قبل أيام قليلة وفي 30 يونية الماضي أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق المعروف اختصارا باسم "داعش" قيام دولة الخلافة الإسلامية وتعيين أبو بكر البغدادي "ابن تنظيم القاعدة" خليفة المسلمين. وبهذا الإعلان يتأكد البعد الديني للصراع على الحكم في البلاد العربية على طريق إقامة الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى إلى تحقيقه إسرائيل بمساعدة الولاياتالمتحدةالأمريكية، ذلك أن من شأن وجود حكومة إسلامية أصولية اشتعال الفتنة الطائفية بين أهل البلد الواحد دينيا أو مذهبيا أو عرقيا، مما يسمح بتدخل أمريكي لتقسيم الوطن الواحد إلى عدة أوطان صغيرة تحت شعارات الحرية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير. وهكذا يأتي إعلان "دولة الخلافة الإسلامية" من باب توظيف الدين وخداع جماهير المسلمين. ووجه الخديعة في هذا أن من تم تعيينه خليفة لا تتوفر فيه شروطها تاريخيا وفقهيا، ذلك أن "الخلافة في قريش"، وهذا الخليفة البغدادي ليس منهم. والدليل على ذلك أن الخلفاء ابتداء من أبو بكر (632م) وانتهاء بالمستعصم بالله الذي سقطت معه الخلافة العباسية في بغداد عام 1258م كانوا قريشيين ولم يجرؤ أحد من الذين حكموا أي بلد من بلاد المسلمين عربا كانوا أم عجما أن يتلقب بلقب الخلافة إلا الفاطميين في مصر لأنهم من أصول قريشية، فمثلا أخذ صلاح الدين الأيوبي لقب سلطان ولم يأخذ لقب الخليفة لأنه كردي أساسا، وكذلك فعل المماليك، والعثمانيون أيضا إلا من كان يقوم منهم بغزو بلد ما فيضاف إلى اسمه لقب الغازي فيصبح "السلطان الغازي"، ذلك أن آل عثمان قدموا أصلا من شمال غرب الصين ولا علاقة لهم بقريش أو بالعرب، إلى أن جاء السلطان عبد الحميد الثاني وفي عام 1876 وهو يصدر الدستور قام بالتوقيع عليه بلقب "خليفة المسلمين". ومن هنا كتب عبد الرحمن الكواكبي كتابه "أم القرى" ليعيد إلى الأذهان أن الخلافة في قريش، وأن الأتراك العثمانيين انتحلوها فقامت السلطات العثمانية بمطاردة الرجل وملاحقته حتى هرب من بلاد الشام إلى القاهرة ومات فيها (1902). وفيما بعد زعم أنصار العثمانيين في بلادنا أن السلطان سليم الأول عندما دخل مصر غازيا (1517) التقى بالخليفة العباسي المتوكل على الله الذي تنازل له عن منصب الخلافة وتلك أضحوكة كبرى فليست هناك وثيقة تقر ذلك التنازل، وكان بنو العباس منذ القضاء على خلافتهم في بغداد (1258) يعيشون في مصر دون سلطة حكم فعلية. والخدعة الثانية في إعلان الخلافة أن "الخليفة الجديد" يطلب من مؤيديه مبايعته بالخلافة!!. وتلك فرية أخرى على التاريخ ذلك أن البيعة لم تكن لكل المسلمين، بل لقد كانت منحصرة في "أهل الحل والعقد"، أي في صفوة المسلمين من أصحاب الرأي والنفوذ وليس في عوام الناس. ولا يقتصر أمر انتحال الخلافة على منظمة "داعش" هذه، بل إن الجماعات الإسلامية في عالمنا العربي ينادون بالخلافة أيضا وخاصة بعد "ثورات" الربيع العربي، وهذا حلمهم الذي صاغه حسن البنا في لائحة الجماعة (8 مايو 1948) تحت مبدأ "إقامة الحكومة الإسلامية والفرد المسلم والمرأة المسلمة والأسرة المسلمة ..". وتلك مجرد أحلام لإعادة نظام انتهى تاريخيا في منتصف القرن الثالث عشر (1258) وكانت له ظروفه الموضوعية. ولو صح أن الدين الواحد يصنع الدولة القومية الواحدة لانقسم العالم إلى ثلاث دول: يهودية، ومسيحية، وإسلامية. ولقد شهد العالم هذا النوع من الدولة الدينية لفترات متباعدة، ولكنها تفككت إلى مجموعة دول قومية على أساس اللغة الواحدة والتاريخ المشترك والأرض الواحدة (الوطن). يجب أن يعلم دعاة الخلافة الإسلامية أنهم بدعواهم هذه يخدمون الأجندة الأمريكية-الإسرائيلية من حيث تفتيت الوطن الواحد إلى عدة دويلات ميكروسكوبية على أسس طائفية..؟. وهذا من شأنه إعطاء المبرر لإسرائيل لأن تعلن نفسها دولة يهودية خاصة وأنها أعربت عن سرورها بقرب إعلان دولة الأكراد. ومثلما بدأت أمريكابالعراق بغزوه (أبريل 2003) ووضع أسس تفكيكه بمقتضى دستور أصدره الحاكم العام الأمريكي (بريمر) ونص على أن العراق دولة فيدرالية وأن العرب أحد مكوناته، يبدأ الشرق الأوسط الجديد من العراق بفضل "الخليفة أبو بكر البغدادي".