الجزار: قافلة علاجية تقدم 2000 خدمة طبية مجانية بالمقطم على مدار يومين    اقرأ غدًا في «البوابة».. قمة مصرية إماراتية في أبو ظبى.. السيسي وبن زايد يؤكدان أهمية الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة    محمود تريزيجيه: الأهلي بيتي وحياتي    رونالدو يرد على العرض البرازيلي للمشاركة في مونديال الأندية    وقفة عرفات...حالة الطقس في المملكة العربية السعودية غدًا    «جهار» تعلن نجاح 17 منشأة صحية في الحصول على الاعتماد    وزير التعليم العالي: نتوقع ارتفاع أعداد طلاب الجامعات ل5.5 مليون بحلول عام 2032    محافظ المنيا: جادون في استرداد الأراضي وتطبيق القانون بكل حسم لتحقيق التنمية    استكمال وافتتاح معامل 4 كليات بجامعة المنيا الأهلية كمرحلة أولى    الرئيس السيسى يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره التونسى بمناسبة عيد الأضحى المبارك    ألمانيا ضد البرتغال.. شوط أول سلبي في نصف نهائي دوري الأمم الأوروبية    محافظ الجيزة يستقبل وفود الكنائس بالمحافظة للتهنئة بعيد الأضحى المبارك    الاتحاد الدولي للاتصالات يهنئ مصر بإطلاق خدمات ال5G: خطوة نحو مستقبل رقمي    فاروق جعفر: التاريخ يرجح كفة الزمالك أمام بيراميدز فى نهائي كأس مصر    ديانج يلتحق ببعثة الأهلي في أمريكا    سكرتير عام الإسماعيلية يتابع جاهزية مركز ومدينة أبوصوير لاستقبال عيد الأضحى    التضامن: تنسيق كامل مع الجانب السعودى للتسهيل على الحجاج المصريين    دار الافتاء تجيب: حكم صيام يوم عرفة لمن لم يصم الثمانية أيام قبله    يوم التروية 2025.. ما مناسك الحجيج في الثامن من ذي الحجة؟    بعثة مصر للطيران تعقد اجتماعًا تنسيقيًا بجدة استعدادًا لعودة الحجاج    رفع درجة الاستعداد القصوى بمستشفيات جامعة بني سويف خلال إجازة العيد    وفد الأقباط الإنجيليين يقدم التهنئة لمحافظ أسوان بمناسبة عيد الأضحى    أمريكا أبلغت إسرائيل أنها ستستخدم الفيتو ضد مشروع قرار يدعو لوقف إطلاق النار بغزة    الإفتاء: صلاة الجمعة يوم العيد الأكمل ويجوز أداؤها ظهراً في هذه الحالة    نقابة بميناء فرنسى ترفض تحميل حاوية عسكرية متجهة لإسرائيل وتؤكد : لن نشارك بالمجازر المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني    طرح البوستر الدعائي ل فيلم "آخر رجل في العالم".. صورة    «شوفوا وأمِّنوا».. صلاح عبدالله يوجه رسالة لجمهوره بمشهد من مسلسل «حرب الجبالي»    منتخب شباب اليد يتوجه إلي بولندا فجر 17 يونيو لخوض بطولة العالم    الرقابة المالية تتقدم بمقترحات بشأن المعاملات الضريبية على الأنواع المختلفة لصناديق الاستثمار    مصرع طالب جامعي بطلق ناري في مشاجرة بين عائلتين بقنا    كريم محمود عبد العزيز يحيي ذكرى ميلاد والده برسالة مؤثرة    بعد طرحها.. حسام حبيب يكشف أزمة اغنيتة الجديدة سيبتك    أهم أخبار الكويت اليوم الأربعاء.. الأمير يهنئ المواطنين والمقيمين بعيد الأضحى    أهم أخبار السعودية اليوم الأربعاء.. حجاج بيت الله الحرام يتوافدون إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية    الوداد المغربى يستعجل رد الزمالك على عرض صلاح مصدق    بمناسبة عيد الأضحى، حريات الصحفيين تطالب بالإفراج عن 22 زميلًا محبوسًا    محمد بن رمضان يعيد أمجاد هانيبال مع الأهلي.. من هو وما قصته؟    صعب عليهم نسيان الماضي.. 5 أبراج لا يمكنها «تموڤ أون» بسهولة    محمد رمضان يقترب من الانتهاء من تصوير «أسد»    المفوضية الأوروبية تعطي بلغاريا الضوء الأخضر لاستخدام اليورو    زوارق إسرائيلية تختطف صيادًا من المياه الإقليمية بجنوب لبنان    القاهرة تستضيف النسخة الرابعة من المؤتمر والمعرض الطبي الإفريقي «صحة إفريقياAfrica Health ExCon»    برسالة باكية.. الشيخ يسري عزام يودع جامع عمرو بن العاص بعد قرار الأوقاف بنقله    خُطْبَةُ عِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ 1446ه    قرار عاجل من الزمالك بفسخ عقده لاعبه مقابل 20 ألف دولار    بعد نشرأخبار كاذبة.. مها الصغير تتقدم ببلاغ رسمي ل«الأعلى للإعلام »    جامعة القاهرة ترفع درجة الاستعداد القصوى والطوارئ بجميع مستشفياتها    وزيرة خارجية لاتفيا: سنعمل في مجلس الأمن لتعزيز الأمن العالمي وحماية النظام الدولي    الصحة: 58 مركزًا لإجراء فحوصات المقبلين على الزواج خلال فترة إجازة عيد الأضحى المبارك    رئيس الوزراء: إزالة تداعيات ما حدث بالإسكندرية تمت فى أقل وقت ممكن    مجلس الوزراء يوافق على اتفاقية مع الاتحاد الدولي للاتصالات لتحقيق التنمية الرقمية    مسلم يطرح أغنية جديدة بعنوان "سوء اختيار" من ألبومه الجديد    الإسكندرية ترفع حالة الطوارئ بشبكات الصرف الصحي استعدادًا لصلاة عيد الأضحى    مد فترة التشطيبات.. مستند جديد يفجر مفاجأة في واقعة قصر ثقافة الطفل بالأقصر    أول تحرك من «الطفولة والأمومة» بعد تداول فيديو لخطبة طفلين على «السوشيال»    البابا تواضروس الثاني يهنئ فضيلة الإمام الأكبر بعيد الأضحى المبارك    مسابقة لشغل 9354 وظيفة معلم مساعد مادة «اللغة الإنجليزية»    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية الأزهرية 2025.. الاستعلام برقم الجلوس عبر بوابة الأزهر فور اعتمادها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحديث مصر بين اللواء والفيلسوف
نشر في البديل يوم 06 - 07 - 2014

شغل ولم يزل يشغل سؤال التحديث الحيّز المركزي في المشروعات الفلسفية في الفكر العربي المعاصر، وكذلك المشروعات السياسية. وتنوعت أساليب الحل المقترحة، للخروج بمصر من حالة التدهور الحضاري والتبعية السياسية إلى مرحلة الحداثة والاستقلال. وكانت العلاقة بين التراث والغرب، بين الدول العربية والإسلامية والكتلة الشرقية من جانب، والغرب من جانب آخر، لذلك هي الإشكالية الأساسية أمام المفكرين والسياسيين على حد سواء.
وقد تعاصر في فترة دقيقة من حياة مصر المعاصرة اثنان من أهم أصحاب رؤى التحديث، أحدهما عسكري وسياسي هو محمد نجيب (1901-1984)، أول رؤساء مصر، وثانيهما هو عبد الرحمن بدوي (1917-2002)، الفيلسوف الوجودي المصري، أول فلاسفة مصر على حد تعبير طه حسين.
وفي السيرة الذاتية لكل منهما: "كنتُ رئيسًا لمصر" بقلم نجيب، و"سيرة حياتي" لبدوي، تتجلى كثير من نقاط الاشتراك الشخصية، كما تتباعد الرؤى بعد ذلك بخصوص مشروع التحديث الفكري والاجتماعي، فتكشف المقارنة عن التباين بين عقلية السياسي العسكري صاحب التطبيق من جهة، وعقلية السياسي الفيلسوف صاحب النظرية من جهة أخرى.
ومن الطريف أن السيرة الذاتية في الحالتين تبدأ بما يعني "أن ميلادي كان صدفة، كورقة شجر في مهب الريح، وكان يمكن ألا يقع"، وبينما نشأ نجيب في أسرة فقيرة، نشأ بدوي في أسرة ميسورة الحال، تفوق نجيب في دراسة العلوم العسكرية، وتفوق بدوي في دراسة الفلسفة، هاجر نجيب إلى الشمال (من السودان إلى مصر)، وكذلك تم ابتعاث بدوي إلى الشمال (من مصر إلى ألمانيا وإيطاليا لمدة أربعة أشهر)، صار نجيب لواء في الجيش المصري ذا سمعة رفيعة، وأصبح بدوي أستاذًا في جامعة القاهرة ذا احترام أكاديمي بالغ. والتقى خيطا الحياة والمصير في لجنة إعداد دستور 1954، حيث دُعي بدوي ليكون عضوًا بها، بعد أن قام نجيب بخلع الملك وإعلان الجمهورية. ولكن التأميم حجّم ثروة أسرة بدوي الغنية، ولم يتقاض-بحسبه-أية تعويضات حتى عهد مبارك، كما تم ضرب عرض الحائط بآراء بدوي وغيره في لجنة إعداد الدستور فيما بعد، وظل بدوي لهذا ساخطًا حتى وفاته على ثورة يوليو وعلى الضباط الأحرار وعلى ناصر خاصة. بينما سخط نجيب عليهم لأسباب أخرى، وفي النهاية تم اعتقال نجيب وتحديد إقامته حتى عام 1971، بينما رحل بدوي إلى أوروبا والبلاد العربية وإيران للتدريس والبحث، ولم يعد إلا قبيل وفاته بشهور.
وأثناء الحرب العالمية الثانية كان نجيب يرى أن تعاون مصر مع المحور لا يعني إلا احتلالاً جديدًا، بينما اعتبر دخولها الحرب إلى جانب بريطانيا خطوة في طريق الاستقلال السياسي والعسكري، وأن الحرب ستُنهِك القوى الاستعمارية التقليدية: إنجلترا وفرنسا، وهو ما حدث فعلاً. لكن بدوي، على النقيض، وباعتباره قياديًا في حزب مصر الفتاة، رأى ضرورة دعم ألمانيا في حربها ضد إنجلترا، وأن مصير مصر هو التعاون مع الرايخ الثالث، وأن الاستقلال السياسي والعسكري لن يتحقق بمعاداة المحور. وقد استفاد نجيب على حد قوله من خبرات الجستابو الألمان بعد الحرب في بناء المخابرات المصرية، بينما استفاد بدوي من خبرات الفلاسفة الوجوديين الألمان في تأسيس رؤيته الوجودية، ومشروعه للتحديث والنهضة.
كان نجيب مهندس ثورة يوليو وقائدها، أو أحد قادتها على الأقل، وكان بدوي صاحب رؤية شاملة نظرية. رأى نجيب أن التربية العسكرية للنشء-وهو مشروع اعتمده مجلس قيادة الثورة بعد ذلك-هو طريق التحديث، وأن ارتباط الجيش بالسياسة في الدول النامية ضروري، وأن عسكرة المجتمع جزئيًا حاجة لا غنى عنها في تلك المراحل المحورية في مجتمعات العالم الثالث، بينما رأى بدوي أن العقيدة الوطنية المتطرفة والروح الوجودية النازعة للتفوق الحضاري هي مشروع الحداثة، وأن الجيش لا دور له إلا في وقت الحرب، لدرجة الاستشهاد برأي الفيلسوف هيجل الذي رأى إمكانية تسريح الجيوش في غير أوقات الحروب.
رحل نجيب عن الحياة السياسية قسرًا، واختفى إلى أن فوجئ الناس بوفاته، بينما اعترف أنور السادات بعد حرب 1973 أنه ما كان ليحقق هذا الانتصار لولا قراءة كتاب (نيتشه) لبدوي، على حد قول بدوي. لكن عسكرة الحياة السياسية استمرت بعد نجيب، وماتت الوجودية أو كادت من مصر بعد بدوي، ولم تتحدَّث مصر، ولم تتقدم، ولم تنل الاستقلال الحقيقي. انتصر مشروع اللواء برغم فشله، ولم يتحقق مشروع الفيلسوف، لكنه لم ينتهِ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.