كتب "عمرو حمزاوي" في الشروق مقالا في ۱۹ إبريل الجاري بعنوان "مصر ۲۰۱4.. تفكيك أسطورة الناصريةالمعدلة". ولن ننحدر هنا للمستوى الذي تدنى إليه أستاذ العلوم السياسية "الليبرالي" حين وصف المخالفين له بالنفاق والسعي للمناصب بكلام مرسل.أما هجومه "القديم المكرر" على الفكر الناصري فهو ما سنرد عليه. فمنذ السبعينيات، بدأ "الواقعون" في هوى النموذج الأمريكي للدولة والمجتمع هجومهم على الفكر الناصري والحقبة الناصرية، ومنذ ذلك الحين ولليوم لم يتغير حرف في خطابهم المتهافت، فهم يتعمدون عدة مغالطات، وهي: 1. تشويه الحقبة الناصرية، بتضخيم الإخفاقات وتقزيم الإنجازات، بكلام مرسل يتجاهل الأرقام والحقائق التي تفضح كذبهم بالضرورة. 2. الخلط بين الفكر الناصري بثوابته الثلاثة؛ حرية، اشتراكية، وحدة. وبين تطبيقاتها الأولى في الحقبة الناصرية التي شوهوها بالأكاذيب. 3. ادعاء أن الفكر الناصري جامد ولا يمكنه البناء على إنجازات الحقبة الناصرية وتلافي قصورها! 4. الربط زورا بين الحقبة الناصرية وحكم"السادات" و"مبارك"، والادعاء بأنهما كانا امتدادا لها!!! لم يخرج "حمزاوي" عن رباعية التضليل تلك في كثير أو قليل! ولو استعان ببعض مقالات "أنيس منصور"أو "عبد العظيم رمضان" وغيرهما من كتاب السبعينيات والثمانينيات لكفته عناء الكتابة، وكفتنا عناء مطالعة الأخطاء اللغوية الفاضحة التي حفل بها مقاله! كقوله "فلا استقلال وطنيا حافظ عليه" وقوله "ولا مجتمع منتجا ومتعلما …." وغيرها. ولكنه شاء تجديد الهجوم فوجب تجديد الرد والتفنيد، وهنا سنضع أمام القاريء الحقائق التي تدحض تلك الأكاذيب الأربعة التي عول عليها كما فعل غيره. الحقيقة الأولى: لمصر .. لا لعبدالناصر. أما ما جاء في مقال"حمزاوي" من هجوم على حكم الرئيس "جمال عبد الناصر"، وأكاذيب الفشل في بناء مجتمع الكفاية والعدل، والفشل في تحقيق استقلال القرار الوطني، فنحيل القاريء في الرد عليه للكتاب الجامع المانع لأستاذنا "محمد حسنين هيكل" بعنوان "لمصر لا لعبد الناصر". وهو متاح إلكترونيا فضلا عن عدة طبعات ورقية آخرها طبعة دار الشروق. كتاب لا يعتمد على سرديات جوفاء، ولكن على جداول الإحصاء ولغة الأرقام والوثائق. لم يكن "هيكل" يدافع عن صديق عمره "عبدالناصر" وحسب، ولكن عن نضال شعب حقق نجاحات باهرة تحت قيادته، ومن هنا كان اسم الكتاب: لمصر لا لعبد الناصر. الحقيقة الثانية: حرية .. اشتراكية.. وحدة تلك هي ركائز الفكر الناصري الخالدة، والمشترك الأعظم بين الناصريين، والتي لم يتطرق إليها "حمزاوي"من قريب أو بعيد! لأنها عصية على المزايدة، فهي ببساطة الفكر السياسي الوحيد الذي خرج من هذه الأرض ولم يفد إليها من خارجها! خرج وفقا لحقائق الجغرافيا والتاريخ في هذا الوطن، وهو ما جعل العبقري "جمال حمدان" يقول بأن "الناصرية هي المصرية كما ينبغي أن تكون"، ويقول في موضع آخر "جمال عبد الناصر هو الحاكم المصرى الوحيد الذى فهم الجغرافيا السياسية لمصر". ولأن "حمزاوي" ليس أهلا للسجال حول المبدأ، فقد استغرق في تضخيم الهنَّات والقصور في تطبيق الفكر في الخمسينيات والستينيات، بعد أن عميت عينه المغرضة عن كل الإنجازات! والحق أننا لو حاسبنا الفكر السياسي الليبرالي (الذي ينتمي إليه كاتب المقال) على الإخفاقات والانهيارات التي مر بها في أوروبا منذ "جون لوك" وحتى قبيل الحرب العالمية الأولى فسوف نلفظها ومنظريها للأبد. ولو حاسبناها على ما آلت إليه اليوم في ثوب "الليبرالية الجديدة" التي تعود بالبشرية تدريجيا لعصر العبيد تحت مسميات براقة، فسوف نسمها بأبشع الوسوم. لكن الهوى والغرض لا يتملكنا كما تملك كاتب المقال، لننكر أن الليبرالية كانت رافدا من روافد الفكر البشري، وأنها نجحت في الإضافة إليه وحققت بعض الإنجازات في بعض مراحلها. ولو حاسبنا الشيوعية بمختلف مدارسها على الإخفاقات والانهيارات لكان مآلها مماثلا! لكن الإنصاف يدعونا للقول بأنه لولا ظهورها في الفكر البشري لتوحشت الرأسمالية. وأن الخوف من الثورة الشيوعية وازن أطماع المحافظين في كثير من المجتمعات، وخلق مكاسبا اشتراكية للعمال والكادحين حتى في أمريكا، قاطرة الرأسمالية نفسها. الحقيقة الثالثة: ثبات المباديء ومرونة التطبيق يخلط الحمقى بين ثبات المباديء – وهو سمت كل من كان على بينة من فكره وموقفه – وبين مرونة التطبيق التي تستوعب الزمان والمكان. فتطبيقات الاشتراكية الأولى مثلا (۱۹5۲-۱۹56م) تباينت عنها في الفترة من (۱۹6۱-۱۹65)، ولسوف تختلف اليوم في تطبيقاتها! فقد رفض "عبدالناصر" الضرائب التصاعدية بديلا عن الإصلاح الزراعي، هكذا اقتضت طبيعة علاقات الإنتاج وقتها! واليوم يطالب الناصريون بتطبيق الضرائب التصاعدية كأحد الآليات الاشتراكية. فاحترام الثوابت ليس غرقا في الماضي ولا يعني الجمود عليه.ولنا أن نسأل: هل قامات الفكر والإبداع مثل "محمد حسنين هيكل"،"محمود عوض"، "عبد الحليم قنديل"، "جمال حمدان"،"أسامة عكاشة" و"يسري الجندي" وغيرهم، كلها ماضوية جامدة؟ وهل صاحب الفيمتو ثانية ماضوي بدوره؟ فقد كتب "أحمد زويل" طالب الابتدائي خطابا للرئيس "عبد الناصر"، فرد عليه الرئيس بخطاب نشره"زويل" فخرا واعتزازا في كتابه "عصر العلم"، فضلا عن تعليقات عالمنا الفذ الإيجابية دوما عن الزعيم وعصره، ودور "عبد الناصر" في تكوين شخصيته! الحقيقة الرابعة: أبناء عبد الناصرهم امتداده هل كان "السادات"و"مبارك" امتدادا لناصر؟ دعك من مثقفي "الستين عاما"، وانزل للبسطاء واسألهم يجيبوك بالحق الناصع الوضاح كشمس النهار. هم الذين حملوا صورة "ناصر" على الأكتاف وهتفوا باسمه في ۳۰ يونيو، كأنهم يصبونه نارا في آذان "حمزاوي" وأشباهه. الشعب الذي ثار في ۲5 يناير فحدد أهدافه ولم يحدد طريقه، قد خرج في يونيو وقد تعلم الدرس الصعب واستدعى صورة الزعيم ليحدد الطريق. وأبناء الفكر الناصري هم وحدهم امتداد عبد الناصر! وهنا سأكرر على "حمزاوي"ما يكوي كبده عامدا، وهو ما قاله المشير "السيسي" في اجتماعه مع المثقفين ونقله عنه "هيكل" و"قنديل": كانت مصر على الطريق الصحيح منذ ثورة يوليو وحتى ۱۹7۰م، ثم انحرفت قليلا ما بين ۱۹7۱م و۱۹74م، وزادالانحراف بعدها، حتى جاء "مبارك" فضاعت خلال حكمه معالم الطريق. لهذا يا سيد "عمرو" وليس لأنه عسكري نؤيده، وإن كانت الخدمة العسكرية ليست برأينا كما تدعي شرطا للقيادة، لكنها شرف مضاف ولا نقبل أن توسم بالنقيصة!!! فاكتب ما أردت، وهاجمنا كما تشاء. لن ينتظرك أحد على بوابات مدينة الإنتاج الإعلامي ليحطم سيارتك، ولن نأخذ من أحد "إشارة فنأتي بك في شكارة"!!! فلنا رمز ومعلم تعلمنا منه مقارعة الكلام بالكلام، والعدوان بالحسام.