«الخال»: «السيسي» وقف بصدره عاريًا أمام أمريكا والغرب لينقذ وطنه وشعبه «أصحاب المصالح» يحاولون إعادة صياغة عقول شباب النت وتلقينهم ما يخدم مآربهم «الرومانسية» و«أفكار عبد الناصر» يبعدان «صباحي».. فمصر تحتاج حاكمًا قويًّا رفض ترشح «السيسي» موقف خاطئ ناتج عن «رؤية ملقنة» ظل يمثل «أيقونة» مصرية خالصة خاصة، كلماته كانت عبر حقبات كثيرة مضت أمواجا متلاطمة، تدفع بفوران الروح المصرية التي تكتسي دوما بالهدوء إلى شاطئ التغيير والثورة على الجمود، ترفض الرضوخ والاستسلام. وحين ظن البعض أنه «عدى النهار» على روحه الشاعرة الثائرة، انسابت نبضة شعرية جديدة تقول للوطن «الهوى هوايا» وتصرخ في كل طاغية استباح دم أبناء هذا الوطن «اقتلني، قتلي ما هيعيد دولتك تاني.. باكتب بدمي حياة تانية لأوطاني».. هو من اعتاد منح شباب هذا الوطن عبر دفقات شعره الحكمة والرؤية واليقظة، هو روح ورمز صعيد مصر، هو معين شعر مصري لا ينضب، هو «الخال».. هو الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي.. الذي كان ل «البديل» معه هذا الحوار.. ** كيف ترى مصر بعد ثلاث سنوات من ثورة 25 يناير ؟ كانت ثلاث سنوات رائعة، أفدنا منها اهتمام الشعب المصري كله بالسياسة وبمصيره، ففي 25 يناير وفي 30 يونيو، أبهر المصريون – كعادتهم – العالم، نحن شعب لا يمكن أن يركن أحد لهدوئه فيظنه رضوخا واستسلاما، شعب دائما يبتكر الجديد والمفاجئ وكنت أثق فيه دائما في أحلك الظروف. حتى في «نكسة» 1967 التي كانت أسوأ أيام في تاريخ هذا الشعب كنت متفائلا واثقا في قدرته علي الانتصار والتغلب علي آثار الهزيمة. وفي الوقت الذي استسلم فيه كثير من الكتاب والمبدعين لصدمة النكسة، كتبت «عدي النهار» وغناها عبد الحليم حافظ، وقلت "يا هل تري الليل الحزين، أبو النجوم الدبلانين، أبو الغناوي المجروحين.. يقدر ينسيها الصباح أبو شمس بترش الحنين؟.. أبدا.. بلدنا للنهار… بتحب موال النهار.. لما يعدي في الدروب ويغني قدام كل دار". وخضت معركة طويلة لنشر هذه الروح المليئة بالتفاؤل والأمل، وسافرت شمالا وجنوبا أعقد الأمسيات الشعرية في قرية ومدينة، بلغت حوالي 460 أمسية، سعيت خلالها إلى بث الأمل، وأبلغهم أن مصر سوف تنتصر وتعبر هذه الكبوة الرهيبة، كان لدي إيمان بأن الشعب المصري لن يقبل «كسرة العين» أو المذلة والمهانة، لكنه دائما في حالة تربص يراقب ويفرز دائما ويعرف أعداءه ولصوصه. ** في النكسة كان عدو الشعب واضحًا، لكن في الوقت الحالي هل عرف الشعب لصوصه؟ الإخوان كانوا أعداء الشعب الحقيقيين، أرادوا سرقة البلد لتنفيذ مشروعاتهم ومخططاتهم في المنطقة، لكن الشعب المصري العظيم قضي علي هذه الطموحات الواهية في 30 يونيو، وصنع ثورته الجديدة ضد تجار الدين كما كتبت، فالإخوان ليسوا مصريين، تآمروا على أمن وسلامة البلاد وقتلوا الناس في الشوارع وقتلوا رجال الشرطة والجيش وحرقوا المنازل. ** قلت إن 25 يناير ثورة و30 يونيو ثورة، لماذا تؤكد أن الثانية أيضًا «ثورة» وليست «موجة ثورية ثانية»؟ بكل تأكيد 30 يونيو ثورة وليست موجة، فتلك الملايين التي خرجت في الشوارع بتلقائية وفرحة غامرة بعد أن وقعت علي استمارات «تمرد» لتعزل الإخوان الذين خدعوهم وكذبوا عليهم، ومن ثم فإن 30 يونيو لا تقل أهمية عن 25 يناير، وتعد حدثا عظيما في تاريخ هذه الأمة، 30 يونيو ثورة وليست موجة لأنها صححت مسار ثورة يناير، وخلصت المصريين من الإخوان. لكن حدث بعد ذلك اختلاف في المواقف بعد هذا الالتحام والتأييد الجماهيري، لأن هناك قيادات سياسية لها مصالح جرت الشباب وسحبته إلى ما يخدم مآربها والشباب يتحرك مدفوعا بإخلاصه لوطنه ولا يعرف هذه المصالح. ** كيف رأيت الاستقطاب والتخوين بين شباب 30 يونيو و25 يناير؟ لديَّ قناعة بأن «تمرد» باستماراتها أنقذت ثورة يناير، وإذا كان شباب 25 يناير «عميان» عمن أنقذ الثورة الأولى، فلا يحق لهم فرض «عماهم» علينا، ولديَّ ملاحظة، قد يكون بعض الشباب هم الذين خرجوا في البداية، لكن جموع الشعب المصري هي التي صنعت ثورة 25 يناير. وهناك مشكلة لدى بعض الشباب هي «التلقين» عبر ال «فيس بوك» ووسائل الاتصال الحديثة، ففي هذه الأجواء الثورية المتشابكة، يصبح من السهل التأثير علي الشباب، بواسطة أصحاب المصالح والأهواء، الذين يمتلكون خبرة وحنكة، يحاولون من خلالها إعادة صياغة عقول «شباب النت» وليس «شباب مصر»، بمن فيهم ابنتيَّ «آية ونور»، والشباب الكسول الذي لا يقرأ ولم يخض معارك حقيقية يعتمد علي هذا «التلقين»، وأتعجب من شباب النت، الذي يرى أن ما حدث في 30 يونيو ليس ثورة، وكأنه لم يشاهد ملايين الشعب المصري التي خرجت في الشوارع. ** كيف تحلل رفض هذا الشباب ترشح «السيسي» وتدخل الجيش في السياسة، وكيف تقرأ هتافهم: «يسقط حكم العسكر»؟ موقف خاطئ، ليس نتاج «رؤية خاصة»، بل «رؤية ملقنة»، فهتافه بسقوط حكم العسكر «هتاف إخواني» من الأساس، وكل شاب له موقف ضد المؤسسة العسكرية، عليه أن يسأل أمه أو أبوه، سيجد أنه في جانب وهم في جانب آخر، تماما مثل ابن الجماعات الإسلامية الذي يعيش في جانب ومجتمعه في جانب آخر، وهذا من سلبيات الثورة، أن نجد الزحف الشعبي في جانب وجماعة من يسموا «النخبة» ومن يدور حولها في جانب آخر. وأرجو أن يراجع هؤلاء جميعا أنفسهم، وألا يتحدثوا باسم الشعب، لأن الشعب ليس موجودا في ميدان التحرير أو مقاهي وسط البلد، الشعب يوجد في أماكنه، وعليك أن تذهب إلي، ومن مجموع زياراتك له والغوص بداخله تستطيع أن تخرج بالفكرة الصحيحة عن مجتمعك بدلا من هذا «التلقين»، أو الأخذ من كلام «المحترفين». ** قلت من قبل إن الشباب أصبح في تعصبه يشكل «ميلشيات» تشبه مثيلتها لدى الإخوان. ما الفرق بين الثوار والإخوان في رأيك؟ الإخوان يعيشون بين الناس وتواجدهم الحقيقي في أماكن التجمعات، لكن مؤامرتهم في الغرف المغلقة، وهم نفعيون وانتهازيون، يجندون المواطنين بزجاجة زيت وكيس سكر، ويعينون الشباب على الزواج من «أخت إسلامية»، ويسهلوا الحياة الاقتصادية على شاب عاطل يقاسي الكثير من معاناة الحياة وصعوباتها، ومن ثم لا يستطيع الشخص الفكاك منهم ولا يجد غيرهم، وهو عكس ما يحدث مع الثوار، وهذا لا يعني أن يتحول الثوار إلى انتهازيين مع الجماهير، بل عليهم الاقتراب الدائم منهم والنزول إليهم في القرى والنجوع البعيدة. ** في رأيك، ما أبرز موقف يميز «السيسي» ويشجعك على اختياره رئيسا لمصر؟ هذا الرجل اتخذ موقفا مهما في لحظة حرجة، حين انحاز إلى الجماهير في 30 يونيو ووضع رقبته علي كفه، في قلب حكم الإخوان ومؤامرتهم الكبرى، وقف ضد أمريكا والغرب وتركيا وقطر، ونزل بمفرده عاريا ليقف مع الجماهير وينقذها. أعتقد أننا «جاحدين» إذا لم نرى هذا الإنقاذ. ** رشحت حمدين صباحي في الانتخابات الماضية، لماذا ترفضه حاليًّا؟ مصر الآن في حالة حرب، ووضع استثنائي لا يسمح ب «الرفاهية الفكرية»، نريد حاكما قويا لا رومانسيا كحمدين، حمدين إنسان رومانسي جميل يعيش على أفكار «عبد الناصر»، لكن الزمن تغير. ** كنت أحد «جنود» الأغنية المصرية الثورية أو ذات الروح الثورية. كيف تقيم الأغنية الوطنية بعد هذه الأجيال؟ كتبت لعبد الحليم وفايزة ونجاة وقنديل، ثم منير والحجار وهاني شاكر، ولم أتاخر يوما عن التعاون مع أي مطرب، لكن الموجات الجديدة من الأغاني الوطنية كلها «شبه بعض»، وكلنا رأى أن الزاد الغنائي اليومي للميدان كان الأغاني الوطنية القديمة، مثل «أحلف بسماها وبترابها»، «صورة»، وأغاني الشيخ إمام، وإلى حد ما صنع شباب الميدان أغانيهم، ومنها «صوت الحرية بينادي»، لكني أغرمت بأغنية «فلان الفلاني» للشاعر مصطفي إبراهيم، فهي من أجمل النصوص المغناة عن ثورة يناير وتتميز بالصدق البالغ. ** وماذا عن «تسلم الأيادي»؟ قيمتها الفنية ليست كبيرة، ولحنها مسروق، لكن ما يحسب لها أنها وحدت الجماهير، وجمعت الشعب حول جيشه، للوقوف بها ضد «أصابع رابعة الصفراء». ويجب أن نشكر من صنعوها لأنهم حركوا بها الشارع، ولنعتبرها «خطبة منبرية» أو «أغنية زفة»، لكن علي رأي أمي «الدعا كثير بس القبول!»، ولا يتبقى سوي الكلمات الصادقة، وهو ما حدث مع أغاني «جاهين وحسين السيد والأبنودي» التي مر عليها أكثر من 50 عاما وما زالت علي قيد الحياة. ** الخال «الأبنودي» الذي احتفى كثيرا بالمرأة في شعره، كيف رأى مشاركة المرأة ودورها الوطني حاليا؟ المرأة هي الوطن في كل أشعاري، فالأم تحمل نهر النيل وحضارة سبعة آلاف عام، هي الوعاء الذي يحمل كل هذه الحضارة، وخرج التليفزيون ليمحو هذه الذاكرة، وبدلا من الأم التي كانت تلقن ابنتها الأغاني والقصص والعادات والتقاليد والعيب والحرام، جعل الأم تجلس أمامه متلقية سلبية. وما حدث في الاستفتاء من رقص وفرحة من بعض الفتيات والنساء ليس من قبيل الابتذال، وإنما يمكنني تسميته «رقصا ثوريا»، يعبر عن سعادة هذه المرأة بإزاحة الإخوان، ورغبتها في إنجاز خارطة الطريق والقضاء علي الإرهاب، فالرقص تعبير بسيط تعبر به الست المصرية وتؤديه في أعظم المناسبات بالنسبة إليها، كزواج ابنتها.