النازية هي النزعة العنصرية التي ظهرت في ألمانيا في عشرينات القرن العشرين بشكل متبلور، ثم استطاعت أن تصل-عبر انتخابات نزيهة-إلى السلطة في الثلاثينات. وكان هدف النازية توحيد شعوب الأمة الألمانية، التي ضمت الشعوب المتحدثة باللغة الألمانية-وهي اللغة الأولى في أوروبا كلغة أم حتى اليوم-والتي تنتشر على مساحة ما يعرف الآن بجمهورية ألمانيا الاتحادية والنمسا وأجزاء مما كان يعرف بتشيكوسلوفاكيا، وليشتنشتاين ولوكسمبورج وأكثر من 70% من سويسرا. وقد ارتبطت النازية بفكرة الرايخ Reich الذي يعني المملكة أو الدولة، وهي إمبراطورية عريضة المساحة تمركزت في ألمانيا بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية عقب هجرات القبائل الجرمانية (ومنها الألمان والغال والفرانك أي شعب فرنسا حاليًا) عبر الدانوب والراين، ونشأت لذلك الإمبراطورية الرومانية المقدسة التي ضمت ألمانيا والنمسا وإيطاليا والدانمارك وسويسرا وجزءا من التشيك، ولكن بعد انفصال إيطاليا لم تعد الإمبراطورية رومانية، فتمركزت السلطة في ألمانيا، وسميت الإمبراطورية لذلك باسم (الإمبراطورية الرومانية المقدسة للأمة الألمانية)، أو ما عرف بالرايخ الأول Erstes Reich. ثم توالت الانفصالات عن ألمانيا، وكانت سويسرا سباقة إلى الانفصال. وبعد حروب نابليون بونابرت في وسط وشرق أوروبا انهار الرايخ الأول عام 1805، وتحولت ألمانيا نفسها إلى ما ربى على 300 وحدة سياسية ما بين مملكة، وإمارة، وأسقفية، وكاردينالية، كانت أهمها إمبراطورية بروسيا، والتي استطاعت توحيد ألمانيا مرة أخرى ما بين عامي 1870-1871، ليتكون الرايخ الثاني Zweites Reich بزعامة مستشار بروسيا (المستشار الحديدي) هينريش فون بسمارك. وبعد خسارة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى انهار الرايخ الثاني وفقدت ألمانيا نصف مساحتها عام 1918. ومن هنا ظل حلم الرايخ أشبه بحلم الخلافة الإسلامية لدى الإسلاميين مثلاً. فظهرت النازية لتحقق ذلك الحلم، وقد استطاعت ذلك فعلا لبضع سنين، وإن شمل الرايخ الثالث Drittes Reich كل أوروبا عدا إسبانيا والبرتغال والسويد وسويسرا والفاتيكان وأيرلندا وليشتنشتاين وأندورا. وبعد انتصار النازية في البداية على فرنسا وانهيار أوروبا أمام قواتها، وتهديدها الجاد لإنجلترا، ومحاولتها اجتياح الشمال الأفريقي ومصر بالذات من أجل فتح قناة السويس لإخراج أسطول إيطاليا من البحر المتوسط للاستفادة به في حصار الجزيرة البريطانية، ظهرت اتجاهات تدعو إلى الانحياز إلى قوات المحور ضد بريطانيا التي كانت تحتل مصر في ذلك الوقت 1942، وكان من أهم المفكرين الكبار على مستوى العالم العربي كله الذين تزعموا هذا الاتجاه هو الوجودي المصري عبد الرحمن بدوي، السكرتير العام لحزب مصر الفتاة في ذلك الوقت. ظهرت كتابات بدوي في ذلك التوقيت ذات خطورة كبيرة، ودعوة مباشرة لدعم هتلر في حربه ضد الحلفاء. وأكد بدوي في مقالاته السياسية أن هتلر على وشك أن يكسب حربه في أوروبا، وأنه على أية حال سيكسبها لا محالة. صحيح أن القومية ظهرت في الفكر العربي المعاصر في أعمال مفكرين عرب آخرين قوميين متطرفين، كميشيل عفلق، لكنها لم تكن على النحو نفسه من وضوح التوجه نحو النازية عينها. وقد يعتبر بدوي نظير الفيلسوف الألماني هيدجر Heidegger في الجمع بين الوجودية والنازية؛ فقد كان بدوي متأثرًا بهيدجر، كما كان هيدجر عضوًا في الحزب النازي-وإن ظل على خلاف مع النازيين حتى منعوه من التدريس في الجامعة وظل ممنوعًا من قبل الحلفاء بعد خسارة هتلر لأنه كان عضوًا في النازي عدة سنوات-والصلة بين الوجودية والنازية واضحة للمتخصصين؛ فالوجودية لا تتضمن نظرية أخلاقية معينة، وقد قال بدوي في (هل يمكن قيام أخلاق وجودية؟) أن الأخلاق الوحيدة التي يمكن أن تتوافر في الوجودية هي (افعل ما شئت ما دام جديدا)، الأمر الذي يفتح الباب لنظرية نيتشه، الذي هو مؤسس الوجودية الملحدة، ومنها تيار هيدجر وسارتر وبدوي بشكل ما. وتقوم نظرية نيتشه الأخلاقية على تحقيق الذات عن طريق التفوق اللا متناهي، وهو ما يربطها بفكرة البطل والحرب والتعالي الرأسي (ميلاد البطل من الشعب) في النازية. ويظل السؤال: هل كان من صالح مصر العسكري والسياسي دعم بريطانيا في حربها ضد الرايخ الثالث؟ فمصر كانت محتلة في كل الحالات، كما أن مصر كان يمكن لها أن تتخذ موقفًا محايدًا من الرايخ الثالث كما فعلت سويسرا والسويد مثلاً، دون الوقوع في حرب خطيرة ضد قوات المحور الإيطالية ثم الألمانية، كان يمكن للتحالف الذي أقامته بريطانيا من قوات مستعمراتها وقواتها الذاتية في صحراء مصر الغربية أن يخسرها. ولكن هل كان لمصر الاختيار حقًا وبريطانيا تسيطر فعليًا على سياستها وتملي شروطها على القصر، رغم انحسار وجودها في مصر في قناة السويس فقط منذ معاهدة 1936؟ على أية حال كانت هذه الحرب مما قوى موقف لواءات الجيش المصري ضد القصر وهو مما مهد لانقلاب يوليو 1952. كريم الصياد Köln 13.6.2014