقاد «عمر المختار» في مقدمة الأشرطة التي تناولت المجاهد الليبي عمر المختار ومقاومته للاحتلال الإيطالي حتى اللحظة الأخيرة من حياته، وذلك في ملحمة أنطوني كوين بدور المجاهد الليبي، ومعه ثلاثة هوليوديين كبار: رود ستايفر برو موسوليني، اوليفر ريد بدور القائد الإيطالي، وإيرين باباس زوجة عمر المختار، والكل جسد دوره بمقاييس حقيقية للشخصية ووفق أحداث حقيقية نقلها العقاد إلى الشاشة في صورة راقية ومؤثرة.
ومثله أيضاً، من الشاشة المصرية وإنتاج لبناني، شريط «ناجي العلي»، رسام الكاريكاتور الفلسطيني الشاب الذي دفع حياته ثمناً لرسوماته البارعة والقاسية من خلال شخصية «حنظلة» التي تدين الإرهاب «الإسرائيلي» وممارساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.
وناجي العلي بكاميرا المخرج المصري عاطف الطيب وتجسيد نور الشريف، هو أيضاً ملحمة بطولية، إنما بالفكر والريشة الساخرة والنافذة، ما يؤكد أن العدوان «الإسرائيلي» يطول أيضاً الثقافة الفلسطينية العربية، وقد أضاء عليه عاطف الطيب، مستخرجاً من بساطة (العلي) ومعايشته ناسه الفقراء والكادحين والمقاومين، عملاقاً جعل من ريشته سلاحاً نافذاً أو قاتلاً ومؤثراً إلى حد اغتياله على أيدي الموساد «الإسرائيلي» في لندن.
ومن ستديوهات السينما المصرية يخرج شريط جميلة الجزائرية أو «جميلة بوحريد» للمخرج يوسف شاهين من إنتاج 1958، وفيه يتطرق المخرج العبقري إلى إقرار القانون الدولي الإنساني مقاومة الاحتلال، ويحظر على الأطراف المتصارعة انتهاك كرامة المعتقلين وتعذيبهم وحبسهم في مبانٍ لا يدخلها النور وحرمانهم من الماء، وهتك حرمة النساء مطالباً بمحاكمات عادلة وأحكام مخففة (أليس هذا ما يجري اليوم في فلسطين والعراق وغواتانامو الأمريكية بل وفى دول عربيه ديكتاتوريه ...) وما ينتهك بشكل صارخ، كما يرينا فيلم جميلة، وهي شابة جزائرية تلتحق بالمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي وتشارك في عملياتها، إلى أن تجرح في كمين وتؤسر، وتقيد في قبو مظلم، تعذب بوحشية وتحرم من الماء..، وعلى الرغم من كل هذه العذابات والضغوطات ترفض الإذعان لجلاديها بالكشف عن زملائها، فتقدم إلى محاكمة جائرة حيث يتقدم أحد المحامين الفرنسيين تهزه قضيتها للدفاع عنها.
أضرار جسيمة:
وفي «صراع الأبطال» للمخرج توفيق صالح وسيناريو وحوار المخرج عز الدين ذو الفقار، ننتقل إلى العام 1948، في إحدى القرى المصرية، وحيث سيدة إقطاعية ممالئة للمحتلين الإنكليز تتحكم بأهالي القرية، تجبرهم على العمل لديها والظلم يكتشف إصابات بالكوليرا، تعرقل السيدة وأنصارها جهوده لوقف الوباء، لكنه ينجح بمعونة المتطوعين وحبيبته الممرضة (سميرة أحمد) التي تعود إليه بعد أن فرقتهما الأحداث، ومن خلال هذه الأحداث، يكشف الشريط ما يشترطه القانون الدولي الإنساني من صيانة الصحة العامة بالمواطنين في كل من فلسطين المحتلة والعراق وأفغانستان من جراء قصف المستشفيات وقطع الطرقات وفشل مئات المرضى، بين شيوخ ونساء وأطفال في الوصول إلى طبيب أو عيادة أو مستشفى، وحيث الأكثرية تدفع حياتها ثمناً لإرهاب الأقوياء؟
ودائماً تتوجه السينما إلى القانون والإنساني الذي ينص على احترام حقوق الإنسان وحمايتها وحرياته وممتلكاته، وحيث يصور لنا فيلم «المماليك قصة فيروز عبد الملك وسيناريو عبد الحي أديب وحوار محمد مصطفى سامي، » أخراج عاطف سالم عن إلام يؤدي انتهاك هذه الشروط من قبل المحتل، من خلال مملوك من الشراكسة يقفز إلى حكم مصر، فيستبد بالبلاد وأحرارها، ويمتهن كرامتهم ويعتدي على أرواحهم وممتلكاتهم ويتجاوز بظلمه كل الحدود؟. أمام هذه الأوضاع المزرية، يقرر الأهالي تنظيم مقاومة شعبية تتشارك فيها مختلف فئاتهم، وين نحزن للحبيبين أحمد (عمر الشريف) وقمر (نبيلة عبيد) على حجم العذابات التي يلقيانها بعد اعتقالهما، لكنهما يصران على الماركة ومواجهة الأداء.
ويرينا الشريط المصري «السوق السوداء» الذي يعود تاريخ إنتاجه للعام 1945 «شهادة على ملائمة السينما مجتمعاتها»، عن قصة وسيناريو وحوار كامل التلمساني ومن إخراجه، كيف يدفع جشع التجار ورجال الأعمال والأثرياء، وفي واحد من أحياء القاهرة خلال الحرب العالمية الثانية، إلى إخفاء المواد التموينية ليستغلوا حاجة الناي إليها، ليبيعوها في السوق السوداء، الأمر الذي استنكره أحد العمال وأحد الموظفين المثقفين، فيعملان على فضح هؤلاء التجار ويتصديان لهم لتوفير الأغذية وتخفيف المعاناة عن الأهالي، تبعاً لحرص القانون الدولي على وصول المؤن والمواد الغذائية إلى المدنيين أثناء الحروب، ويحظر منعها عنهم لأي سبب كان.. وما ينطبق على الجشع الفردي يصبح أكثر بشاعة حين تصبح الجهة المعتدية إن لم تكن أكثر خطراً في بدايات الألفية الثالثة وحيث الاحتكار يأخذ أخطر أحجامه ومفاعيله من خلال النظام الأقوى والمهيمن.
ومن لبنان، المخرج الشاب مارون بغدادي الذي لقي حتفه في حادث مريب أثناء عودته من باريس إلى بيروت، تحضيراً لشريط جديد، يتناول فيه «حروب صغيرة» قضية عالمية وخطيرة من خلال أحداق لبنان الأليمة، مديناً التمييز على أساس العنصر أو اللون أو الدين أو المعتقد، وهي أسباب يتأكد يوماً بعد يوم أنها في مقدمة الحروب الأهلية حيث ينتهك الإنسان وكرامته ويسود قانون الغاب، ترفض ثريا الهجرة مع أهلها لتبقى مع طلال الذي يحبها وتحبه بعيداً عن فارق الدين، يخطف والد طلال وتختفي أخته فيقرر الانتقام، في حين تحاول ثريا إنقاذه بكل الطرق مستعينة بالمصور الصحفي نبيل، لكن جميع محاولاتها تبوء بالفشل، وبذلك تقتل الحرب برغم الحب.
إلى السينما الفلسطينية، وتحديداً في «عرس الجليل» ينقلنا المخرج ميشال خليفة في شريط كتب له أيضاً السيناريو والحوار إلى قرية فلسطينية فرض عليها حظر التجول ما يضطر مختار القرية إلى طلب تصريح من الحاكم العسكري «الإسرائيلي» لإقامة حفل زفاف صغير لابنه، لكن طلبه يرفض أولاً ثم يوافق الحاكم العسكري «الإسرائيلي» شرط حضوره مع جنوده، يرضخ المختار، ويحضر الجنود بمركباتهم وأسلحتهم وينتشرون بين المحتفلين، الأمر الذي يصيب العريس بالإحباط، لكن عروسه تتفهم الأسباب فتواسيه وتتصرف بحكمة، وما أراد ميشال خليفة تصويره هو إبراز الإرهاب الصهيوني الفكري والنفسي والثقافي على سكان الأراضي المحتلة، على عكس ما نص عليه القانون الدولي الذي يحظر الإكراه المادي والمعنوي لسكان المناطق المحتلة ويعتبر أن احترام شعائرهم وعاداتهم وتقاليدهم هو حق لهم.
ومن الإنتاج السوري لعام 1992، يصور المخرج السوري محمد ملص في شريطه الساحر «الليل»، ولداً يجمع من شتات ذاكرة أمه وإطلال مدينته سيرة أبيه المدفون فيها، وحيث تكشف الأحداث أن الوالد لم يمت في حربين تطوع فيهما لمقاومة الإنكليز و«الإسرائيليين»، لكنه مات في بلده مقهوراً مظلوماً قبل حرب ثالثة أدت إلى احتلال مدينة القنيطرة ونزوح أهلها وتدميرها، ويتمنى الابن لو أن أباه مات بشكل مغاير وهو يدافع عن مدينته ... ولا يغفل ملص من خلال حوار متقن الرموز كما المشاهد والصور إلى إدانة الاحتلال الذي يعمل على تدمير الممتلكات عمداً وبث الذعر بين المدنيين وإجبارهم على النزوح، وما يوجب بالتالي ملاحقة ومحاكمة مقترفيها والآمرين بها ومعاقبتهم.
والإنتاج الليبي لم يغب عن «ذهبيات» السينما العربية الملتزمة، ففي العام 1986، شريط «الشظية» قصة الأديب والمفكر الكبير إبراهيم الكوني، وبالتعاون مع عبد السلام المدني وضع سيناريو وحوار وأخراج محمد علي الفرجاني الذي يعرض مثالاً حياً لآثار الألغام المدمرة من الصحراء الليبية، فقد سالم زوجته أثر انفجار لغم أودي بحياتها وبأغنامه، فعمل حطاباً ليعيل أطفاله، يلتقي البهلول الذي قتل عريس حبيبته وفر. ينقذه من العطش ثم من الموت بلغم، يهبط الليل وتحاصرهما الذئاب، فيتأخر سالم، يخرج بعض الفرسان بحثاً عنه، فيقتلون أيضاً في حقل الألغام، كما يفشل سالم في التخلص من لغم يقضي عليه ومعه البهلول وكما هدف الفرجاني إليه وما كشفت عنه أحداث «الشظية» حيث يبدو بوضوح حجم المآسي التي تصيب الإنسان من جراء إنتاج الألغام وتخزينها وزرعها، وحيث تستمر قتلاً حتى بعد وقف الحرب بين الأعداء.
وتقدم السينما الجزائرية ثلاثة من أهم الأفلام العربية التي تفاعلت مع قضايا المقاومة والتحرير والحقوق الإنسانية التي كفلتها الشرعية الدولية، وهكذا في شريط «رياح الأوراس»، لم يقتصر المخرج محمد الأخضر حمينة ومعه توفيق فارس للسيناريو والحوار، على تصوير جانب من مآسي الحرب، بل يقدمان شهادة أمينة على العذابات والآلام التي يسعى القانون الدولي إلى تخفيفها في نصه على ضرورة إخطار عائلات الأسرى والمعتقلين بأماكنهم وأحوالهم وتيسير المراسلات معهم، وذلك من خلال امرأة قتل زوجها في هجوم للمحتلين ثم اعتقل وحيدها في مكان مجهول، فغضّنت الأيام وجهها وهي تنتقل بين المعتقلات والمعسكرات باحثة عنه حتى قادتها غريزتها وإصرارها إلى معسكر معزول ظلت تحوم حوله أياماً وليالي إلى أن التقت ابنها في وضع يائس وراء الأسلاك الشائكة.
ويأتي المخرج محمد سليم رياض ليكشف في شريط «الطريق» أحد المعسكرات التي حشرت فيها قوات الاحتلال مئات ألوف الجزائريين المطالبين بالاستقلال وأنصار «جبهة التحرير الوطني». ففي هذا المعسكر، يسعى المعتقلون لتحسين شروط اعتقالهم فيعمدون إلى تنظيم برنامج للتوعية ومحو الأمية، يواجهون الإهانة والعنف بالإضراب عن الطعام، تفشل محاولاتهم الهرب فيدفعون الثمن بمزيد من عمليات التعذيب والسجن الانفرادي، لكن شيئاً لا يثني إرادتهم عن انتزاع حقهم في تحسين أحوالهم الصحية والذهنية والمعنوية وفي الاتصال بأهلهم وإخوانهم.
ومن إخراج الفرنسي جاك شاربي تنتج السينما الجزائرية فيلم «سلم حديث العهد» وفيه يعالج كيف يمكن للحرب أن تصادر أحلام المستقبل، فتيتم الأطفال وتشردهم لتجعل العنف لعبتهم المفضلة.
تدور أحداث «سلم حديث العهد» في الجزائر أثر استقلالها: أطفال أودعوا في دارين لأبناء الشهداء يشكلون مجموعتين متنافستين في لعبة الحرب، إحداهما تمثل «جبهة التحرير الوطني» والأخرى «منظمة الجيش السري» لكن اللعبة تختلط بالجد وتنتهي بمأساة.
لقد شكلت مثل هذه الأفلام بأجناسها العربية المختلفة ما يمكن اعتباره تحية للمقاومة والتحرير كما للقوانين الدولية الإنسانية التي تحرم الاحتلال وتحث على حرية الشعوب، وبذلك أدت هذه السينمات واجبها وحققت أهدافها، ليست التسلية وحسب، وهي ضرورة سينمائية لا خلاف عليها، إنما أيضاً في معايشة قضايا مجتمعاتها الساخنة، الوطنية والتربوية والأخلاقية، ما يؤكد أن الفن السابع هو ابن مجتمعه .. صورة ناطقة عن معاناة ناسه وأزماته وأحلامه وطموحاته، على عكس ما تصوره أفلام اليوم، خصوصاً المصرية، على اعتبار وفاة أو شبه وفاة السينمات العربية الأخرى التي باتت تكتفي بالأشرطة التسجيلية، التي تدفع إلى المهرجانات لتستحق جائزة هنا وأخرى هناك، بينما يلقيها أصحاب الصالات وشركات التوزيع وشاشات التليفزيون على الرفوف، طالما أنها لا تلبي حاجة السوق وغسل ادمغه الجمهور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.