حرر الشعر من ركوده، ثار على التقليد الشعري الذي أسره التكرار والصنعة، أنه العظيم صلاح عبد الصبور، أحد أهم رواد حركة الشعر الحر العربي ومن رموز الحداثة العربية المتأثرة بالفكر الغربي، كما يعدّ واحداً من الشعراء العرب القلائل الذين أضافوا مساهمة بارزة في التأليف المسرحي, وفي التنظير للشعر الحر. تمر اليوم الذكرى ال83 لميلاد مؤلف "مأساة الحلاج"، الذي تتلمذ علي يد الشيخ أمين الخولي الذي ضمه إلى جماعة "الأمناء" التي كوّنها، ثم إلى "الجمعية الأدبية" التي ورثت مهام الجماعة الأولى، كان للجماعتين تأثير كبير على حركة الإبداع الأدبي والنقدي في مصر. ودع "عبد الصبور" بعدها الشعر التقليدي ليبدأ السير في طريق جديد تماماً تحمل فيه القصيدة بصمته الخاصة، زرع الألغام في غابة الشعر التقليدي الذي كان قد وقع في أسر التكرار والصنعة فعل ذلك للبناء وليس للهدم، فأصبح فارسا في مضمار الشعر الحديث. بدأ ينشر أشعاره في الصحف واستفاضت شهرته بعد نشره قصيدته شنق زهران وخاصة بعد صدور ديوانه الأول الناس في بلادي إذ كرسه بين رواد الشعر الحر مع نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وسرعان ما وظف صلاح عبد الصبور هذا النمط الشعري الجديد في المسرح فأعاد الروح وبقوة في المسرح الشعري الذي خبا وهجه في العالم العربي. تميز مشروعه المسرحي بنبرة سياسية ناقدة لكنها لم تسقط في الانحيازات والانتماءات الحزبية. كما كان لعبد الصبور إسهامات في التنظير للشعر خاصة في عمله النثري حياتي في الشعر. وكانت أهم السمات في أثره الأدبي استلهامه للتراث العربي وتأثره البارز بالأدب الإنجليزي. تنوعت المصادر التي تأثر بها إبداع صلاح عبد الصبور: من شعر الصعاليك إلى شعر الحكمة العربي، مروراً بسيَر وأفكار بعض أعلام الصوفيين العرب: مثل الحلاج وبشر الحافي، الذين استخدمهما كأقنعة لأفكاره وتصوراته في بعض القصائد والمسرحيات، كما استفاد الشاعر من منجزات الشعر الرمزي الفرنسي والألماني "عند بودلير وريلكه"، والشعر الفلسفي الإنكليزي "عند جون دون وييتس وكيتس وت. س. إليوت" بصفة خاصة، وقد كتب الكثيرين في العلاقة بين جريمة قتل في الكاتدرائية لإليوت ومأساة الحلاج لعبد الصبور. لم يُضِع عبد الصبور فرصة إقامته بالهند مستشارا ثقافياً لسفارة بلاده، بل أفاد خلالها من كنوز الفلسفات الهندية ومن ثقافات الهند المتعددة وكذلك كتابات كافكا السوداوية. هذا إلي جانب تأثره بكتاب مسرح العبث. و كما ذكر بتذيل مسرحيته "مسافر ليل". اقترن اسم "عبد الصبور" باسم الشاعر الأسباني "لوركا" خلال تقديم المسرح المصري مسرحية "يرما" لكاتبها "لوركا" بستينات القرن الماضي، إذ اقتضي عرض المسرحية أن تصاغ الأجزاء المغناة منها شعرا، وكان هذا العمل من نصيب " صلاح عبد الصبور ". ظهرت ملامح التأثر بلوركا من خلال عناصر عديد بمسرحيات عبد الصبور مثل: "الأميرة تنتظر، بعد أن يموت الملك، ليلي والمجنون، فبهذه المسرحيات تشابهت الموضوعات فيما بينهم، واستقي عبد الصبور منابع موضوعاته من خلال التناص الواضح مع طبيعة الموضوعات والتيمات المسرحية. صاغ الشاعر باقتدار سبيكة شعرية نادرة من صَهره لموهبته ورؤيته وخبراته الذاتية مع ثقافته المكتسبة من الرصيد الإبداعي العربي ومن التراث الإنساني عامة. وبهذه الصياغة اكتمل نضجه وتصوره للبناء الشعري.