اتفاق بين مصر وألمانيا لتمويل البرنامج الوطني للمخلفات الصلبة ب80 مليون يورو    موعد ورابط الاستعلام عن نتيجة الصف السادس الابتدائي بالقاهرة والجيزة    وزير الدفاع يشهد تنفيذ مشروع تكتيكي بالذخيرة الحية لإحدى وحدات الجيش الثاني    أسعار الأسمنت اليوم الخميس 23-5-2024 في محافظة قنا    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية تبحث سبل التعاون مع نظرتها التونسية    إصدار لائحة المخازن لهيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء    توقيع عقد إدارة وتشغيل مصنع تدوير ومعالجة المخلفات بالمحلة الكبرى    رئيس كولومبيا يأمر بفتح سفارة لبلاده في مدينة رام الله الفلسطينية    الاتحاد الأوروبي يعلن بشرى سارة بشأن دعم وكالة أونروا    حماس: معبر رفح كان وسيبقى معبرا فلسطينيا مصريا    بعد مناورات الصين.. تايوان تضع وحداتها الصاروخية وطائراتها في حالة تأهب    مراسم تشييع استمرت يومين.. جثمان الرئيس الإيراني يوارى الثرى بمشهد    العدل الدولية تصدر حكمها غدا بشأن تدابير الطوارئ والإبادة الجماعية بغزة    موعد مباراة اتحاد جدة وضمك بالدوري السعودي    "بسبب مغادرة 5 محترفين".. خطاب عاجل من الزمالك لاتحاد الكرة لتأجيل هذه مباراة    "عملتها بعفوية".. أحمد سليمان يوضح سبب اللقطة المثيرة في نهائي الكونفدرالية    وكيل تعليم الغربية يتابع امتحانات الإعدادية بإدارة شرق طنطا    ناجية من حادث "معدية أبو غالب" تفجر مفاجأة عن سبب الكارثة    ضبط 110 مخالفات متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق بالمنيا    براءة سكرتيرة «طبيب الإجهاض» بالجيزة    حريق يلتهم منزلًا فى سوهاج.. تعرف على الخسائر    النسايب وقعوا في بعض.. إصابة شخصين في مشاجرة بسوهاج    تهشمت سيارتها.. مي سليم تنجو من حادث مروع    تعرف على إيرادات فيلم "عالماشي" بعد 6 أسابيع من طرحه بالسينمات    مسلسل دواعي السفر يتصدر قائمة الأعلى مشاهدة على منصة WATCH IT    رجل متزوج يحب سيدة آخري متزوجة.. وأمين الفتوى ينصح    وفد المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض يجري زيارة ميدانية لمستشفى شرم الشيخ الدولي    رئيس جامعة المنيا يفتتح مهرجان حصاد «نوعية» في نسخته الأولى    أخبار الأهلي: حقيقة مفاوضات الأهلي مع حارس مرمي جديد    الداخلية تضبط 484 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1356 رخصة خلال 24 ساعة    محمود محيي الدين: تراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي أكثر من 3.4%    «الصحة»: المرأة الحامل أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشري HIV    تشابي ألونسو: لم نكن في يومنا ولدينا فرصة للفوز بكأس ألمانيا    رئيس مياه سوهاج يتفقد مشروعات الصرف الصحى بمركز طما بقيمة 188 مليون    الرعاية الصحية تعلن نجاح اعتماد مستشفيى طابا وسانت كاترين بجنوب سيناء    نوادي المسرح معمل التأسيس، في العدد الجديد من «مسرحنا»    ل برج الجوزاء والميزان والدلو.. مفارقة كوكبية تؤثر على حظ الأبراج الهوائية في هذا التوقيت    أول تعليق من دانا حمدان على حادث شقيقتها مي سليم.. ماذا قالت؟    سويلم يلتقي وزير المياه السنغالي لبحث تعزيز التعاون بين البلدين    فضل الأعمال التي تعادل ثواب الحج والعمرة في الإسلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-5-2024    موسم الحج.. إجراءات عاجلة من السعودية بشأن تأشيرات الزيارة بداية من اليوم    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    الجريدة الرسمية تنشر قرارين جمهوريين للرئيس السيسي (تفاصيل)    "علق نفسه في سقف الأوضة".. نزيل بفندق شعبي ينهي حياته في الأقصر    رحيل نجم الزمالك عن الفريق: يتقاضى 900 ألف دولار سنويا    نشرة «المصري اليوم» الصباحية..قلق في الأهلي بسبب إصابة نجم الفريق قبل مواجهة الترجي.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم قبل ساعات من اجتماع البنك المركزي.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم الخميس 23 مايو 2024    اللعب للزمالك.. تريزيجيه يحسم الجدل: لن ألعب في مصر إلا للأهلي (فيديو)    سر اللعنة في المقبرة.. أبرز أحداث الحلقة الأخيرة من مسلسل "البيت بيتي 2"    هل يجوز للرجل أداء الحج عن أخته المريضة؟.. «الإفتاء» تجيب    رئيس الزمالك: جوميز مدرب عنيد لا يسمع لأحد    عماد الدين حسين: تقرير «CNN» تعمد الإساءة والتضليل حول موقف مصر من المفاوضات    تسجيل ثاني حالة إصابة بأنفلونزا الطيور بين البشر في الولايات المتحدة    ماهي مناسك الحج في يوم النحر؟    البابا تواضروس يستقبل مسؤول دائرة بالڤاتيكان    ماذا حدث؟.. شوبير يشن هجومًا حادًا على اتحاد الكرة لهذا السبب    حظك اليوم| برج الحمل الخميس 23 مايو.. «طاقة كبيرة وحيوية تتمتع بها»    البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان يلتقي الكهنة والراهبات من الكنيسة السريانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحديث مصر بين اللواء والفيلسوف
نشر في البديل يوم 06 - 07 - 2014

شغل ولم يزل يشغل سؤال التحديث الحيّز المركزي في المشروعات الفلسفية في الفكر العربي المعاصر، وكذلك المشروعات السياسية. وتنوعت أساليب الحل المقترحة، للخروج بمصر من حالة التدهور الحضاري والتبعية السياسية إلى مرحلة الحداثة والاستقلال. وكانت العلاقة بين التراث والغرب، بين الدول العربية والإسلامية والكتلة الشرقية من جانب، والغرب من جانب آخر، لذلك هي الإشكالية الأساسية أمام المفكرين والسياسيين على حد سواء.
وقد تعاصر في فترة دقيقة من حياة مصر المعاصرة اثنان من أهم أصحاب رؤى التحديث، أحدهما عسكري وسياسي هو محمد نجيب (1901-1984)، أول رؤساء مصر، وثانيهما هو عبد الرحمن بدوي (1917-2002)، الفيلسوف الوجودي المصري، أول فلاسفة مصر على حد تعبير طه حسين.
وفي السيرة الذاتية لكل منهما: "كنتُ رئيسًا لمصر" بقلم نجيب، و"سيرة حياتي" لبدوي، تتجلى كثير من نقاط الاشتراك الشخصية، كما تتباعد الرؤى بعد ذلك بخصوص مشروع التحديث الفكري والاجتماعي، فتكشف المقارنة عن التباين بين عقلية السياسي العسكري صاحب التطبيق من جهة، وعقلية السياسي الفيلسوف صاحب النظرية من جهة أخرى.
ومن الطريف أن السيرة الذاتية في الحالتين تبدأ بما يعني "أن ميلادي كان صدفة، كورقة شجر في مهب الريح، وكان يمكن ألا يقع"، وبينما نشأ نجيب في أسرة فقيرة، نشأ بدوي في أسرة ميسورة الحال، تفوق نجيب في دراسة العلوم العسكرية، وتفوق بدوي في دراسة الفلسفة، هاجر نجيب إلى الشمال (من السودان إلى مصر)، وكذلك تم ابتعاث بدوي إلى الشمال (من مصر إلى ألمانيا وإيطاليا لمدة أربعة أشهر)، صار نجيب لواء في الجيش المصري ذا سمعة رفيعة، وأصبح بدوي أستاذًا في جامعة القاهرة ذا احترام أكاديمي بالغ. والتقى خيطا الحياة والمصير في لجنة إعداد دستور 1954، حيث دُعي بدوي ليكون عضوًا بها، بعد أن قام نجيب بخلع الملك وإعلان الجمهورية. ولكن التأميم حجّم ثروة أسرة بدوي الغنية، ولم يتقاض-بحسبه-أية تعويضات حتى عهد مبارك، كما تم ضرب عرض الحائط بآراء بدوي وغيره في لجنة إعداد الدستور فيما بعد، وظل بدوي لهذا ساخطًا حتى وفاته على ثورة يوليو وعلى الضباط الأحرار وعلى ناصر خاصة. بينما سخط نجيب عليهم لأسباب أخرى، وفي النهاية تم اعتقال نجيب وتحديد إقامته حتى عام 1971، بينما رحل بدوي إلى أوروبا والبلاد العربية وإيران للتدريس والبحث، ولم يعد إلا قبيل وفاته بشهور.
وأثناء الحرب العالمية الثانية كان نجيب يرى أن تعاون مصر مع المحور لا يعني إلا احتلالاً جديدًا، بينما اعتبر دخولها الحرب إلى جانب بريطانيا خطوة في طريق الاستقلال السياسي والعسكري، وأن الحرب ستُنهِك القوى الاستعمارية التقليدية: إنجلترا وفرنسا، وهو ما حدث فعلاً. لكن بدوي، على النقيض، وباعتباره قياديًا في حزب مصر الفتاة، رأى ضرورة دعم ألمانيا في حربها ضد إنجلترا، وأن مصير مصر هو التعاون مع الرايخ الثالث، وأن الاستقلال السياسي والعسكري لن يتحقق بمعاداة المحور. وقد استفاد نجيب على حد قوله من خبرات الجستابو الألمان بعد الحرب في بناء المخابرات المصرية، بينما استفاد بدوي من خبرات الفلاسفة الوجوديين الألمان في تأسيس رؤيته الوجودية، ومشروعه للتحديث والنهضة.
كان نجيب مهندس ثورة يوليو وقائدها، أو أحد قادتها على الأقل، وكان بدوي صاحب رؤية شاملة نظرية. رأى نجيب أن التربية العسكرية للنشء-وهو مشروع اعتمده مجلس قيادة الثورة بعد ذلك-هو طريق التحديث، وأن ارتباط الجيش بالسياسة في الدول النامية ضروري، وأن عسكرة المجتمع جزئيًا حاجة لا غنى عنها في تلك المراحل المحورية في مجتمعات العالم الثالث، بينما رأى بدوي أن العقيدة الوطنية المتطرفة والروح الوجودية النازعة للتفوق الحضاري هي مشروع الحداثة، وأن الجيش لا دور له إلا في وقت الحرب، لدرجة الاستشهاد برأي الفيلسوف هيجل الذي رأى إمكانية تسريح الجيوش في غير أوقات الحروب.
رحل نجيب عن الحياة السياسية قسرًا، واختفى إلى أن فوجئ الناس بوفاته، بينما اعترف أنور السادات بعد حرب 1973 أنه ما كان ليحقق هذا الانتصار لولا قراءة كتاب (نيتشه) لبدوي، على حد قول بدوي. لكن عسكرة الحياة السياسية استمرت بعد نجيب، وماتت الوجودية أو كادت من مصر بعد بدوي، ولم تتحدَّث مصر، ولم تتقدم، ولم تنل الاستقلال الحقيقي. انتصر مشروع اللواء برغم فشله، ولم يتحقق مشروع الفيلسوف، لكنه لم ينتهِ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.