قبل عامين، وفي مؤتمر "هرتسليا" الثاني عشر، قدم رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق "أفيف كوخافي" عرضاً مرئياً تحت عنوان "حروب الأنفاق" والتي أعتبرها "كوخافي" نقطة الضعف الأخطر في أي عملية برية في لبنان أو غزة. وبعد سنتين من هذا التحذير، وعلى الرغم من كافة الاحتياط الإسرائيلية قبل وبعد تحذيرات "كوخافي"، أثبتت عمليات التسلل الإنزال من جانب المقاومة في عمق الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، أن الأنفاق لاتزال –بجانب الصواريخ- نقطة الضعف الأخطر لدى الإسرائيليين، وبالتالي نقطة القوة الأهم لدى المقاومة، فحتى الأن ووفق معطيات إعلام المقاومة والإعلام الإسرائيلي، فإن معظم قتلى جيش الاحتلال منذ بدء الاجتياح البري، سقطوا نتيجة ستة عمليات تسلل وإنزال خلف خطوط العدو نفذتها عناصر المقاومة، والتي كان أهمها الهجوم على كتيبة من لواء "جولاني" أدت إلى مقتل وإصابة العديد من ضباط وجنود "لواء النخبة" بالإضافة إلى أسر الجندي شاؤول آرون. وعى جيش الاحتلال خطورة الأنفاق في المعارك البرية بعد حرب 2006، فبعد نجاح حزب الله في استخدامها بفاعلية في هذه الحرب، قام الجيش الإسرائيلي بإنشاء وتدريب وحدة خاصة تابعة لسلاح المهندسين، سميت ب"ياهالوم" أي الماس، أُنتقي عناصرها من جنود وضباط ألوية النخبة في الجيش الإسرائيلي (جفعاتي، جولاني، نحال، كفيير، لواء المظليين) وتم تزويد هذه الوحدة الخاصة بمعدات وتجهيزات تكنولوجية شملت روبوتات، ومجسات أرضية، ورادارات رصد، وتدريب عناصرها على خوض معارك الأنفاق والتحصينات تحت الأرض، باستخدام أسلحة خاصة وكلاب مدربة. وذلك بغرض التصدي لخطر شبكات الأنفاق التي تستخدمها المقاومة في غزة أو في جنوبلبنان. وعلى الرغم من مُضي أكثر من ثماني سنوات على إنشاء هذه الوحدة الخاصة والتي تدرب عناصرها على خوض معارك تحت الأرض بواسطة نماذج محاكاة، فأن المقاومة أثبتت للمرة الرابعة فشل المسعى الإسرائيلي في مجابهة خطر الأنفاق، فبخلاف نجاح المقاومة في لبنان في 2006، خُطف "جلعاد شاليط" بواسطة احد هذه الأنفاق في نفس العام، وشهدت معارك 2009 و2012 نجاح المقاومة في استخدام الانفاق بشكل أكثر فاعلية، سواء بتخزين الأسلحة والصواريخ، أو تفخيخها وتفجيرها عند مرور آليات العدو، ومؤخراً في المعارك الدائرة حالياً في عمليات التسلل والإنزال خلف خطوط العدو، والتي مثلت حتى الأن ذروة نجاح أسلوب حرب الأنفاق. في هذا السياق، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريراً عن الأنفاق الواصلة من قطاع غزة إلى داخل فلسطينالمحتلة، ونقل التقرير عن مسئولين إسرائيليين قولهم أن "الجيش الإسرائيلي يخطط منذ عام مضى لعملية عسكرية تهدف لتدمير الأنفاق، وأن العدوان الحالي كان بمثابة الفرصة في الشروع بتنفيذ هذه المخطط بتدخل القوات البرية عقب عشرة أيام من القصف الجوي والبري، الذي لم يحوّل دون تسلل عناصر حماس من أحد الأنفاق إلى داخل أحد "الكيبوتسات" في جنوب إسرائيل". وأكد تقرير "نيويورك تايمز" على الأهمية الاستراتيجية للأنفاق؛ مشيراً إلى تصريحات رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق، إسماعيل هنية، في مارس الماضي، حيث قال "أن الأنفاق استراتيجية جديدة في التعامل مع الاحتلال والقتال مع العدو سيكون من فوق الأرض ومن تحت الأرض". وتابعت الصحيفة أنه في يونيو الماضي قتل خمسة فلسطينيين من المنتمين لحركات المقاومة أثر انفجار أثناء حفرهم أحد الأنفاق، وأضافت الصحيفة أن حماس تستخدم الأنفاق لتخزين الأسلحة، وأن الأنفاق تمثل عقدة نفسية كبيرة عند الإسرائيليين منذ 2006، عندما اختطفت حماس الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط "واحتجزته لخمس سنوات قبل الإفراج عنه في صفقة تبادل. وعن عدد الأنفاق الممتدة من القطاع إلى داخل فلسطينالمحتلة، اشارت الصحيفة إلى أن الجيش الإسرائيلي أكتشف منذ بدء الاجتياح البري وحتى الأن 23 نفق لهم 66 نقطة ولوج، معظمهم ممتد من حي الشجاعية، القريب من حدود القطاع مع فلسطينالمحتلة. وأنه بحسب المقدم "بيتر ليرنر" المتحدث بأسم جيش الاحتلال، فأنه يوجد من الأنفاق مايفوق الرقم السابق بعشرات المرات على حدود القطاع. وأوضحت الصحيفة أن الأنفاق تستخدم في دخول عناصر المقاومة إلى الأراضي المحتلة، وأنه يوجد عدد من الاشتباكات المميتة التي وقعت بين جنود الاحتلال المقاومين القادمين من الأنفاق، الذين يعودون إلى غزة من هذه الأنفاق مرة أخرى، مثل ما حدث في عملية الهجوم على دورية إسرائيلية في التاسع عشر من الشهر الجاري، والتي بحسب الصحيفة قتل خلالها جنديين إسرائيليين وعنصر من حماس. وذكرت "نيويورك تايمز" أن ما يسميه جيش الاحتلال ب"الانفاق الهجومية" أُكتُشف بعضها في السنوات القليلة الماضية، وأن بعضها مُلغم بالمتفجرات، ففى عام 2012 أصيب جندي إسرائيلي في تفجير أحد الأنفاق عندما مرت فوقه جيب عسكرية إسرائيلية، وفي 2013 أكتشف نفق بطول 1ميل (حوالي 1.6 كم) يمتد من أحد المنازل في غزة إلى كيبوتس عين حشلوشة، وكان النفق مزود بخطوط هاتف وكهرباء، وفي مارس من نفس العام أكتشف جيش الاحتلال نفق شبيهة بأنفاق المترو من حيث الحجم والمساحة والتصميم، ونقل تقرير الصحيفة عن المقدم "ليرنر"قوله "أنه النفق الأكثر تقدما، وأمتد لمئات الأمتار داخل الأراضي المحتلة، وكان من الممكن استخدامه لمهاجمة أو أسر إسرائيليين..على الرغم من عدم وصول الأنفاق إلى داخل مدن أو قرى إسرائيلية، فأنه بحدوث قفزة سريعة في هذا الشأن مستقبلاً من الممكن أن يتم مهاجمة الجبهة الداخلية.. حماس أصبح لديها خبره واسعة في هذا المجال، سواء باستخدام الانفاق في التسلل أو التفجير أو الخطف" وعلقت الصحيفة بالقول أنه في وقت اكتشاف النفق السابق ذكره صرح المتحدث بأسم حماس أن النفق المكتشف كان خاج الخدمة وغير صالح للأستخدام! ونقلت الصحيفة الأمريكية عن المتحدث بأسم جيش الاحتلال أم "طبيعة الأنفاق معقدة ومتقدمة، وتتفرع لاتجاهات مختلفة، وأن عملية تدميرها تحدي تكنولوجي وعملياتي". وأضافت الصحيفة أن "الأنفاق يمكن أن يصل عمقها إلى ما يفوق التسعين قدماً تحت سطح الأرض (حوالي 27 متر) ومدعمة بالخرسانة النادر تواجدها في غزة، فمعظم واردات مواد البناء للقطاع تم حظرها من جانب إسرائيل، فيما عدا تلك التي يتم استخدامها في مشروعات تتم بمراقبة دولية، وحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي فأن مواد البناء المستخدمة في الأنفاق بلغت حوالي ستمائة ألف طن، أتت من مصادر مختلفة مثل انفاق التهريب من مصر، أو تم تغيير مسارها من الغرض الأصلي القادمة من أجله". وألحقت "نيويورك تايمز" في تقريرها خريطة توضيحية لمناطق داخل فلسطينالمحتلة شهدت استخدام الأنفاق من جانب المقاومة، تم تحديدها على ضوء تصريحات مسئولين في جيش الاحتلال، وهي كالتالي: 1- أكتشف جيش الاحتلال أكثر من عشرين نفق ملحق بهم أكثر من ستين نقطة ولوج، يمتدوا من حي الشجاعية حيث دارت معارك عنيفة مؤخراً. 2- شهدت هذه المنطقة القريبة من منطقة كرم أبو سالم أوائل الشهر الجاري تكثيف سلاح الجو الإسرائيلية لضرباته في محاولة لهدم الأنفاق التي تصل إلى كيبوتس هذه المنطقة، والتي اختطف فيها جلعاد شاليط عام 2006. 3- الخميس الماضي صرح الجيش الإسرائيلي بمشاهدة عناصر من حماس التسلل من أحد الأنفاق لهذه المنطقة التي عن أقرب الكيبوتسات أقل من كيلومتر واحد، وحسب مسئولين إسرائيليين فأن هذه الحادثة كانت السبب المباشر في بدء الاجتياح البرية. 4- تسلل ثمانية فلسطينيين مسلحين بأسلحة أوتماتيكية من نفق بالقرب من هذه المنطقة يوم السبت الماضي، وكانوا يرتدون الزي العسكري الإسرائيلي. 5- نشبت معركة دامية بين قوات الاحتلال ومقاتلي حماس الذين خرجوا من نفق كان يبعد عن منازل المستوطنين بحوالي خمسمائة متر. 6- شهدت المنطقة محاولة بعض عناصر المقاومة التسلل لهذه المنطقة. 7- حذّر جيش الاحتلال سكان كيبوتس هذه المنطقة من مغادرة منازلهم. من جانبها نقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تصريح قائد الجبهة الجنوبية في جيش الاحتلال، الجنرال"سامي ترجمان" الذي قال فيه "أنه لا توجد معلومات استخباراتية عن الانفاق بشكل كامل، وأنه بعكس الصواريخ، لاتوجد قبة حديدية لمواجهة خطر الأنفاق، ولم يتبلور حتى الأن حل عملياتي وتكنولوجي لمواجهة هذه المشكلة المتضخمة بمرور الوقت". وفي هذا السياق، ذكر المراسل والمعلق العسكري للقناة الثانية الإسرائيلية "روني دانيئيل" في مداخلة له قبل ثلاثة أيام على القناة سالفة الذكر أن "قيادة الجيش الإسرائيلي عرضت على القيادة السياسية أن تعلن على الملأ بصراحة أن هدف العملية البرية هو تدمير الأنفاق، ولكن وبحسب مصادر عسكرية رفيعة المستوى في جيش الدفاع، رأت القيادة السياسية أن إعلان ذلك مع احتمالية عدم تحقيقه نظراً لضبابية مسألة الأنفاق ككل يعني إعلان فشل العملية البرية، وهو ما دعا القيادة السياسية للاستمرار في تصريحاتها الهلامية عن اهداف العملية العسكرية الأخيرة".